حين ننقل هذه السطور إلى القارئ تكون الدورة الحادية والستون من مهرجان «كان» قد اقتربت من أيامها الأخيرة، وإذ بقيت أيام قليلة وأفلام قليلة أيضا لا تبدو الصورة واضحة تماما حتى الآن، وعلى رغم أن معظم الأفلام التي عرضت أثارت من الإعجاب ما تلاقى مع ما كان متوقعا منها فإن الفيلم الكبير الذي يثير الصحف والإجماع من حوله، لم يأت بعد... وهو - بحسب المعطيات - قد لا يأتي، غير أن هذا لا يعني أن ثمة خيبات أمل كبيرة.
ولا يعني طبعا أن مستوى هذه الدورة يقل عن مستويات أفضل دورات «كان» على مدى تاريخه. كل ما في الأمر أن المستوى العام، الفني على الأقل، فوق المتوسط ويصل أحيانا إلى مميز، لكن الصخب الكبير كان من نصيب ثلاثة أو أربعة أفلام عرضت في المسابقة الرسمية لا داخلها.
وفي مقدمة هذه الأفلام - طبعا - فيلم «ستيفن سبيلبرغ» جورج لوكاس الجديد «انديانا جونز ومملكة الجمجمة الكرستالية» ونقول هنا فلم سبيلبرغ ولوكاس مع أنه هذا الأخير هو منتج الفلم فقط لأن هذه الحلقة الرابعة من مغامرات انديانا جونز، هو فيلم إنتاج أكثر مما هو فيلم إخراج؛ إذ إن ضخامة وحب المغامرات المدروس بشكل جيد. كل ما في هذا الفيلم يجعل الإخراج في مسألة ثانوية، لحساب الإنتاج الذي أنفق عليه مبالغ طائلة، متوقعا أن يحقق الفيلم من الإيرادات العالمية ما يجعله يقترب من احتلال المركز الأول على الصعيد التاريخي.
ومع هذا لم يخل الأمر من نقاد - أميركيين خاصة - رأوا في الفيلم نكهة مخرجه الخاصة، قائلين لأن هذه النكهة - التي تميز هذه الحلقة الرابعة عن الثلاث الأول - مضى نحو عقدين من الزمن على تحقيق آخرها.
ومن هنا مقابل ثنائي «شون كونري/ هاريسون فورد» السابق، لدينا هنا ثنائي «هاريسون فورد/ شيالابوف». ولعل في إمكاننا أن نقول إن نجاح هذا الثنائي الجديد لا يقل عن نجاح الثنائي السابق.
اما الإطار العام للمغامرة فيهما فهو نفسه حتى وإن كان الفيلم الجديد أبدل «العدو» بعدما كان في الفيلم الثالث، النازيين الألمان (إذ تدور حوادث ذلك الفيلم نهاية الثلاثينيات القرن العشرين)، صار الآن الاتحاد السوفياتي، إذ تدور حوادث الفيلم الجديد العام 1975 عند اندلاع الحرب الباردة بين واشنطن وموسكو. وفي الفيلم يدور الصراع حول مهاجم من الكريستال، تقول الحكاية إنه فعلا تم العثور على واحدة منها في خمس مدارس، على يد مكتشف هو السيد ميشيل هارغز، ومن حول هذه الجماجم التي يبلغ عددها الإجمالي ثلاثة عشر وثمة تأكيدات على انه آتية من قارة الأطلنطي الأسطورية. تدور حكايات وحكايات لعل أهمها في الفيلم حكاية تفيد بأن من يسيطر على هذه الجماجم المنحوتة بدقة عجائبية، يمكنه أن يسيطر على مقدرات العالم كله. ومن هنا تبدأ سلسلة المطاردات والمغامرات التي تملأ الفيلم من حول الرغبة في السيطرة بين من يعمل لحساب الأميركي ومن يعمل لحساب السوفيات. واللافت هنا هو أن انديانا جونز (هاريسون فورد) يبدأ مغامرة بمطاردة من قبل العملاء الأميركيين بسبب حصوله على معلومات عن الجمجمة الأولى، وحينما يهرب منهم، يلتقي بسائق دراجة بخارية (شيالابوف) الذي ينقده من الورطة ليصبح رفيقه وصولا إلى جبال البيرو حيث يدور القسم الأكبر من المغامرة.
طبعا لن نستطرد هنا في رواية حوادث الفيلم، وليس هذا فقط لأننا لا نريد أن نحرم القارئ من لذة المتابعة - حين يشاهد الفيلم - ترقبا للمفاجآت، بل بكل بساطة لأن المشاهد الذي رأي طلقات انديانا جونز الثلاث السابقة، لن يرى كثيرا من الجديد هذه المرة، المرح نفسه المخاطر نفسها التي يتم تجاوزها، العلاقات نفسها، حتى وإن كان الزمن يتغير وكذلك الأعداء وما إلى ذلك. غير أن هذا لا ينبغي أن يمنعنا من القول إن مشاهد هذا الفلم إن نسي أنه يتطلب فنيا، وإن في مهرجان «كان» أفلاما من العالم يجب أن تستحوذ هنا على الفخامة أكثر لأن لا فرصة مقنعة أمامه لمشاهدتها في الصالات التجارية، فيما يعرف أنه بدءا من أمس (الأربعاء) يمكنه أن يشاهد الفيلم في أي مكان في العالم، ففي فرنسا وحدها يبدأ عرضه في 800 صالة في وقت واحد! وإن نسي المتفرج هذا فسيجد أنه ليس بنادم على الوقت الذي قضاه في مشاهدة فيلم يتحدث عن مغامرات طفولية مسلية، حتى وإن كان الفيلم يغض الطرف عن واقع أن بطله، الآن ودائما، إنما هو في نهاية الأمر سارق آثار، من النمط الكولونياري الذي سرق آثار وتراث الأمم الضعيفة ليوصلها إلى مناطق العالم.
العدد 2085 - الأربعاء 21 مايو 2008م الموافق 15 جمادى الأولى 1429هـ