عبقت زوايا القرية التراثية المجاورة لمتحف البحرين الوطني بروائح البخور والعطور البحرينية، التي جعلت من مهرجان التراث السادس عشر، جنة يسبح في فضائها الزوّار، منتشين بالأطياب التي طافت ما بين البيوت التراثية، في رحلة مع الماضي، حيثما تصنع الأيدي البحرينية المحترفة تلك العطور التقليدية، وتقدم صورة حيّة لطريقة تحويل المواد البسيطة إلى عطور ذات رائحة جذابة، يزدان بها الوجود.
وقدّم الحرفيون المشاركون في المهرجان الذي يضطلع بإقامته قطاع الثقافة والتراث الوطني كل عام، عرضا حيّا لطريقة صناعة العطور التقليدية التي برع في إنتاجها الأجداد من موادّ عطرية بسيطة كالزهور والعود والمشموم والياسمين والسكر، الذي يدخل في صناعة البخور يدعمهم في ذلك المحلات التجارية التي تمكنت من إنتاج العطور التقليدية بنجاح وإيصالها إلى أقاصي بقاع العالم، إذ وجدت في المهرجان لتبرهن على عراقة هذه المهنة، بحضور عدد من دول الخليج العربي، التي قدمت جانبا مهما من صناعتهم التقليدية في مجال العطور.
صناعة البخور
في لقاء مع عدد من الحرفيين الذين عبّروا عن سعادتهم للمشاركة في المهرجان الذي يمنحهم الفرصة لتعريف الأجيال الجديدة بصناعات الأجداد ويقدّم صورة حقيقية لحرف ساهمت ولا تزال في اقتصاد الدول قالت أم حسن التي تصنع البخور بأنها تعلمت هذه المهنة من والدة زوجها التي احتضنتها وهي فتاة صغيرة وقامت بتعليمها كيفية صناعة البخور بشكل بسيط من موادّ متوافرة في السوق المحلية مؤكّدة بأنها منذ ذلك الوقت وحتى وقتنا الحاضر لم تتوقف عن إنتاج البخور الذي تقبل عليه النساء بشكل كبير رغم تغيّر الزمن والظروف وصناعة موادّ عطرية حديثة خاصة لزينة المرأة.
وأعربت أم حسن عن سعادتها في القيام بتدريب وتعليم الفتيات كيفية صناعة البخور نظرا لحرصها على توصيل هذه الحرفة للأجيال الجديدة التي تسعى للوظائف المكتبية خصوصا أن هذه المهنة قد توفر دخلا ماديا جيدا وقد يزداد متى ما عرفت الصانعة كيف تطور مهاراتها وتبتكر أفكار جديدة للصناعة والترويج.
صناعة الحنة
الحرفية أم محمد تعمل منذ صغرها على طحن ورق «الحناء» الجاف لتصنع منه مادة الحناء الخاصة بغسل الشعر، حيث كان أهل البحرين قديما يعتمدون على هذه المادة النباتية لتنظيف الشعر وإضفاء اللمعان عليه مشيرة إلى أنها كانت قديما تستخدم «الرحى» لطحن ورق الحناء وتؤدي حينها أغاني شعبية ترافق عملية الطحن إلاّ أنها حاليا لجأت إلى الآلة الكهربائية المخصصة للطحن حتى تتمكن من إنجاز عملها في وقت زمني قصير. وأبدت أم محمد سعادتها لحرص الكثير من النساء على استخدام الحناء حتى في وقتنا هذا نظرا لمعرفتهم بأنه لا يوجد أي منافس لهذه المادة الطبيعية للمحافظة على شعر المرأة موضحة بأن الحناء في السابق لم يكن له منافس على عكس الحال اليوم لذا فإنه من الضروري إقامة مثل: هذه المهرجانات للتأكيد على أهمية التراث وكذلك ضرورة المحافظة عليه ودعوة الشباب للاستفادة من القديم.
شك المشموم
في جانب من المهرجان تقوم أم إبراهيم «بشك المشموم» في قلائد مصنوعة من الخيوط لتنقل صورة عن طريقة شك المشموم قديما والذي يعتبر أمرا هاما للمرأة آنذاك حيث كان يشكل ضرورة لها فهي ترتدي هذه القلائد كل يوم لتفوح منها رائحة زكية بشكل مستمر وتحرص كذلك على نثره في الفراش ووضعه في صحون لتنتشر رائحته في زوايا المكان. وحول دور المشموم الآن قالت بأن المشموم لا يزال يحظى باهتمام الأسر البحرينية التي تحرص على زراعته في حدائق منزلها إلا أن المشموم بات استخدامه مقصورا على المناسبات حيث يوضع مع شبكة العروس أو ينثر على المدعوين والحضور إلا أنه من النادر أن نجد امرأة تزين رقبتها بعقد من المشموم.
مقابس البخور الخشبية
شارك في المهرجان عدد من الحرفيين الرجال الذي امتهنوا بعض المهن المرتبطة بالعطور والبخور إذ يصنع الحرفي حسين إبراهيم أهرامات خشبية؛ لتتمكن المرأة من وضع إناء البخور المشتعل أسفلها لضمان سريان البخور في المنزل أو لتعطير الثياب من دون أية مخاطر تذكر حيث قال إن الأجداد برعوا في ابتكار أساليب متعددة تتوافق مع احتياجاتهم اليومية ومنها هذا المقبس الخشبي إذ يعكس ذلك أن الحاجة دفعتهم لابتكار ما يسد هذه الحاجة.
تاريخ العطور
أفرزت التنقيبات التي تتم في البحرين عن موادّ أثرية بالغة في الأهمية تعود لفترات تاريخية مختلفة كانت مخصصة لإنتاج وخلط العطور، إلى جانب اكتشاف مجموعة من القوارير العطرية في بعض مدافن الموتى خصوصا تلك التي تعود لفترة تايلوس إذ عثر على مجموعة من القوارير الزجاجية الملونة بألوان جميلة تعكس مدى أهمية العطور لدى المرأة البحرينية قديما وقد استمر هذا العشق للعطور والأطياب العطرية إلى فترات متقدمة من الحضارة البحرينية؛ لتصبح ملتصقة بحياة وجمال المرأة البحرينية حتى وقتنا الحاضر وحرصها على استخدام العطور التقليدية رغم انتشار العطور الفرنسية الحديثة.
وقد خصص في المتحف زاوية خاصة لعرض بعض القطع الأثرية التي تؤكد مكانة العطور تاريخيا في البحرين ومدى أهميته بالنسبة للمرأة البحرينية في ذلك الوقت.
المشاركة الخليجية
وجد الأشقاء الخليجيون في المهرجان فرصة سانحة للوجود مع إخوانهم البحرينيين والتعريف بمنتجاتهم من العطور والطيب الخليجي الذي وصل صداه إلى مختلف دول العالم إذ أنها المرة الأولى في منطقة الخليج التي يتم فيها تخصيص مهرجان لإبراز العطورات الخليجية التقليدية التي تميزت بها المنطقة منذ أعوام طويلة.
وقد شارك في المهرجان عارضون من سلطنة عُمان، الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.
العدد 2078 - الأربعاء 14 مايو 2008م الموافق 08 جمادى الأولى 1429هـ