تسيفن سودربرغ مخرج انتقائي بامتياز. انه يتحرك بين المواضيع والمستويات، بشكل يفوق تحرك اي مخرج اميركي آخر، أكان من جليه أو من غير جيله. اذ منذا الذين يمكنه ان يتصور ان مخرج « أكاذيب وفيديو» (الذي كان في الخامسة والعشرين حين فاز عن فيلمه الأول هذا بالسعفة الذهبية في «كان» قبل عشرين عاما) هو نفسه مخرج «ترافيك» عن تهريب المخدرات بين أميركا الجنوبية والمتحدة؟ ومنذا الذين لن يدهش حين يعرف ان مخرج سلسلة «أصحاب أوشن» الهوليوودية إلى حد التخمة، هو نفسه مخرج ذلك الفيلم الرائع « الذي مر مرور الكرام مع انه واحد من أكثر الأفلام الأميركية أوروبية وذكاء؟ ثم، منذا الذي كان يمكنه أن يصدق أن مخرجا حقق على التوالي افلاما عن عصابة من الظرفاء عمل سرقة الكازينوات، سيقدم بعد ذلك عمل تحقيق ما يقال منذ الان انه أكثر الافلام في حق الثائر الأرجنتيني نشي جيفارا؟ بل على جعل الفيلم في جزءين يمتد عرض كل منهما أكثر من ساعتين؟ ثم يجرد على أن يخوض مسابقة «كان» الرسمية بفيلمه هذا؟
إذا كان هذا كله لا يسمى انتقائية فماذا يسمى؟
من الواضح منذ الآنَ، ان «تشي» (وهذا هو عنوان جزاي الفيلم، فيما عنون الأول «الأرجنتين» والثاني حرب العصابات) سيكون واحدا من ابرز الحوادث في دورة «كان» لهذا العام، إن لم يكن يفضل موضوعه ومكانة بطله، ومكانة مخرجه في سينما اليوم (بل حتى لصواب اختياره حين استمد الدور إلى بنيشيوديك تورمر، وهو واحد من المع اصحاب الأدوار الثانية في سينما اليوم، ومن المؤكد ان «تشي» كن مباشرة إلى واجهة الأدوار الأولى)، فعلى الاقل بسبب حكاية السباق مع الأمن التي ظل سودربرغ يخوضها حتى اللحظات الأخيرة في محاولة منه، يبدو أنها مجحت في نهاية الأمر، كي ينجز جزأي الفيلم ليعرض معا خلال المهرجان. هناك طبعا الجزء الأوّل الذي امجز فعلا وبات فادار وحده، على خوض المسابقة الرسمية. لكن سودربرغ الذي يحب عادة كل انواع التحديات، لم برودان يكتفي بنوا اراد لفيلمه كله ان يكتمل, لماذا؟ ببساطة يقول المتقربون منه «كي تكتمل اعادته الاعتبار إلى هذا الثائر الاسطورة الذي شوهته هوليوود في الماضي كثيرا». فلإذا ما ذكرت هؤلاء بان والبترساليس المخرج البرازيلي الكبير كان انصف جيفارا، قبل سنوات قليلة، وتحديدا انطلاق من مهرجان «كان» حين قدم فلمه «مذكرات سائق دراجة»، يأتيك الجواب: صحيح، كان هذا فيلما رائعا، لكنه كان عن جيفارا ما قبل جيفارا, أما فيلم سودربرغ ذو الجزأين، فإنه عن الأسطورة نفسها، لا عن كيف ولدت الأسطورة.
إذا ها هي هيوليوود، من طريق ستيفن سودربرغ تقوم بمهمة كان كثر ينتظرونا منذ زمن... وليس على جمهور كان الآنَ، إلا أنْ ينتظر قليلا ليشاهد فليما طويلا، يقال منذ الآنَ انه سيكون مدار أحاديث، فنية وسياسية، بحيث يحقق سودربرغ ما كان يتطلع اليه منذ زمن بعيد، أن يعود ليصبح حديث «كان: بعد غياب نحو 20 عاما.
- بنبثيو ديك تورمر في «تشي»
العدد 2078 - الأربعاء 14 مايو 2008م الموافق 08 جمادى الأولى 1429هـ