العدد 2047 - الأحد 13 أبريل 2008م الموافق 06 ربيع الثاني 1429هـ

الدعم الحكومي ورفع مستوى الأجور الحل الأوحد... عجز تامّ للتحكّم في نسب التضخم

في ندوة «الوسط» بشأن التضخم وارتفاع الأسعار:

أجمع عدد من الاقتصاديين ورجال الأعمال على أن ظاهرة التضخم وارتفاع الأسعار لا يمكن التحكم فيها أو الحد من آثارها إلا من خلال رفع الأجور وتقديم الدعم للسلع والمواطنين. وقالوا: «عند الحديث عن التضخم في اقتصاد فقير كالاقتصاد البحريني, فمهما ستفعل السلطات النقدية في البحرين فإنها لن تستطيع التحكم في هذا التضخم؛ لأنّ هناك جزءا كبيرا من التضخم الحاصل لدينا هو تضخم مستورد ولا يمكن التحكم فيه».

وأوضح الاقتصاديون ورجال الأعمال خلال الندوة التي نظمتها «الوسط» بشأن ظاهرة التضخم وارتفاع الأسعار: «إن الطفرة النفطية جذبت أموالا كبيرة إلى المنطقة مما انعكس على الإنفاق الحكومي وحينها انتقال جزء غير صغير السيولة إلى القطاع الخاص مما أدى إلى ارتفاع حجم السيولة بشكل كبير في الخليج». وقالوا: «إن ذلك أثر بشكل مباشر على ارتفاع الأسعار».

وذكروا أن معظم ما تستهلكه الدول الخليجية يأتي من الخارج, ولذلك فإننا نستورد أيضا جزءا من التضخم الحاصل في الدول التي تصدر لنا منتجاتها وخصوصا الصين والدول الأوروبية.

وقالوا: «نتيجة لتراجع الدولار مقابل اليورو فإن الدول الأوروبية تصدر لنا جزءا من تضخمها بشكل غير مباشر, ولذلك نرى أن ما يحدث في الدول الخليجية من ارتفاع للأسعار هو نتيجة لمزيج من عوامل مستوردة وعوامل داخلية».

وفيما يأتي نص الندوة:

- أحمد اليوشع: إن ظاهرة ارتفاع الأسعار عالميا تختلف أسبابها من منطقة إلى أخرى، فارتفاع الأسعار في الدول النامية تختلف أسبابها عن الدول المتقدمة, فأحد الأسباب لارتفاع أسعار السلع الغذائية في الدول المتقدمة هو إزالة الدعم عنها وعندئذٍ فإن ذلك أدى إلى ارتفاع أسعار الكثير من المواد الغذائية, وعلى سبيل المثال فإن ما يحصل الآن في الولايات المتحدة الأميركية أن أزمة الرهن العقاري وتراجع الاطمئنان لدى المتعاملين في أسواق الأسهم دفع مجاميع منهم وخصوصا من يغلب عليهم طابع المضاربة إلى ترك سوق الأسهم والانتقال إلى أسواق السلع مما أدى إلى انتقال الأموال من الاستثمار في الأسهم خوفا مما سيحصل للاستثمار في السلع، ونتيجة لذلك فإن الكثير من السلع الأولية ارتفعت أسعارها بصورة كبيرة وذلك ما انعكس على سعر النفط وصحب ذلك انعكاس على أسعار المنتجات الزراعية وانعكس على الاقتصاد العالمي. في حين تختلف الأمور حين النظر إلى أسباب ارتفاع الأسعار في دول شرق آسيا, فهنا عملاقان ينهضون اقتصاديّا هما الهند والصين وشهدت هاتين الدولتين معدلات نموّ عالية جدا. وفي ظل ارتفاع السيولة فيهما بصورة كبيرة وخصوصا في الصين فمن المتوقع أن يؤثر ذلك على التضخم في هذه الدولة التي يعد اقتصادها من أكبر اقتصاديات العالم ثمّ على الاقتصاد العالمي؛ لأن الصين تصدر جزءا كبيرا من منتجاتها إلى الاقتصاد العالمي.

ارتفاع حجم السيولة

وإن نظرنا إلى الدول الخليجية فإن الخليج يشهد مرحلة من أروع مراحله في تاريخه الاقتصادي الحديث إذ تعد هذه الطفرة هي الثانية بعد طفرة السبعينيات, هذه الطفرة جذبت أموالا كبيرة إلى المنطقة نتيجة ارتفاع أسعار النفط وانعكاسها على الإنفاق الحكومي وعندئذٍ انتقال جزء غير صغير من هذه السيولة إلى القطاع الخاص مما أدى إلى ارتفاع حجم السيولة بشكل كبير في الخليج وحينها متى ما اندفع الاقتصاد بهذا الشكل فمن المتوقع أن ينعكس ذلك على الأسعار, فالمشكلة في الدول الخليجية أن معظم ما تستهلكه يأتي من الخارج, ولذلك فإننا نستورد أيضا جزءا من التضخم الحاصل في الدول التي تصدر لنا منتجاتها وخصوصا الصين والدول الأوروبية, ونتيجة لتراجع الدولار مقابل اليورو فإن الدول الأوروبية تصدر لنا جزءا من تضخمها بشكل غير مباشر, ولذلك نرى أن ما يحدث في الدول الخليجية من ارتفاع للأسعار هو نتيجة لمزيج من عوامل مستوردة وعوامل داخلية, العوامل المستوردة تلعب فيها فرق سعر صرف العملة المحلية مع شركائنا التجاريين, أما العامل المحلي فهو ناتج بشكل رئيس عن زيادة معدلات نمو السيولة.

*من الأسباب التي ذكرها اليوشع في ارتفاع نسبة التضخم وارتفاع الأسعار هي تراجع سعر صرف الدولار أمام العملات الأخرى وخصوصا اليورو, وكان الكثير من الاقتصاديين الخليجيين والبحرينيين قد دعوا في أوقات سابقة إلى فك ربط العملات الخليجية بالدولار, وفي تصريح لمحافظ البنك المركزي صدر حديثا تطرق فيه إلى أن هناك دراسة يقوم بها البنك المركزي لفك ربط الدينار بالدولار, فهل يعني أن هناك توجها جديّا من البحرين والدول الخليجية لذلك؟

- محمد الصياد: لقد قرأت الكثير من تصريحات وزراء المالية ومحافظي المصارف المركزية الخليجيين خلال الفترة السابقة وكان هناك الكثير من التصريحات المتناقضة في هذا الخصوص, ففي بعض الأحيان يصدر تصريح بأن هناك تفكيرا جديّا بفكّ الارتباط بالدولار وبعد أسبوع من ذلك يصرّح المصدر نفسه بأنه لن يتم فكّ الارتباط, فليست هناك سياسة واضحة في هذا الاتجاه.

المشكلة أن جميع ما نستهلكه هو من الخارج وانخفاض الدولار أمام عملات الدول التي نستورد منها البضائع يعني انخفاض عملاتنا أمام العملات الأخرى بالنسبة نفسها التي ينخفض فيها الدولار, اليوم الدولار في حالة انهيار تام, لقد كان سعر الدولار في شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي 1.56 يورو وانخفض منذ ذلك الوقت بعشرة في المئة, في حين كسر الذهب حاجز الألف دولار للأونصة الواحدة والنفط كسر حاجز 110 للبرميل, ومن المعروف أن النفط مسعر بالدولار والحكومات تغطي خسائرها من انخفاض سعر الدولار برفع سعر النفط، ولذلك فإن هناك علاقة عكسية بينهما, في حين أن المواطن لا يمكنه أن يغطي هذه الفروقات, فمن المفترض أن تكون الأجور في مستوى ارتفاع أو انخفاض الدولار نفسه.

نحن لا نجد أن السلطات النقدية في الولايات المتحدة مهتمة بارتفاع الدولار, في حين أن هناك عددا من الأحداث في العالم ساهمت في ارتفاع الأسعار بشكل كبير، فلنتصور أنه خلال ثلاثة أشهر من شهر يوليو/ تموز 2007 ولغاية شهر سبتمبر/ أيلول من العام 2007 فإن الطن الواحد من القمح ارتفع من 200 إلى 400 دولار للطن في حين ارتفع سعر الذرة 50 في المئة من 2006 ولحد الآن إذ وصل إلى 175 دولارا للطن وذلك أكثر من متوسط السعر لمرتين في خلال 25 سنة, الولايات المتحدة وتحت ضغوط ارتفاع أسعار النفط فإنها قامت بتصنيع 15مليون طن من الذرة في العام 2000 لإنتاج الميثانول لاستخدامه كوقود حيوي للسيارات في حين ارتفعت هذه الكمية لتصل الآن إلى 85 مليون طن, وذلك ما أدى إلى تحويل أراضٍ شاسعة لزراعة الذرة على حساب زراعة القمح وبدل أن يصدر الذرة إلى أسواق الاستهلاك تم تحويله إلى وقود مما أدى إلى شحٍّ في عرضه للاستهلاك الغذائي.

كما أن ازدهار أسواق مثل الصين والهند أدت إلى زيادة الطلب على المواد الاستهلاكية فمثلا كان المواطن الصيني يستهلك في العام 1985 ما يقرب من 20 كيلوغراما من اللحم في السنة في حين وصل استهلاك الصينيين في العام الماضي 50 كيلوغراما للفرد الواحد سنويّا. إن ارتفاع استهلاك اللحوم يعني أيضا زيادة كمية أعلاف الحيوانات وغيرها من الأمور.

الغريب أنه مع ارتفاع أسعار النفط ارتفعت جميع المواد الأولية كالحديد والألمنيوم والزنك.

استمرار التضخم وارتفاع الأسعار

*إن تقرير منظمة الأغذية العالمية (الفاو) يشير إلى أن الارتفاع العالمي في أسعار المواد الغذائية سيتمر حتى العام 2010، فهل هناك ما يمكن فعله في دولنا الخليجية التي تستورد جميع مستلزماتها وغذائها من الخارج للتقليل من آثار ارتفاع الأسعار؟ أو فلنقل ما هو المطلوب من القطاع الخاص والدولة عمله؟

- عادل المسقطي: إن توقعات ارتفاع الأسعار واستمرار ذلك متفق عليه من قبل الجميع وإن ذلك لن يتوقف خلال شهر أو شهرين, فما هو المطلوب من المجتمع وما هو المطلوب من الحكومة؟ إذا سلمنا بأن البحرين دولة اتخذت من الاقتصاد الحر سياسة فمعنى ذلك أن الأمور يجب أن تترك للعرض والطلب وأن ذلك فقط هو ما سيحدد الأسعار وهنا لا يمكن للحكومة أن تتدخل في ذلك، أي لا يمكنها أن تقوم بخطوة تحديد الأسعار وكل ما يمكنها فعله هو في حالة ارتفاع أسعار سلعة معينة هو تشجيعها لاستيراد هذه السلعة لكي يفوق العرض على الطلب وبذلك تستقر أسعارها في السوق المحلي، والعكس صحيح. الكل يلوم الحكومة في قضية ارتفاع الأسعار ولكن هل يمكن للحكومة أن تلزم أي تاجر من التجار بتحديد سعر معين لأي سلعة يبيعها, بالطبع لا يمكنها ذلك فكل ما تستطيعه هو تشجيع الاستيراد وتشجيع توفير البدائل للسلعة الواحدة وتشجيع المستثمرين على إدخال مختلف أنواع البضائع في السوق المحلي.

*لا أحد يطالب بتحديد الأسعار, ولكن ألا يمكن للحكومة مراقبة الأسعار بحيث تضبط المتلاعبين أو الذين يقومون برفع أسعار السلع بشكل غير مبرر, إن ذلك حدث في دبي مثلا على رغم أنها ملتزمة باقتصاد السوق الحر؟

- المسقطي: إن دبي ليست مثالا لنا, ودعني أبسّط الأمر, عندما يرى مثلا أحد مفتشي وزارة التجارة إحدى البرادات تبيع الأرز بضعف ما تبيعه البرادة الأخرى القريبة منها فهل يحق له التدخل في ذلك؟ إن ما تستطيع الحكومة القيام به هو إيجاد البدائل وفتح السوق وأمر تحديد الأسعار يُترك للمنافسة فإن كنت أبيع بضاعة ما بسعر أعلى مما يبيعه تاجر آخر فإنه من الأكيد أن الزبائن ستشتري من التاجر الذي سعره أقل. إن مراقبة الأسعار وتحديد هامش للربحية تقوم به الدول ذات الاقتصاد الموجه أو الدول الاشتراكية.

هناك دور للمجتمع, فالكل يريد شراء ماركة معينة من الأرز على رغم وجود الكثير من الأنواع التي قد تكون أجود وأرخص ويجرى ذلك على غالب أنواع السلع, فهناك ماركات محددة يقبل عليها أفراد المجتمع على رغم وجود بدائل, فإنْ كنا نقول إن هناك تاجرا يرفع أسعاره بشكل غير مبرر، فلماذا لا نقاطع بضائعه ونتوجّه إلى الماركات الأقل سعرا, إننا بهذا الأسلوب نشجع زيادة الطلب على بضائع معينة وحينها ارتفاع أسعارها.

*هل يرى اليوشع أن ما تنادي به غالبية المواطنين من مراقبة السوق والتضييق على المتلاعبين بالأسعار لا يمكن إلا في الدول الاشتراكية أم أن ذلك يحدث أيضا في الدول ذات التوجه الرأسمالي؟

- اليوشع: هناك إشكالية كبيرة في البحرين وقد قمت بإجراء الكثير من الدراسات في هذا الموضوع, السؤال هو هل نحن نريد دورا للدولة في إدارة الاقتصاد أم لا؟ نحن لحد الآن لم نحدد ذلك ولا يوجد لدينا إجماع عن هذا الموضوع, التيارات الموجودة في البرلمان جزء كبير منها في برامجها الاقتصادية طرحت إزالة دور الدولة في الاقتصاد واليوم في ظل التضخم فإنها أكثر من يطالب بتدخل الدولة, وهذا تناقض واضح, أنا أؤمن بأنه يجب أن يكون هناك إجماع لدى السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية بشأن دور الدولة في الاقتصاد, على الأقل في الحدود الدنيا, ما هو المطلوب من حكومة البحرين في المرحلة الحالية, والى أيّ مدى نريد الدولة أن تتدخل في الاقتصاد؟

هناك من يؤمن بالفكر الاشتراكي التقليدي وهناك من يؤمن بتدخل الدولة ولكن بحدود معينة، وهناك تجارب دول شرق آسيا فما هو ما نريده في البحرين, فلا بد أن نتفق على: هل نريد دورا للدولة في إدارة الاقتصاد أم لا؟ وإلى أيّ مدى نريد ذلك؟ أظن أن ذلك نقطة أساسية يجب أن نتفق عليها, بسبب أن الكل يدلي بدلوه ويعبث بمصير الشعب البحريني, لا يوجد اقتصاد في العالم ناجح ما لم تكن الحكومة وراءه, وانتقال الأمم من مرحلة إلى أخرى دائما ما تقوم بها الحكومات.

نحن نتحدث عن التضخم في اقتصاد فقير كالاقتصاد البحريني, فمهما ستفعل السلطات النقدية في البحرين فإنها لن تستطيع التحكم في التضخم في البحرين لسبب بسيط هو أن هناك جزءا كبيرا من التضخم الحاصل لدينا هو تضخم مستورد ولا يمكن التحكم به, يمكن أن نؤثر بالتضخم الناجم عن العوامل المحلية وذلك من خلال التحكم بمستوى السيولة, ولكن عندما تعبث بالسيولة فإن عليك أن تعي بأن السيولة سيف ذو حدين, فمن الممكن أن تقوم بتخفيض معدل السيولة وعندها تؤثر سلبا على نمو الطلب وتراجع الأسعار، ولكن ذلك يعني أيضا انتكاسة للاقتصاد وارتفاع مستوى البطالة وغيرها.

إن أردنا أن نعالج موضوعا يتعلق بالتضخم فعلينا أن ندرك خصائص الاقتصاد البحريني نفسه، وأين موقعنا في الدورة الاقتصادية، وما هي خصائص هذا الموقع, هل نحن في مرحلة نمو يصاحبها تضخم أم نحن في مرحلة ركود تضخمي, عندما ندرك ذلك نستطيع أن نقدم نصيحة صحيحة.

خيار التضخم والنمو الاقتصادي

*حدث في مرحلة السبعينيات لدينا نمو كبير صاحبه أيضا تضخم كبير ولم يتوقف ذلك التضخم إلا بعد أن دخلنا في مرحلة ركود اقتصادي، فهل من المطلوب أن يدخل الاقتصادي البحريني في حالة ركود لكي نوقف التضخم أم أن هناك حلولا أخرى؟

- الصياد: من الغريب إننا الآن نجتاز مرحلة نموّ بسبب الطفرة النفطية الثالثة, إذ كانت الطفرة النفطية الأولى في العام 1973 والثانية مع قيام الثورة الإيرانية في العام 1979 عندما وصل سعر برميل النفط إلى 40 دولارا, والمرحلة الثالثة هي الآن وهي تتميز بطول فترتها مقارنة بالطفرات الأخرى, نحن في مرحلة انتعاش الدورة الاقتصادية وفي الوقت نفسه نحن نحاول أن نوقف هذا النمو عن طريق خفض أسعار الفائدة, وبعكس ما يحدث في أميركا التي تريد من خفض أسعار الفائدة تقوية اقتصادها فإننا نريد من خفض أسعار الفائدة مجارات الاقتصاد الأميركي ولكي لا تهرب ودائعنا لتتحول إلى الودائع الدولارية وهذه مفارقة كبيرة وهذا ما يحدث أيضا في الإمارات وقطر.

ما يخص السؤال الذي طرحته من هل ننتظر فترة ركود لكي نحافظ على التضخم, من حسن الحظ أننا لسنا دولا زراعية وإنما دول نفطية, ونحمد الله على أن مفاوضات منظمة التجارة العالمية تسير إلى الركود؛ إذ إنه لو نجحت الدول النامية المصدرة للمنتجات الزراعية وألغي الدعم الأوروبي للمنتجات لارتفعت لدينا الأسعار بشكل كبير جدا بسبب أن المزارعين الأوروبيين الذين كانوا يتلقون الدعم من حكوماتهم سيصبحون مكشوفين وسيزيدون قيمة تكلفتهم على الأسعار، وهذا ما يمكن أن يؤدي إلى أزمة عالمية خطيرة.

- إبراهيم الدعيسي: إن أسباب التضخم واضحة لدى الجميع وقد طرح اليوشع في ندوة سابقة عن خيار إيقاف التضخم مقابل إيقاف النمو الاقتصادي وهل أن ذلك في صالحنا أم لا. أعتقد أنه لا يجب التدخل في آليات السوق, وعلى رغم أنني لا أعارض الدعم الحكومي ولكني أرى أنه يجب أن يكون هذا الدعم مقننا ويصل إلى مستحقيه فقط. إن الدعم المطبق حاليا يلعب بآليات السوق ويمكن أن يؤدي إلى مشكلات أكبر من أنه يمكن أن يحل مشكلة التضخم, مثلا في العام الماضي أتت لدينا أزمة كبيرة في توافر اللحوم الحمراء والسبب كان أن الطلب يزيد على العرض.

*ولكن سبب أزمة اللحوم كانت بسبب الدولة المصدرة؟

- الدعيسي: إن سبب الأزمة الحقيقي هو أن تسعيرة اللحوم كانت دينار واحد للكيلوغرام، وأي تاجر يريد أن يستورد لحوما لتنافس الشركة الموجودة سيكلفه ذلك على الأقل دينارا وخمسمئة فلس للكيلوغرام وهذا ما يحد من إمكان التجار للاستيراد؛ لأن سعر اللحوم الطازجة دينار في حين أن التجار يمكن أن يستوردوا لحوما مجمدة.

أرى أنه يجب أن تكون هناك سيولة لدى الناس لكي تستطيع أن تعيش وتحافظ على مستواها المعيشي، ولذلك ليس لدينا كتجار مشكلة في زيادة الرواتب ولكن ذلك يعني زيادة الأسعار؛ إذ إن التكلفة على التجار ستزداد, لا أرى حلا آخر لمشكلة التضخم إلا من خلال رفع الرواتب ولذ فإن الدعم الحكومي ليس حلا.

نسبة التضخم في البحرين مجهولة

*هل هناك رقم محدد لنسبة التضخم في البحرين؟ ففي حين تتحدث المصادر الرسمية عن 3 في المئة هناك مصادر أخرى تقول إن نسبة التضخم وصلت لحد 10 في المئة؟

- جاسم حسين: في هذا المجال يمكن الإشادة بدولة قطر؛ إذ إنها شفافة جدّا في إعلان الرقم الحقيقي للتضخم هناك، وأعلنت صراحة أن نسبة التضخم في قطر وصلت لـ14 في المئة كما أنهم شرحوا بالضبط تفاصيل التضخم لديهم وذلك ما أكده أيضا تقرير البنك الدولي وذكرت قطر أن ما يقرب من 28 في المئة من نسبة التضخم هي المرتبطة بالعقار و21 في المئة متعلقة بالمواد التموينية حتى المملكة العربية السعودية ذكرت بكل شفافية نسبة التضخم لديها, إلا البحرين التي فشلت فشلا ذريعا في ذلك, وذلك بالطبع بسبب فشل الجهاز المركزي للمعلومات؛ فحتى الآن لا نعرف معادلة احتساب معدل التضخم في البحرين والجهاز المركزي يحدد نسبة التضخم بـ 3 في المئة, ولكن إن كنا لا نمتلك المعلومة الصحيحة فكيف يمكن أن نعالج حالة التضخم الموجودة لدينا وكيف يمكن لنا أن نشخص ذلك ونعرف مصدر التضخم، هل هو من العقار أم من غيره, من المهم بالنسبة إلي كيفية معالجة التضخم.

في ندوة التضخم التي عقدها اتحاد الغرف الخليجية منذ فترة بسيطة طرحت عددا من الأفكار من بينها أن على البحرين الاستفادة من التجربة السعودية في تخفيض الرسوم عن المواطنين, فموازنة الدولة في وضع مريح جدا، فلماذا تقوم الحكومة في الوقت الحالي في مواصلة السياسة السابقة نفسها من فرض رسوم عالية, في حين أن السعودية قد خفضت بعض رسوم الخدمات بنسبة 50 في المئة, كان هناك فائض في الموازنة في البحرين لسنة 2006 قدر بنحو 281 مليون دينار ولا أعرف أين ستذهب هذه الأموال إن لم تكن لمساعدة المواطنين فلماذا لا يتم تخفيض رسوم تسجيل السيارات مثلا أو رسوم إصدار الجوازات وعندئذٍ فإن ذلك سيعتبر نوعا من المساعدة للمواطنين.

مساعدة الغلاء خطوة جيدة في هذا إطار التحويلات ويجب أن نزيد من مثل هذه التحويلات لكي نساعد الناس على التكيف مع التضخم الحاصل لدينا, كما نحتاج إلى سياسة لترشيد الإنفاق الحكومي؛ فليس معلوما تماما أين يذهب الإنفاق الحكومي, أعتقد أن أحد الأسباب الرئيسة للغلاء يعود إلى العقار, واصطحبت ذلك مشكلة كبيرة الآن لدى المواطنين لشراء منزل, ولذلك يجب زيادة الإنفاق الحكومي على الإسكان.

نحن في كتلة الوفاق كنا واضحين في طرحنا لأهمية دور الحكومة في إدارة الاقتصاد المحلي، وأكدنا أهمية ترشيد دور الحكومة, قد تكون المصلحة في الوقت الحالي تدور حول تعزيز دور القطاع الخاص وإعطائه مجالا أكبر, أعتقد أن المشكل الرئيس حاليا هو أن الحكومة لدينا غير قادرة أو غير مستعدة لتحمل مسئولياتها, ولذلك يجب آن يكون هناك نوع من الضغط عليها وليس ضغطا على الناس.

*كثيرا ما يتم تحميل الحكومة الأخطاء في حين نتناسى دور القطاع الخاص الذي توجه في الفترة الأخيرة بكامل إمكاناته إلى القطاع العقاري متناسيا القطاع الصناعي أو الزراعي أو حتى الصناعات الخفيفة في مجال الأغذية, ألا يتحمل القطاع الخاص جزءا كبيرا من المسئولية في هذا المجال؟

- المسقطي: ذلك بالضبط ما أردت الحديث عنه, ولكن دعني أولا أعلق على بعض ما طرحه حسين, هناك خطط قصيرة المدى وهناك خطط بعيدة المدى, فهل من صالحنا استغلال الوفرة النقدية الموجودة لدينا في جانب التخفيف من الرسوم المفروضة, فمثلا عندما نطرح قضية تخفيض رسوم تسجيل السيارات فمعنى ذلك أننا نشجع الناس على زيادة أعداد السيارات في البحرين في حين أننا نرى الوضع الموجود حاليا من الازدحام في الشوارع.

أرى أن أحد أسباب وضعنا الحالي هو طبيعة اقتصادنا وذلك ليس مقتصرا على البحرين فقط, وإنما منطقة الخليج عموما. إن طبيعة اقتصادنا هو الاستهلاك وليس لدينا أي توجّه للإنتاج, ولذلك نلاحظ أن الوفرة النقدية الموجودة اتجهت تماما لمعالجة الأمور البسيطة المدى في حين نتناسى تماما الخطط المستقبلية, فإن لم نتجه للمشروعات المنتجة لكي نقلل الاعتماد على الخارج ونوفر لنا عملة صعبة من خلال التصدير للخارج فإننا لن نستفيد من الوفرة النقدية الحاصلة الآن. إن هذه الوفرة النقدية ستنتهي بعد سنين قليلة ليست أكثر من 30 سنة, في حين أن النفط الذي لدينا ينضب وسينتهي في يوم من الأيام فعلى ماذا سيعيش المواطنون؟ إذا أنفقنا هذه الأموال لكي نحل مشكلات لسنة أو ثلاث سنوات، فماذا سنفعل بعد 20 سنة؟

أرى أن توجه الدولة في تطوير البنية التحتية توجها صحيحا، فالبنية التحتية لدينا في البحرين لم تطور ولم تحدث منذ أكثر من 15 عاما, ولكن يجب أن يكون هناك توجه آخر نحو المصانع والإنتاج والتوجه إلى التصدير, إنني لا أطرح هنا قضية الأمن الغذائي؛ فليس لدينا شيء ننتجه كما أن الأمن الغذائي يحتاج إلى الزراعة والثروة الحيوانية, عندما ننشئ مصنعا للعصير مثلا ويأتي هذا المصنع بجميع المواد الأولية من الخارج فهل نعتبر ذلك أمنا غذائيا, الأمن الغذائي يتمثل في شراء مزارع في دول لديها إمكانات الإنتاج وبتنافسية عالية.

الدعم الحكومي

*كان هناك توجها من هذا القبيل من قبل الدول الخليجية؟

- المسقطي: نعم ولكن قضينا عليه من خلال الدعم المقدم لشركات الدواجن واللحوم, مما أدى إلى عدم تغير سعر لحوم الدجاج منذ 25 عاما، كما أن أرباح المزارع يتم تحصيلها من خلال المعونات أو الدعم الذي تقدمه الحكومة, فهل نتوقع من مصنع تم تحديد أسعاره أن يحقق أرباحا تتيح له القيام بشراء مزارع ويستثمر في بلدان أخرى, نحن بذلك حكمنا على هذه المزارع بأن تكون خاملة؛ لأنها تعتمد على معونة الحكومة.

*هل يعني ذلك أنك تدعوا إلى إزالة الدعم الحكومي؟

- المسقطي: أبدا، ولكني أدعوا إلى تقديم هذا الدعم إلى المحتاجين فقط وليس للجميع بحيث أدعم جميع إنتاج الدجاج وأحدد بعد ذلك السعر الذي يجب أن يباع به, وهذه هي المشكلة التي نواجهها الآن بحيث نوزع موازنة الدولة للجميع فالطحين والدجاج واللحوم المدعومة يستهلكها الجميع الغني والفقير واستهلاك الأغنياء أكبر كثيرا من استهلاك الفقراء وبذلك تضيع الأموال المرصودة للدعم، وفي الوقت نفسه قضينا على التنافسية والربحية للمزارع التي كان من المفترض أن تتوسع وتحقق لنا أمنا غذائيا.

- اليوشع: لقد ذكرت في السابق أن هناك أسبابا خارجية للتضخم كما أن هناك أسبابا داخلية, إننا في مرحلة طفرة اقتصادية, وعلينا أن نكون حذرين جدّا في التلاعب في هذه الطفرة؛ لأننا لا نعرف كيف ستتجه عواقب الأمور, دعونا أولا نفكك الأمور وبعدها نضع الحلول, لقد تحدثنا عن التضخم المستورد وأن جزءا من هذا التضخم يعود إلى العرض وذلك ليس لنا علاقة به ولا يمكن التحكم به كخليجين, وجزء آخر من التضخم الخارجي يرجع أيضا إلى سعر صرف عملاتنا وإذا استثنينا الكويت وعمان بقت الدول الأربع التي مازالت ملتزمة باتفاقية الاتحاد النقدي بربط سعر عملتها بالدولار الأميركي، وهذه الدول لديها اتفاق على أن أي قرار سيتم خلاف هذا الواقع سيكون قرارا جماعيا. إن تحدثنا عن البحرين فبرأيي الشخصي في ظل ظروفها الحالية والإقليمية فإنه من الصعب عليها جدّا أن تخرج من هذا الإجماع؛ لأن ذلك سيكون مكلفا جدّا عليها وذلك واضح لدى صانع القرار البحريني.

في حين أن التضخم المحلي ناجم لدينا من توافر السيولة, فلحد الآن إننا في البحرين ليست لدينا دراسات اقتصادية تحدد العلاقة بين السيولة والتضخم وإن خفضنا نسبة السيولة 1 في المئة ماذا سيحصل للاقتصاد وماذا سيحصل للتضخم؟ ولذلك ليست لدينا خيارات كثيرة, فإذا كيف نعالج قضية التضخم. إن لم يكن في استطاعة صانع القرار التدخل مباشرة من خلال آليات اقتصادية فهناك بدائل أخرى يطلق عليها في علم الاقتصاد بسياسات الدخل ومن هذه السياسات الدعم والأجور والرسوم وغيرها مما يرتبط مباشرة بدخل الإنسان وقوته الشرائية, وهذه هي الخيارات المتاحة ولو نظرنا إلى دول الخليج فإن جميعها قد اتخذت هذا الاتجاه بما فيها الكويت.

الحلول المتاحة

*هل يعني ذلك أنه لا يوجد حل لدى الدول الخليجية غير تقديم الدعم لمواطنيها أو زيادة أجورهم؟

- اليوشع: لا هناك حلول أخرى ولكن يجب أن نتحملها, فإن لعبنا بالسيولة مثلا فيجب علينا تحمل تبعات ذلك, فلو خفضنا مستوى السيولة فإن ذلك بالضرورة سيؤثر على النمو الاقتصادي، فهل نحن مستعدون لتحمل تكلفة ذلك, كما يمكننا إعادة النظر في سياسة سعر صرف عملاتنا ولكن بالنسبة إلينا في البحرين نجد أن صانع القرار وضعه صعب في هذا الأمر وعندها فإن المتاح للبحرين يأتي من خلال الدعم.

*دعنا نتحدث عن ما هو متاح فقط, فمنذ فترة طويلة سمعنا عن دراسة يقوم بها معهد البحرين للدراسات والبحوث بتوجيه من وزارة التجارة والصناعة لوضع آليات تضمن وصول الدعم لمستحقيه فقط, وتوقف الحديث عن ذلك منذ فترة طويلة، وتركز الحديث الآن عن معونة الغلاء وتخصيص 40 مليون دينار لذلك؟ فهل لديكم معلومات أين انتهت هذه الدراسة؟

- حسين: لا توجد معلومات لدينا عما توصلت إليه الدراسة, وحتى علاوة الغلاء لا توجد بشأنها معلومات كافية عمن يستحقها، ولذلك رينا أن عددا من القوائم قد طرحت وأعيد طرحها مرة أخرى, نحن نعاني من قلة المعلومات وأحد أسباب ذلك هو عدم وجود نظام ضريبي في البحرين، فلو كان لدينا مثل هذا النظام لكان بالإمكان الحصول على معلومات دقيقة.

إن موضوع إيصال الدعم إلى مستحقيه أرى أنه موضوع خطير وصعب تطبيقه الآن في البحرين، يمكن أن يكون ذلك في المستقبل ولكن في الوقت الراهن صحيح أن هناك أفرادا أغنياء يستفيدون من الدعم ولكن غالبية الناس هم من مستحقي الدعم وحتى الطبقة الوسطى والأجانب فمن مصلحتنا أن يحصل العمال الأجانب المحدودي الرواتب على غذاء رخيص نسبيّا؛ فإن أزلنا الدعم فإن هذه الفئة ستصبح في وضع حرج جدّا قد يؤدي بها إلى الاعتداء على أملاك الآخرين، فأكثر الفقراء في البحرين الذين يعيشون في ظروف صعبة هم الأجانب الذين يشكلون 60 في المئة من القوة العاملة, كما أن مبلغ الدعم ليس كبيرا وتستطيع الدولة تحمل هذا المبلغ وخصوصا ما يقدم للمواد التموينية.

إن الظروف المعيشية للمواطنين صعبة حتى مع وجود الدعم، فكيف لو تم تقنين هذا الدعم وتقديمه لفئات معينة فقط.

*الأرقام الحكومية تتحدث عن 500 مليون دينار تقدم سنويّا للدعم، أليس ذلك مبلغا كبيرا؟

- حسين: إن ذلك يتضمن المحروقات والكهرباء إلى جانب المواد التموينية, كما أن هذه الأرقام مصدرها الحكومة، ولا يوجد دليل لدينا على ذلك.

*ولكن ما يقدم للمواد التموينية كم تبلغ نسبته من هذا الرقم؟

- حسين: الحكومة تدعم اللحوم الحمراء والطحين والدجاج ومن الممكن أن يصل حجم الدعم خلال هذه السنة إلى 25 مليون دينار.

* فيما يخص صرف علاوة الغلاء, هناك تخوف لدى المواطنين من أن مبلغ العلاوة سيذهب إلى التجار ولن يستفيدوا منه شيئا, فالحديث يدور الآن عن أن الكثير من التجار بدأوا برفع أسعار بضائعهم وحتى قبل أن تصرف العلاوة؟

- المسقطي: للأسف أن الإعلام لدينا دائما ما يتهم التجار بالجشع وأنهم يمتصون دماء الناس, فالتاجر في النهاية هو مواطن كما أن التاجر يستلف الأموال من المصارف لكي يستثمر، وقد مرت فترة أفلس فيها الكثير من التجار لدينا في فترة الكساد الاقتصادي في الثمانينيات والتسعينيات فقد انتهت الكثير من الأسماء التي كان لها صيتا كبيرا في السوق, أرى أن ما يُشاع من أن التجار مصاصو دماء هي مبالغة كبيرة. إن غالبية التجار لدينا لا يرفعون الأسعار بصورة غير مبررة؛ لأنهم يواجهون منافسة شديدة كما أن هامش الربح محدود جدّا ولا يتعدى 2 أو 3 في المئة.

المشاركون في الندوة

- النائب الثاني لغرفة تجارة وصناعة البحرين عادل المسقطي.

- رئيس جمعية الاقتصاديين البحرينية أحمد اليوشع.

- الباحث الاقتصادي محمد الصياد.

- رئيس لجنة الأغذية بغرفة تجارة وصناعة البحرين إبراهيم الدعيسي.

- عضو اللجنة المالية والاقتصادية بمجلس النواب جاسم حسين.

العدد 2047 - الأحد 13 أبريل 2008م الموافق 06 ربيع الثاني 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً