العدد 2085 - الأربعاء 21 مايو 2008م الموافق 15 جمادى الأولى 1429هـ

توثيق سيرة قاضي الشرع الجعفري في القطيف والبحرين الشيخ علي بن حسن آل موسى

من سير الفقهاء

إعداد الباحث: فؤاد جعفر عيسى 

21 مايو 2008

الكثير من الشخصيات الفذة في تاريخ البحرين الحديث غيبها «الإهمال»، فطواها النسيان ولم يعد أحد يذكرها أو يتذكرها إلا ما شذّ وندر ممن نالت حظا من الدراسة والتوثيق في وقت مبكر، أما أكثرها فمازالت مطمورة تحت «الركام»، ومدفونة في طيّات الذاكرة أو بين أكوام الوثائق والتقارير المتناثرة هنا وهناك في الأضابير، وهي تحتاج إلى من ينبش فيها بجد ومثابرة حتى يتم توثيقها في كتاب أو دراسة ليطلع عليها الناس في الحاضر وفي المستقبل.

تعتبر الشخصيات التاريخية - أيا كان موقعها وفي أي بلد - جزءا من الموروث الشعبي لذلك البلد، وبعض المؤرخين في علم الرجال يعتبر فترة خمس سنوات لأية شخصية فاعلة تعيش في بلد ما كافية لأن تحسب على تاريخ ذلك البلد حتى لو كانت في الأصل من بلد آخر مادامت الذاكرة الشعبية تختزن الكثير من المرويات لهذه الشخصية أو تلك. وحيث أن «الأدب الشعبي» ينقسم إلى نوعين رئيسيين: نثر مرسل وشعر منظوم، فإن سير وتراجم الرجال تدخل ضمن النوع الأول بما يتناوله من جوانب عدة في الحياة الشعبية للمترجم لهم كالأخبار والمصنفات والوثائق والتقارير والقصص والحوادث... الخ. لذلك ينبغي تسجيل وتوثيق هذه الشخصيات وما جرى لها وعليها من أحداث وقصص حتى لا تتعرض للتشويه أو التهميش فيما بعد من السنين، فربما تكشف حادثة عابرة أو قصة لطيفة عن وقائع كبيرة في التاريخ. فإذا كانت الشخصية ليست ذات قيمة كبيرة في نظرنا في الوقت الراهن فسيأتي عليها وقت تكون لها قيمة كبيرة، فما بالك إذا كانت هذه الشخصية تبوأت مراتب عالية ومناصب مهمة كالقضاء. يقول الإمام علي (ع) لشريح القاضي: قد جلست مجلسا لا يجلسه إلا نبي أو وصي نبي أو شقي.

ومن هذه الشخصيات الفذة التي تناساها أو كاد ينساها الناس شخصية قاضي الشرع الجعفري فضيلة الشيخ علي بن حسن آل موسى الذي تولى القضاء الشرعي في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين، وهي فترة تحولات مهمة في تاريخ البحرين الحديث لأسباب عدة أهمها فترة الحرب العالمية الثانية التي ألقت بثقلها على الناس وكذلك توجه الحكومة آنذاك بإجراءات عملية للتطوير الإداري الذي شمل جميع مرافق الحكومة ومنها القضاء لاسيما بعد تدفق النفط وتحسن الأحوال في البلاد، فكان النفط في تلك الفترة بالذات بمثابة خشبة خلاص للبحرين لمعالجة آثار الحرب العالمية من جهة، وتراجع تجارة اللؤلؤ الطبيعي بسبب غزو اللؤلؤ الصناعي للأسواق من جهة أخرى، فلله الحمد من قبل ومن بعد على هذه النعمة وانكشاف الغمة.

في هذه الفترة من الزمن جاء الشيخ علي بن حسن آل موسى من «تاروت» بمنطقة القطيف لتولي القضاء الشرعي في البحرين بقرية السنابس أولا ثم في مدينة المنامة، واستمر يمارس هذه الوظيفة حوالي ثلاث عشرة سنة كانت مليئة بالحوادث والقضايا والمفاجآت، وبعدها قدم استقالته عندما تقدم به العمر وتخطى عتبة المئة عام فعاد أدراجه الى مسقط رأسه ليوارى في مثواه الأخير بعد أربع سنوات من عودته إلى القطيف.

نسبه

هو قاضي الشرع الجعفري فضيلة الشيخ علي بن حسن بن الشيخ عبدالعزيز بن موسى التاروتي، ولقب بهذا اللقب نسبة إلى مسقط رأسه (جزيرة تاروت) من قرى القطيف التي ولد وترعرع فيها، وعندما جاء إلى البحرين وتولى القضاء الشرعي كان يوقع اسمه في الوثائق والعقود الرسمية بلقب (آل موسى) كما يتضح من إحدى الوثائق (...) نسبة إلى جده الأكبر (موسى) الذي كان من علية القوم وقد أعقب سبعة أبناء تفرعوا إلى سبع عائلات اشتهر كل منهم بلقب لعائلته فمنهم عائلة آل قمبر وعائلة آل حماد وعائلة عبدالهادي وعائلة آل موسى. وينتمي أجداده كما تذكر إحدى الروايات إلى قبيلة بني عامر من عبدالقيس من ربيعة وهي من القبائل المعروفة التي كانت تستوطن شرق الجزيرة العربية ولكن لم نقف على أي دليل يؤكد هذا النسب، فهي لا تعدو كونها رواية شفاهية قد تكون صحيحة وقد لا تكون صحيحة.

مولده

نظرا لعدم توفر قيد المواليد في عصره فلم يسجل تاريخ ولادته بدقة في ذلك الوقت ولذلك فقد بالغ أصحاب التراجم في تحديد عمر الشيخ علي بن حسن فمثلا الشيخ فرج العمران صاحب «الأزهار الارجية» ذكر أنه ولد سنة 1227هـ وبذلك يكون عمره عند وفاته بحسب هذه الرواية 135 سنة، كما نقل عنه صاحب «الفهرست المفيد في تراجم أعلام الخليج»، هو قد عاش طويلا فعلا ولكن هذه مبالغة واضحة لا تستند إلى دليل على الإطلاق، فقد أخطأ في تاريخ الولادة لكنه أصاب في تاريخ الوفاة ويرجع ذلك لعدم وجود سجل لقيد المواليد في عصره ولكن بالتتبع لمراحل حياته المختلفة والاستقراء التاريخي لسيرة المترجم له فقد توصلنا إلى تحديد تاريخ ولادته في العام 1257هـ الموافق 1841م على الأرجح وبذلك يكون عمره عند وفاته 105 سنة بحسب التقويم الهجري وذلك بالاستناد إلى التسلسل الزمني.

يذكر أن التاريخ المذكور يقع ضمن عهد إمارة فيصل بن تركي آل سعود الذي امتد إلى العام 1865م.

نشأته

نشأ وترعرع في منطقة القطيف في كنف والده (الحاج حسن) الذي كان رجلا صالحا من عامة الناس فلم يكن والد المترجم له رجل دين كجده (الشيخ عبدالعزيز) بل كان والده يعمل في مزارع النخيل ومصائد الأسماك (الحظور) الكثيرة التي كان يملكها في الفطيف فقد كان ميسورا ولم يكن لدى والده من الأبناء أو البنات غيره فكان الشيخ علي هو الابن الوحيد لأبيه فأحب والده أن تكون سيرة ابنه كسيرة والده الشيخ عبدالعزيز فرباه تربية دينية صالحة حببت إليه طلب العلم فأدخله في الكتاتيب (المعلم أو المطوع) كعادة الناس في ذلك الزمان فتعلم القرآن الكريم والقراءة والكتابة فلما فرغ من الكتاب رغب في تحصيل العلوم فأخذ في الاشتغال بالمقدمات على يد جده الشيخ عبدالعزيز بن موسى وغيره من مشايخ القطيف ومنهم العلامة الشيخ أحمد بن الشيخ صالح الطعان (المتوفى العام 1315هـ وقد لقب بالبحراني عندما استوطن القطيف) وذلك قبل أن يهاجر إلى العراق لدراسة علوم الشريعة في النجف الأشرف. وللأمانة التاريخية أن جده الشيخ عبدالعزيز كان ميسورا ويحب عمل الخير فاشترى بيتا في تاروت وأوقفه لعالم أو طالب علم يسكنه طالما لا يوجد لديه بيت يسكن فيه كما أنه بنى مأتما للحسين (ع ) كما أوقف أحد البساتين وجعل ريعه لتزويج الشبان غير القادرين على مصاريف الزواج.

نبذة عن القطيف

تعتبر «واحة القطيف» التي عاش فيها المترجم فترة طويلة من حياته - ونظيرتها «واحة الاحساء» - من أكبر الواحات في شبه الجزيرة العربية لخصوبة أراضيها وكثرة مياهها العذبة وكانت «القلعة» حاضرة أو قصبة القطيف كما أن «هجر» حاضرة أو قصبة الأحساء وفي فترة أخرى كانت قصبة البحرين القديمة، عن الرسول الأكرم (ص) أنه قال: «لو فقد الإسلام من الدنيا لوجد في هجر» وقيل إن هجر معنى شامل لمنطقة الأحساء والبحرين وما يتبعهما كما يقال الشام لسورية ولبنان وما يتبعهما، وذلك قبل أن تنفصلا عن إقليم البحرين التاريخي الذي كان يضم أيضا (جزيرة أوال) ومن أسماء القطيف الشهيرة في التاريخ «الخط» نسبة إلى خط سكنى قبيلة عبدالقيس وقبيلة بكر بن وائل وهما من ربيعة العدنانية. كما قيل الخط نسبة إلى ساحل البحر كالخط بين البادية غربا والبحر شرقا. جغرافيا تقع واحة القطيف في المنطقة الشرقية تحدها من الشمال منطقة الخفجي ومن الشرق ساحل الخليج العربي ومن الجنوب واحة الاحساء ومن الغرب اليمامة وصحراء نجد (الدهناء) أما القطيف الحالية فتمتد من «صفوى» شمالا حتى «سيهات» جنوبا، وإليها كانت تنسب الرماح الخطية، يقول الشاعر العقيلي:

أخذن اغتصابا خطة عجرفية وأمهرن أرماحا من الخط ذبلا

أما في اللغة فإن القطيف من القطف وجمعه قطوف وتعني الثمار المقطوفة يقول الله تعالى «في جنة عالية، قطوفها دانية» (الحاقة: 22، 23) واسمها يدل على كثرة ما فيها من المزروعات وخصوصا النخيل. يقول الأعشى:

فإن تمنعوا منا المشقر والصفا فانا وجدنا الخط جما نخيلها

ويقول الشاعر جعفر الخطي (المتوفى في شيراز العام 1028 هـ) وقد طال فراقه عنها:

ولولا وجوه في القطيف أخافها لما طال بالبحرين عنك ثوائي

ولمنطقة القطيف خمس جزر تابعة لها هي تاروت ودارين والزور وسنابس والربيعية وتعتبر تاروت عاصمة لهذه الجزر وقد سماها الفينيقيون بحسب ما تذكر كتب التاريخ «عشتاروت» ثم حرفت أو عدلت إلى «تاروت» في الأزمان اللاحقة ومن آثارها التاريخية قلعة تاروت، وكانت في السابق جزيرة لا منفذ لها عن طريق البحر فإن كان مدا فالوصول لها بالسفينة عن طريق مرفأ دارين وإن كان جزرا فالوصول لها على ظهور الدواب كالحمير والخيول وقد ارتبطت بالقطيف الأم عن طريق جسر في العام 1382 هـ.

تاريخيا يعتبرها بعض المؤرخين من المراكز المهمة لحضارة «دلمون» التاريخية قبل 3000 ق.م ومن أشهر مواقعها الأثرية موقع «ثاج» على طريق الدمام، وموقع «جاوان» الشهير بقرب ميناء رأس تنورة. واحتلها الإغريق فيما احتلوا من البلاد العام 325 ق. م ومن بعدهم احتلها الفرس فترة من الزمن وعندما نزحت قبيلة عبدالقيس من غرب الجزيرة العربية وبالتحديد (تهامة استوطنت إقليم البحرين برمته وفي عهد (العبديين) دخل إقليم البحرين بما فيه القطيف في الدين الإسلامي طواعية على يد الصحابي العلاء الحضرمي في العام 8 هـ وكان حاكمها آنذاك المنذر بن ساوى العبدي (وفي رواية أخرى التميمي) وبعد وفاة الرسول الأكرم (ص) شهدت القطيف حركة المرتدين ولكن الجارود انحاز بعبدالقيس ضد بكر بن وائل التي ارتدت فحاربها حتى عادت إلى الإسلام. ومن بعدها تتابعت حركة الثائرين على الأمويين والعباسيين فسيطر عليها علي بن عبدالله الملقب (بصاحب الزنج) فترة من الزمن في عهد الخليفة العباسي (المهتدي) ثم جاء من بعدهم (القرامطة) وحكموا المنطقة بالقوة والجبروت ومن أشهرهم (أبوطاهر القرمطي) ولاتزال بعض آثارهم ماثلة للعيان كقلعة القطيف وقلعة تاروت واستمر حكمهم فترة من الزمن حتى قضى عليهم (بنوثعلب) و (بنوعقيل) ومن بعدهم استولى عليها (أبوالبهلول العوام بن محمد الزجاج) نحو 410 هـ الذي ثار على القرامطة وأخرجهم من القطيف ومن جزيرة أوال ثم سيطر على القطيف وعلى البحرين (يحي بن عياش) بعد معارك ضارية قتل فيها أبوالبهلول على يد زكريا بن يحي العياش ومن بعدهم جاء (عبدالله بن علي العيوني) الذي أخرج بقايا القرامطة من الاحساء وضم إليه القطيف وجزيرة أوال بعدما قتل ابن العياش ومن آثار العيونيين في القطيف قبر أميرهم (محمد بن أبي الحسين العيوني) في الموقع المسمى (العذار) ويقع على البحر شمال القطيف قرب مدينة «الجبيل» ويعرف حاليا (أم قبر). ثم جاء من بعدهم (العصافرة) وهم بنوعصفور فحكموا إقليم البحرين برمته مدة 150 عاما حتى أزاحهم عن الحكم (بنوجبر) وهم الجبور ومن أشهر ملوكهم (مقرن بن أجود بن زامل الجبري) الذي قضى عليه البرتغاليون عندما قتلوه وقطعوا رأسه - بحسب بعض الروايات - وأهدوها إلى نائب الملك في الهند (1521م) وامتد حكمهم لواحة القطيف أكثر من قرن حتى وقعت القطيف في حكم الدولة العثمانية العام 959 هـ الموافق 1551م عندما بدأت الدولة العثمانية تغزو المنطقة، وبعد أن احتلت القطيف أرسلت بعثة لجرد قرى القطيف ومحاصيلها الزراعية والبحرية بغرض فرض الجزية (الجباية) على أهلها، وبعد أن أنهت هذه البعثة عملها أصدرت تقريرها المسمى (قانون نامة) لقضاء القطيف الذي لايزال محفوظا في الأرشيف العثماني وقد ذكر وأحصى هذا التقرير أسماء ستين قرية ومحلة من قرى القطيف بعضها قد اندثر والبعض الآخر وهو الأكثر لازال قائما ومحتفظا بالتسميات نفسها، كما ذكر هذا السجل 15 بطنا من بطون القبائل التي كانت تسكن القطيف. ومن معالمها التي اندثرت حمام أبولوزة من أيام الأتراك، ومن بعد الدولة العثمانية حكمها العرب من (بني خالد) ومن بعدهم حكمها (آل سعود) إلى يومنا هذا.

العدد 2085 - الأربعاء 21 مايو 2008م الموافق 15 جمادى الأولى 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً