خصص ملف العدد التاسع والأربعين من مجلة «الواحة» الصادرة حديثا، وهي مجلة فصلية تعنى بشئون التراث والثقافة والأدب في الخليج العربي، لإحياء ذكرى المجاهد علي بن حسن أبي السعود، وهو الشخصية الوطنية القطيفية التي حملت لواء الإصلاح حتى أصبح يكنى بـ «الزعيم»، ولد في القطيف سنة 1906 وتوفي في العراق سنة 1954. ويتضمن الملف علاوة على المقالات التأبينية لشخصية علي بن حسن أبي السعود، مجموعة من القصائد الرثائية والمدحية التي تغنى فيها أصحابها بخصال الفقيد الكثيرة.
أما افتتاحية العدد فقد خصصت للخوض في موضوع «المواطنة» و«الوحدة الوطنية»، إذ اعتبرت أسرة التحرير أن «الوحدة الوطنية كونها عملية مفتوحة على كل المبادرات والعطاءات، لا تبنى على حساب الحريات وتطوير شبكات ومؤسسات المجتمع المدني. وإنما تبنى من خلال هذه الحريات ومؤسسات المجتمع الوطني».
من جانبه، اختار فضل بن عمار العماري البحث في تاريخ «عين مُحَلِّم» أو ما يعرف بـ «عين أم سبعة» وهي كما يحددها القدامى عبارة عن نهر عظيم أو عين فوارة لها - إذا خرجت في نهرها - خُلُج كثيرة، ويحددها المعاصرون على أنها «أقوى عيون الإحساء».
وفي الباب ذاته، باب «تاريخ وتراث»، درس عدنان العوامي، مدير تحرير مجلة «الواحة» رحلة بلغريف، وتحت عنوان «ترجمة رحلة بلغريف، رحلة تحتاج إلى ترجمة»، اعتبر العوامي أن «بلغريف كذب في ادعائه دخول الجزيرة العربية» مشيرا منذ بداية مقالته إلى أن كل ما قرأه عن هذه الرحلة «يتأرجح بين العرض المحايد للرحلة، والإعجاب المفرط بها» وينتهي مدير التحرير، على إثر تحليله لمختلف المعلومات الواردة في وصف بلغريف لرحلته إلى الجزيرة العربية، إلى التساؤل: «فهل، بربك، هذه معلومات زائر مشاهد فعلا، أم نقل ملتبس مشوش من مصادر قديمة لم يوفق ناقلها فأشبعها تحريفا وتشويها؟»، مقوضا بذلك صدقية رحلة بلغريف من أساسها.
وتحت عنوان «تصدير الرقيق إلى الخليج والجزيرة العربية» خاض العراقي عبدالجبار محمود السامرائي في تاريخ الرق في العالم مؤكدا أنه لطالما خلط الباحثون الغربيون عمدا بين تجارة الرقيق في إفريقيا والرق في الإسلام.
ويفنّد السامرائي الرأي السائد الذي يذهب إلى أن القسوة والتسلط والاستغلال كانت السمات البارزة في تعامل العرب مع الشرق إفريقيين، الذين مثلوا السوق الأكبر لجلب الرقيق، موضحا أن العرب «لعبوا دورا بارزا في حمل لواء الحضارة العربية الإسلامية إلى إفريقيا، وأنهم كانوا بمثابة الرواد الأوائل لمحاولات الكشف عن المناطق الداخلية في إفريقيا».
ويرى السامرائي أن الرقيق كان يجلب من إفريقيا إلى إمارات الخليج العربي، قصد تشغيله في صيد الأسماك والغوص من أجل البحث عن اللؤلؤ، بالإضافة إلى الرعي والزراعة وصناعة السفن والأعمال المنزلية، وذلك قبل ظهور النفط في القرن العشرين، لكنه لم ينفِ أن استقدام الرقيق كان يعد وجاهة اجتماعية يحرص على تكريسها سكان هذه المنطقة.
وبمقارنته بين معاملة العبيد في البلاد العربية الإسلامية ومعاملتهم من قبل الغرب، خلص الباحث في شئون الخليج والجزيرة العربية إلى أن «العرب لم يمارسوا الرقيق بالروح الهمجية التي مارس بها الغرب»، ففي الوقت الذي كان الرق عند الغرب «وسيلة للقهر والإذلال، كان الرق عند العرب المسلمين وسيلة للخروج من الكفر إلى الإيمان، إذ اعتبر الإسلام حرية البشر هي الأصل والفطرة، أما الرقُّ فعارض عليها».
وفي باب «ثقافة وفكر» تعرض رئيس قسم الفلسفة والاجتماع بكلية التربية بجامعة عين شمس بركات محمد مراد، إلى مسألة اللغة العربية ودورها في تشكيل هوية الطفل العربي، إذ اعتبر أن اللغة العربية «مهددة في وجودها، مع أنها لحام الأمة الفعلي وضميرها ووعاؤها الثقافي والفكري» مؤكدا في الوقت ذاته ضرورة مساعدة الطفل على التعلم السريع لهذه اللغة من خلال توخي أسلوب التشكيل الذي يحولها إلى «لغة حيَّة محملة بالمعلومات».
من جانبه، تناول الباحث السعودي محمد عبدالرزاق القشعمي مسألة «الصحافة السعودية الصادرة في العراق» مقدما دراسة توثيقية لأهم ما صدر من صحف وأبرز الشخصيات التي أثرت في الصحافة العراقية.
واعتبر محمد رضي الشماسي في مقاله عن «اللغة الثالثة» أنه لا يوجد «خطر من العامية على الفصحى، بحيث تلغي العامية الفصحى، بل هناك استحالة في الإلغاء» مشيرا إلى أن «اللغة الثالثة» التي تجمع بين الفصحى والدارجة أضحت اليوم «حقيقة واقعة فرضت نفسها في الساحة الأدبية وخصوصا في أدب الشباب» مشيرا في الوقت ذاته إلى أن استخدام هذه اللغة الوسيطة ما هو إلا «علاج للوضع اللغوي المتردي بين صفوف المثقفين والمتأدبين».
وفيما تعرض الشيخ عبدالله أحمد اليوسف إلى قضية «تفعيل دور الأوقاف»، تناولت الكاتبة السعودية إيمان يوسف الحسن بالدرس موضوع السعادة من خلال البحث في «أحد معاني السعادة»، وكتب إبراهيم الزاكي عن «تداعي الذكريات وتوثيق الذاكرة»، وحلل محمد زيدان تقنيات الحكاية في مجموعة «عابر سبيل»... وبالإضافة إلى ذلك تضمن العدد مجموعة من القصائد والتعريفات بالإصدارات الجديدة.
العدد 2064 - الأربعاء 30 أبريل 2008م الموافق 23 ربيع الثاني 1429هـ