الذي تمسك به الفنانة البحرينية سامية انجنير في معرضها المقام بصالة جمعية الفنون التشكيلية هو قلبها، تنثره على أوجاع/ أفراح أنوثتها التي باتت سمة أرق لا ينتهي في غالبية ما خرجت به معارضها الفنية السابقة.
سامية التي تشاركها في معرضها الثنائي الفنانة دانة الشافعي في معرض الأخيرة الأول، أكدت إصرارها على تجاوز التابو وصولا لمرحلة ما بعد تخطي التابو، فالذي يبدو جديرا بالاهتمام في ما تصنعه يدا هذه الفنانة ذات التكوين الأكاديمي المكمل لموهبتها، هو إصرارها على ألا تتجاوز التابو في صورة كلاسيكية نمطية، بل الوصول في مرحلة متقدمة لتطويع التابو حين تجاور هذا الخرق ببعض الأيات القرآنية تارة أو ببعض التوظيفات ذات المعنى المباشر في محاولة يبدو أنها تحاول التأسيس لإعادة مَوَضَعَة التابو في مساحات الثقافي التقليدي من دون أن تصحب ثيمات التفاعل مع هذا التابو «ثورة» أو «ممانعة» حتى ذلك المستوى المعهود من الرفض الاجتماعي.
كان تجاوز التابو السمة الأهم في إنتاج سامية إنجنير، لكن الأهم من ذلك والذي قد لا يتنبه له البعض، هو أنها تجاوزت فعلا في هذه المرة هذا التابو نحو تطبيعه وتطويعه، وهو ما يحسب لها بامتياز، خصوصا حين تعمد عبر التكرار واختلافات التوظيف من عمل لآخر، إلى أن تجعل من فكرة تجاوز «التابو» مجرد فكرة مرور أولي لما هو أعمق وأكثر دقة، وهو ما يجعل من جرأة الفنانة على تجاوز التابو تختبئ أو أن تصبح الهامش الذي لا بد من الانطلاق منه، لما هو أعمق وأكثر أهمية.
الأعمال الأدبية والفنية التي خرقت التابو في المنتوج التشكيلي والتركيبي في البحرين كانت قبل منتوج سامية إنجنير مجرد تعبير من الدرجة الأولى عن حالة الرفض أو التحدي للتابو أو للمجتمع الذي أنتجه، لكن سامية إنجنير تخطت هذه المساحة نحو فضاء أرحب وأكثر خصوبة. وهو في المحصلة ما جعل من أعمالها «حمالة أوجه» مفتوحة، كما هي تركيباتها الفنية «حمالة أوجه». ومن هنا، سيكون للمرأة حين تحاول الانفعال مع أعمال هذه الفنانة أن تختار زاوية الوجع التي تفضل الدخول منها لعوالم سامية إنجنير التي تتصف بالعمق والغموض الذي قد يبدو واضحا للمشاهد خلاف ما هو عليه في الحقيقية. وسيكون لرجل أيضا، أن يتجاوز مجرد الإحساس بأن ما تقوم به هذه الفنانة هو تجاوز كلاسيكي لـ «التابو» بل هو أكثر من ذلك بكثير، وهو في المقام الأول، فتح وكسر للتابو مرتين، مرة بالجرأة فيه ومرة أخرى باعتبار عملية الكسر نفسها طبيعية لا تكلف فيها، وهو ما يتصل بالإنتاج الفني الحديث في معالجاته لجسد المرأة بعيدا عن عقلية التابوات المحرمة.
المعرض الذي حضره لفيف من المثقفين والفنانين البحرينيين، حدد من مساحات التركيب التي اعتمدها، فضاءات أرحب في فهم الفنانة الجديد لإشكالية جسد الأنثى، وعلى الرغم من أنها قد اختارت إعطاء عمل واحد فقط صفة الخرق للتابو عبر استخدام الكتابة المباشرة بعبارة «حرام»، إلا أنها أعطت الأعمال الأخرى القدرة في أن تكون مساحة التلقي لها مفتوحة أكثر مما هي مغلقة في حدود تخطي التابو، ومن هنا، تخطت سامية إنجنير عقدة جسد الأنثى تماما.
أسلوب التركيب الذي أعتمدته الفنانة لم يكن فوضويا أو كلاسيكيا، وهو ما جعل من أعمالها تصنف في حقل «ما بعد ما بعد الحداثة» أكثر مما قد تكون «ما بعد حداثية» صرفة. هذا التكرار الما بعدي هو بالتحديد ما جعل من أعمالها أكثر التصاقا بالمخيلة وقدرة على الولوج لمستويات التلقي الأولى، وهو ما يجعل المتلقي منفعلا وبصورة مباشرة خلاف ما تحمله أعمال التركيب الأخرى من بعد فوضوي لا مفهوم.
سيكون التحدي الجديد للفنانة سامية إنجنير هو خلق مساحات جديدة لتلقي خروجها من التابو في أعمالها المقبلة وجعلها الجسد الأنثوي ضمن قائمة الطبيعيات، وهو ما سيكون أكثر صعوبة إلا أنها عبر هذا المعرض وما أحتواه من أعمال نجحت في الاختبار الصعب وهو تحييد التابو وجعله في مصاف الطبيعيات في تجربة متقدمة بالمقارنة مع الأعمال التي تتصف بالمباشرة أو التحدي الصريح للتابو من دون أن يكون من وراء هذا التحدي معنى أو رسالة ثقافية حقيقية.
الأكاديمية إنجنير استطاعت هندسة التابو من جديد وإعادة توظيفه، وهو الإنجاز الأهم في مشروعها. وبالتحديد، فإن قدرة سامية في تفكيك هذه الثيمة والعمل عليها في مستوى التلقي المباشر كان الأول من نوعه في البحرين والخليج، وهو ما يستحق الإشادة والتقدير.
على الضفة الأخيرة من المعرض تقف الفنانة دانة الشافعي بأعمالها القائمة على اللعب في مستوى الصورة وتشكيلها وخلق تعابير تركيبية مضافة، لتعلن عن فضاء تذوق/ فهم/ وعي جديد للصورة وبالصورة معا، هذه الفكرة وإن كانت تقليدية في مستوى النشأة، إلا أنها كانت تلتصق بقيمة تعبيرية رفيعة، وهو ما جعل مستوى التلقي بين أعمال الفنانتين ثابتا خلاف ما قد تخرج به المعارض المشتركة.
النجاح/ الكسر المضاعف الذي حققته سامية إنجنير، تبعه نجاح رديف في أعمال دانة التي كانت تحاول أن تكسر جمود الصورة وواحدية المعنى فيها، وهو ما فتح شهية المشاهد لأن يعطي للصورة مساحات أكبر من المعنى، وهو في المحصلة ما كان يجب أن يشاد به في مستوى التجربة الأولى للشافعي التي سينتظر المتابعون أعمالها المقبلة بلهفة لا تختلف عما هو الحال مع إنجنير التي تعرف كيف تعطي لكل إنتاج من إنتاجاتها نقطة الضوء التي يستحقها.
العدد 2078 - الأربعاء 14 مايو 2008م الموافق 08 جمادى الأولى 1429هـ