«هل هناك موسيقى تقليدية فنية في العالم العربي» هذا هو العنوان المعدل للمحاضرة التي ألقتها الأكاديمية شهرزاد حسن، والسؤال من الوهلة الأولى بسيط، لكن الإبحار مع المحاضرة وهي تتحدث وتتعمق في هذا الموضوع لأكثر من ساعة ونصف من الزمن يعرض لنا نتيجة عكسية تماما.
تبدأ شهرزاد محاضرتها في مركز الشيخ إبراهيم للثقافة والبحوث بإطلاعنا أولا عن آراء وانطباعات مجموعة من أساتذة الموسيقى الغربيين عن الموسيقى العربية التقليدية أو الكلاسيكية، فتقول إن مصطلح الموسيقى العربية استعمل للتعبير عن الموسيقى والتراث فقط مقارنة مع الموسيقات الأخرى والتي تستخدم لها مصطلحات مثل الموسيقى الكلاسيكية والموسيقى الرفيعة وغيرهما وهي الأوصاف أو المواصفات التي يمكن أن تعرف بها أنواع الموسيقى وتعتبر أنها بمثابة الأحكام.
وترى المحاضرة أن هذه المصطلحات يمكن أن تعتبر أيضا أدوات تواصل مميزة في الثقافات، وأن من يريد أن يثبت أن هناك موسيقى محلية متميزة عليه أن يستخدم هذه المصطلحات، وأنه على رغم اختلاف المحدثين فإن مصطلح الموسيقى الفنية أو الكلاسيكية هو مصطلح غربي في الأساس.
وتعود شهرزاد إلى السؤال الذي يقول: «هل توجد موسيقى عربية مرادفة للموسيقى الكلاسيكية، وهنا يأتي الجواب على لسان الدارسين الغربيين لهذه الموسيقى والذين يرون أن الموسيقى العربية لا قواعد لها وهي مرتجلة ومنقوصة وليست لها دلالات اجتماعية، وأنهم يروون أيضا أنه بهدف تحديث المجتمع سعى المسئولون العرب عن الموسيقى إلى الأخذ بالموسيقى الكلاسيكية الغربية، وهناك مجموعة من الأمثلة التي تشير إلى مثل هذا الاستشراق في الموسيقى».
هناك كتابان غربيان تحدثا عن الموسيقى العربية والكلاسيكية أحدهما لكاتب فرنسي اسمه لوتو يصف الموسيقى المصرية تحديدا بالموسيقى الحسية، وهناك كتاب آخر صدر بعده بنحو خمسين عاما يقول مؤلفه: «إنه كلما ذهب للاستماع إلى موسيقى النوبة وجد أنها تختلف عن الموسيقى نفسها التي استمع إليها قبل ذلك، وبالتالي فإنه لا يستطيع تدوينها».
وخلص هذا الكاتب في وصفه لهذه الموسيقى بأنها بدوية وبربرية ولا يمكن التنبؤ بمستقبلها.
وتضيف» إنه بعد مرور قرن من الزمان على غزو نابليون لمصر فالنيل من هذه الموسيقى مازال شائعا، والشرق في كتابات هؤلاء الغربيين مازال متخلفا وغير ديمقراطي، مع أن المصريين كانوا أول من تصدى للغرب في تلك الفترة».
التطور واحد...
ولاحظت المحاضرة أن الذين درسوا في الاتحاد السوفياتي في الستينات من القرن الماضي وجدوا أن تطور الموسيقى مرتبط بدرجة التطور في المجتمع عموما، وفي هذا الصدد يرى الأتراك أن هناك علاقة بين الموسيقى الكلاسيكية الأوروبية والشرقية من حيث الوجود والتطور، وأن هذه العلامة موجودة من حيث الصفات، ويتفق الإيرانيون مع هذا الرأي أيضا.
كما لاحظت أيضا أن الموسيقى العربية الفنية موجودة في صورة مجزأة أو مقسمة إلى مقام وصوت وغيرهما من الصور الفنية من دون أن يجمعها إطار أو تسمية موحدة ومترابطة، وأنه على رغم المتغيرات فقد حافظت شرائح كبيرة على موسيقاها التقليدية وعلى الاستماع لها والمحافظة عليها.
هناك قاسم مشترك في هذه الموسيقى بين عدد من الدول العربية في نوع واحد تجتمع عليه مثل «الصوت»، وقسم آخر من هذه الدول تجتمع على «الموشح»، بالتالي فإن التقاليد الفنية هنا ليست عامة كما أنها غير متحيزة، فالمقام العراقي يسمع ويستخدم في رقعة واسعة من الوطن العربي والإسلامي، وهذا يعني أن هناك قدرة قوية على إزالة الصفة الإقليمية عن الموسيقى الفنية (الكلاسيكية) وجعلها تأخذ طابع المزاوجة بين الموسيقى القومية والموسيقى الغربية.
إن الموسيقى الفنية العربية مرتبطة بثقافات النخب العربية، وهي تتميز بصيغ كثيرة وبشكل ضخم من البناء المعقد، وقد خضعت كما هو حال التراث العربي إلى تدقيق عبر التاريخ وبما عرف بالخطاب الموسيقى العربي، وإننا نستطيع أن نقول الآن إن الموسيقى العربية التقليدية هي موسيقى أداء، أي أنها لا تعرف ألا أثناء الأداء، ولكن التقاليد تسمح للمؤدي بحسب التقاليد أن يكون له دور متعدد الوظائف وهي تظهر في بعد آخر يعتمد على الخبرة الفنية لدى الجمهور المتلقى.
وتقول شهرزاد: تتكون الموسيقى الفنية العربية من ثلاثة أنواع من الصيغ الموسيقية هي:
- الصيغ المؤلفة.
- الصيغ نصف المؤلفة.
- الصيغ المرتجلة.
وشرحت ذلك بعرض نماذج من الموشحات ومن الصيغ الثلاث المذكورة، إذ أوضحت ذلك من خلال الاستماع.
وختمت المحاضرة رؤيتها للموسيقى الكلاسيكية العربية قائلة: «لقد تعرضت هذه الموسيقى إلى مجموعة من المتغيرات، كما تعرضت أيضا إلى الكثير من النقد من قبل الحداثيين، وأدخلت الآلات الغربية إلى هذه الموسيقى، وجرى تشجيع الغناء الجماعي فيها، غير أن المشكلة ليست في التغييرات التي تعرضت إليها هذه الموسيقى، ولكن في هذا الاندفاع المستغرب نحو التحديث، بينما يمكن أن يبقى هذا التحديث ويعيش إلى جانب الموسيقى التقليدية».
وأثناء الحوار الذي أعقب المحاضرة سئلت شهرزاد عن موقع موسيقى البحر البحرينية والخليجية وتحديدا «الفجري» من الموسيقى العربية الكلاسيكية، وأجابت: «إنها أجرت في وقت سابق دراسة على هذا النوع من الموسيقى الذي تتميز به البحرين وأنها بالإضافة إلى إعجابها بهذه الموسيقى ألا أنها ترى أنها تندرج في إطار موسيقى الفنون الشعبية وليست الموسيقى الكلاسيكية وبالتالي فهي خارج موضوع المحاضرة».
يذكر أن شهرزاد حسن هي باحثة جامعية عراقية تعيش في فرنسا، وقد تخصصت في علم موسيقى الشعوب وعلم الاجتماع الإسلامي على يد المستعرب جاك بيرك، وقد أسست أول مركز للتراث الموسيقى العراقي وأرشيفه الصوتي في بغداد، وهي مسئولة مجموعة البحث في الموسيقى العربية التابعة للمجمع الدولي للموسيقى التقليدية.
العدد 2050 - الأربعاء 16 أبريل 2008م الموافق 09 ربيع الثاني 1429هـ