«أقصر طريق إلى قلب الرجل معدته» مثل عالمي تسمعه في كل الثقافات وبكل اللغات. الكثيرون جزموا بصحته. والأكيد أن وجبة شهية تستطيع أن تجمع حولها الذواقة. وعلى ما يبدو أن وجبة لذيذة ستضمن لسيدة قلب رجلها. وبرنامج طبخ مليء بالنكهات سيضمن للشاشة التي تبحث دائما بعطش عن مشاهدين ووجود جمهور يتتبعها.
فلم تعد برامج الطبخ - التي كانت تزخر بها الفضائيات العربية في رمضان - حكرا على هذه الفترة من السنة. فبعد أن بدأت تشيع مجموعة من فِقرات الطبخ اليومية ضمن برامج فترة الصباح على غالبية القنوات، بدأت تخصص محطات بكامل بثها لعرض مختلف أنواع الطهي والمأكولات، من أقصى آسيا إلى أقصى أميركا، مرورا بنماذج لطبخات عربية وأفريقية وأوروبية، وكل ما يخطر على البال من تركيبات وخلطات.
وبعد أن كانت الصدارة في تقديم هذه البرامج للنساء، دخل الرجال المجال بشراسة وباتت أشهر الأسماء في عالم برامج الطهي تعود لطباخين عوضا عن طبخات، وبهذه الطريقة اخترعت المحطات مثلا جديدا «أقصر طريق إلى قلب المشاهدات طباخ يثرثر على شاشة إحدى الفضائيات».
وعلى رغم أن المطبخ العربي زاخر بكم هائل من الوجبات المتنوعة والشهية، فإن الوصفات الأكثر طلبا من هذه البرامج وصفات لمأكولات تزخر بالصلصات الغريبة التي تشبه أسماؤها اسم فرق الفلامنغو الإسبانية، بالإضافة للصلصات أكوام من الأعشاب التي لم نرها نحن العرب يوما إنما سمعنا عنها مرة أو مرتين من قبل مقدمة برنامج الطبخ الأميركية رتشيل راي.
والغريب أكثر من الأسماء والمنكهات هو المكونات الأساسية للوجبة التي بالتأكيد لا تقدر عليها موازنة موظف عادي يرغب في إطعام أولاده الخمسة مثلا.
وعلى رغم أن السخرية والتهكم كانا من نصيب هذه البرامج لفترة طويلة سابقا، فإنها مع الوقت لاقت تقبلا واستحسانا من قبل المشاهدين الذي باتوا يسعون لتتبع كل غريب يخلق لديهم الدهشة. وعلى هذا أصبح تخصيص فترات بث متواصلة لبرامج طبخ وطباخين من كل بقاع الأرض أمرا مجديا تستطيع أن تنجح من خلاله محطة فضائية، وخصوصا أن متعة متابعة طريقة تحضيرهم الطعام تكاد تكون كمتعة تذوقه. فاللقطات المقربة وتلذذ المقدم بالرائحة وطريقة تزيين الأطباق الفنية لا تترك المشاهد من دون أن تحرك الجوع في معدته.
وتتنوع برامج الطبخ بين برامج تقدم وصفات لوجبة متكاملة تبدأ بالمقبلات لتنتهي بالحلويات ووصفة صحية للتخفيف من التخمة التي تنتج من هذا الطبق الدسم، فيما ظهرت أخيرا محطات تقدم برامج أكثر تخصصا في إعداد الوجبات، كأن تفرد الحلقة بالكامل لطرق صنع المشروبات، أو الحلويات، أو الوجبات الصحية، أو الوجبات النباتية.
وعلى رغم أن بحر ابتكار وجبات الطعام يكاد لا ينتهي، فإن فخذ اللحم السمين المشوي بطرق مختلفة هو الوصفة التي تقدم بكل اللغات من قبل مختلف الجنسيات. فكما يبدو الخراف مستهدفة في كل العالم ولا تقتصر مساهماتها على وجبات المندي والعزائم العربية الدسمة.
أخيرا، المضحك إن برامج الطبخ هذه تعرض غالبيتها في أوقات الظهيرة، الوقت الذي يفترض به أن يكون مناسبا لإعداد وجبة الغداء! فهل يتسنى يا ترى لمن يتابع طبخة الشيف فلان أن يطبق الوصفة التي بتأكيد جهز ثلاث أرباعها فريق العمل قبل بدأ التصوير؟
العدد 2031 - الجمعة 28 مارس 2008م الموافق 20 ربيع الاول 1429هـ