يأمل المسئولون الأوروبيون في أن يكسر الرئيس الروسي الجديد ديمتري ميدفيديف جليد العلاقات مع الغرب.
ولم يكن فوز ميدفيديف الساحق بأكثر من 70 في المئة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية الأحد الماضي بالأمر المفاجئ. وفيما انتقد المراقبون الدوليون النتيجة وقالوا إن التصويت لم يمتثل للمعايير الديمقراطية، فانه من الواضح أن لا شيء كان ليغير النتيجة.
ومن المسلم به أن المعارضة الديمقراطية كانت مهددة ولم يكن لديها قدرة كبيرة لاستخدام وسائل الإعلام، لكن لم يكن أبرز رموزها، ومن بينهم بوريس نيمزوف وبطل الشطرنج العالمي السابق غاري كاسباروف، يحظون بأي دعم شعبي.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن المعسكر الديمقراطي في روسيا منقسم بشدة وبدلا من التوحد ضد وقوف الكرملين في وجه الحقوق المدنية، عمد هذا المعسكر إلى تقليص سلطته المحدودة أصلا عبر اللجوء إلى المشاجرات المتكررة.
ولا شك أن ميدفيديف (42 عاما) وصل إلى السلطة بسبب شعبية الرئيس فلاديمير بوتين الواسعة، وهي شعبية نجمت عن تأثيره إيجابا على الوضع السياسي والاقتصادي الروسي في السنوات الأخيرة، علما بأنه بعد تسلم ميدفيديف رئاسة الجمهورية، سيصبح بوتين في مايو/ أيار المقبل رئيسا للوزراء.
وعلى رغم أن هذا المنصب أقل شأنا من منصب الرئيس، فإن المراقبين يخشون من ألاّ تكون لدى بوتين نية في التخلي عن السلطة وبالتالي العمل على السيطرة على ميدفيديف في الخفاء.
لكن الخبراء يدعون إلى عدم التقليل من شأن ميدفيديف الذي عمل في مكتب بوتين في بطرسبرغ في العام 1990 ولحقه إلى الكرملين في العام 1999 عندما أصبح بوتين رئيسا للوزراء ومن ثم رئيسا للجمهورية.
وقال مدير عام مركز الدراسات الاقتصادية والسياسية في موسكو فلاديمير راسوفاجيف إن «ميدفيديف ليس لعبة في يدي بوتين، وهو سيحافظ على سياسة سلفه الخارجية إلاّ أن السياسة الداخلية الروسية ستكون أكثر ليبرالية».
أما رئيس اللجنة البرلمانية الاقتصادية الألمانية لشئون أوروبا الشرقية كلاوس مانغولد والذي كان على علاقة وثيقة بميدفيديف خلال السنوات الـ 13 الماضية فقال انه يعرف أن رئيس روسيا المستقبلي هو «رجل كفوء ومصمم على إحداث تغيير في روسيا».
ويكمن التغيير بالنسبة لأشخاص مثل مانغولد في ضرورة تحديث الاقتصاد الروسي الذي مازال يعتمد بشكل كبير على النفط والغاز.
ويأمل مانغولد في أن تنضم روسيا إلى منظمة التجارة العالمية، وأن تنعش برنامج التعاون بين روسيا والاتحاد الأوروبي وتدعم الاستثمارات والتجديد.
أما بالنسبة إلى الخبراء السياسيين مثل ألكسندر راهر كبير الخبراء في مجلس العلاقات الخارجية الألماني، ومركزه برلين، فيكمن التغيير في تهدئة العلاقات المتوترة بين موسكو والحكومات الأوروبية.
ولا بد من اقتناص فرصة عدم ارتباط ميدفيديف بالأوساط العسكرية والاستخباراتية، علما بأن بوتين بدأ مهماته بصفته جاسوسا سوفياتيا في ألمانيا الشرقية الشيوعية السابقة، ويقول المراقبون إن الاستخبارات الروسية تسيطر على الكرملين حتى اليوم.
يشار إلى أن ثمة إشارات أخرى إلى أن ميدفيديف ليس مجرد ألعوبة في يد بوتين.
وقال راهر «لم يفز ميدفيديف بالانتخابات بسبب كلامه القاسي عن الشيشان كما فعل بوتين في العام 2000 وإنما فاز لأنه ركز على الشئون الاجتماعية من الضمان الاجتماعي والبيئة»، مضيفا أنه لابد أن يأخذ الغرب هذه الأمور على محمل الجد وأن يلتزم في حوار جديد مع ميدفيديف.
ويبدو أن ألمانيا قررت الأخذ بهذه النصيحة: فقد تبين يوم الثلثاء الماضي أن المستشارة الألمانية انجيلا ميركل ستزور موسكو في نهاية الأسبوع الجاري وبذلك تكون أول مسئول أوروبي يلتقي ميدفيديف بعد فوزه في الانتخابات.
لكن الوضع بالنسبة إلى واشنطن أكثر تعقيدا: فمن غير المرجح أن يرحب ميدفيديف بالرئيس الأميركي جورج بوش. لقد سبق وأغضبت واشنطن موسكو بنظام الدفاع الصاروخي المقترح في أوروبا الشرقية، وهو نظام تراه روسيا دليلا آخر على تمدد حلف شمال الأطلسي شرقا.
ولكن مثلما سيدخل جيل جديد إلى الكرملين، ستبث روح جديدة في البيت الأبيض في العام 2009. وقال راهر إن ميدفيديف مناسب أكثر من بوتين في العالم الحديث، تماما كما هي الحال بالنسبة لأي شخص يصل إلى الرئاسة الأميركية بعد جورج بوش.
وأضاف «عندما يلتقي رئيس أميركي مثل باراك أوباما بالرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف أشعر بالتفاؤل بأن لا مكان للحرب الباردة بعد اليوم».
ومرة جديدة، على المرء أن ينتظر عدة أشهر ليرى ما إذا كان ميدفيديف قادرا على تحرير نفسه من «مستشاره» واسع النفوذ.
العدد 2009 - الخميس 06 مارس 2008م الموافق 27 صفر 1429هـ