دمشق مدينة عريقة حباها الله خصائص وميزات جعلتها تكتنز بأعرق الصناعات اليدوية فمن صناعة الزجاج إلى صناعة المنسوجات الدمشقية إلى صناعة أكثر تخصصا، هى صناعة العطور هذه الصنعة التى مازالت باقية يتوارثها الأبناء عن الآباء فقلما تخلو حارة دمشقية من محلات لتصنيع العطور حتى صارت تنافس العطور الباريسية لاعتماد العبير أو الشذى أي الزيت العطري الطبيعى في تصنيعها وهذا ما جعل الناس يفضلونها على العطور الصناعية ويرتبط اقتناؤها لدى الدمشقيين في المناسبات الاجتماعية المتنوعة كحفلات الزواج وفي غيرها من المحافل الدينية.
كما أن للعطور الدمشقية تطبيقات علاجية ونفسية وعصبية وبدنية اتبعت منذ مئات السنين وهذا ماجعل هذه الصنعة تحافظ على استمراريتها.
وتؤكد المصادر التاريخية أن الفراعنة هم أول من اكتشف العطر إذ كانوا يستخلصونه من شجر المر وهذا الاستخدام هو الأول من نوعه في تاريخ البشرية وفي مابعد استطاع العرب احتكار تجارة العطور إذ كانوا ينقلون المادة العطرية في قوارب من موانىء الجزيرة العربية إلى الهند فأصبحوا مصدِّرين ومستوردين في الوقت نفسه. وتعتبر الزيوت العطرية من أهم مصادر العطور وهناك رتباط وثيق بين العطر والطبابة نظرا لأن معظم مصادر الزيت الطبيعي تمتلك خواص صحية طبيعية فمن هذه الزيوت الورد اللافيندر الياسمين الريحان البابونج زيت البرتقال أو النارينج.
وعن كيفية تصنيع العطور قال هشام الحاج صاحب محل في أحد أسواق دمشق القديمة عن هذه المهنة التي يمارسها منذ ثلاثين سنة تقريبا: «إن العطر الدمشقي له شهرة واسعة فدمشق تمتلك خبرة واسعة في هذا المجال من خلال وجود شيوخ الكار الذين يصنعون العطور ويورثون خبراتهم لأولادهم من بعدهم. وترتكز صناعة العطور على الورود الطبيعية كالعود والمر والياسمين والجوري والخزامى وقلما يخلو بيت دمشقي قديم من هذه الورود لذلك قيل عن دمشق مدينة الياسمين». لمهنة العطار أسس وقواعد وهو كار لايسمح للمتطفلين بالدخول اليه حرصا على استمراريته وازدهاره ولانهم قد يسيؤون إلى هذه الصنعة التى حرص الأجداد على توريثها لأبنائهم بكل أمانة وصدق ودقة فسر المهنة ينشأ منذ الصغر من خلال الخبرة والدقة في تركيب العطور.
ولهذه الحرفة أصولها كأي حرفة أخرى فمصنع العطور يجب أن يمتلك ذوقا رفيعا وخبرة تجعله يميز عطرا من آخر ويقال إن العطار لايصاب بالأمراض الخطيرة لأن المواد التي يستخدمها طبيعية تقي الجلد من التأثير والحساسية لأنها خالية من المواد الكيماوية.
ويرجع مفعولها العلاجي إلى قدرة الزيوت العطرية على النفاذ خلال طبقات واضطرابات الهضم وارتفاع ضغط الدم نظرا لما تختص به هذه الزيوت من مفعول مطهر فاستنشاق الياسمين أو الليمون يؤدي إلى زيادة التنبيه والتركيز. إن أكثر الأنواع التى يقبل الناس على اقتنائها هى العطور المحلية برائحة الفل والياسمين والجوري والريحان إذ تصنع من خلطة طبيعية خالية من المواد الكيميائية تعطى للعطر استمراريته وعبقه وهذا ماجعل الناس في شغف دائم للحصول على هذه العطور على رغم غلاء ثمنها.
العدد 2004 - السبت 01 مارس 2008م الموافق 22 صفر 1429هـ