نظّم النادي السوداني في مملكة البحرين مساء الخميس الماضي لقاء مطولا مع وزير الدولة السوداني بوزارة الخارجية السماني الوسيلة ورئيس مجلس الصداقة الشعبية العالمية أحمد عبدالرحمن محمد سادته روح المودة والتفاهم والتشاور، وعبر الحضور الذين كان في مقدمتهم السفير السوداني لدى المملكة بشرى الشيخ دفع الله ورئيس النادي سعد محمد سليمان وعدد كبير من أفراد الجالية عن مشاعر الوطنية من خلال الحوار الذي دار مع الضيوف الكرام.
وابتدر الوسيلة اللقاء بالحديث المفصل عن اتفاق أبوجا مع حركات التمرد في دارفور باعتباره كان أحد المشاركين فيه ووصفه بأنه أعدّ بصورة أفضل من اتفاق نيفاشا بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية، مبينا أن حسنة اتفاق نيفاشا أنه حقّق السلام في جنوب السودان لكن اتفاق أبوجا تميّز عنه بأن وضع أسسا واضحة المعالم لتحقيق الأمن والتنمية وتقسيم الثروة والسلطة في ولايات دارفور ووضع السلاح لحظة التوقيع، لكن رفض عدد من حركات التمرد في دارفور التوقيع عليه حدّ من فرصة تحقيق السلام الشامل وتنفيذ بنود الاتفاق في كل تراب دارفور عبر خطة تمتد لثلاث سنوات بدعم دولي لإعادة الإعمار.
كما تناول وزير الدولة بوزارة الخارجية التآمر الذي أفشل محادثات سرت في ليبيا في أكتوبر/ تشرين الأول 2006 مبينا أن تصريحات رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون عشية اللقاء، الذي توافرت له كل سبل النجاح بحضور كل الفصائل التي لم توقع على اتفاق أبوجا، بشأن ضرورة فرض المزيد من العقوبات على السودان إذا لم يتم إعلان وقف النار، أجهضت الجهود السودانية والعربية والدولية التي بذلت لإنجاح مؤتمر سرت والإعلان عن حلّ مشكلة دارفور.
وأضاف أن الحكومة السودانية أجبرت الحكومة البريطانية على الاعتذار عما بدر من براون الذي يحاول الآن عقد مؤتمر للسلام بشأن دارفور في بريطانيا مع أن بلاده تعلم جيدا أن أمر مفاوضات سلام دارفور محدد بموجب قرار دولي يمنح الصلاحية للأمين العام للأمم المتحدة وحكومة السودان بمساهمة الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي. وقال الوزير إن كل ذلك يوضح حجم التدخلات الدولية السلبية والتآمر الذي يستهدف التراب السوداني مستغلا بعض الحركات المتمردة في دارفور كغطاء لتنفيذ بنودها الخاصة التي لا تريد للسودان أن يستقر ويتقدم إلى الأمام، وان التدخل البريطاني السلبي انعكس وبالا على حزب العمال.
وفي هذا الإطار دعا الوزير الوسيلة المجتمع الدولي أن يكفّ عن توجيه الانتقادات واللوم والحضّ على فرض المزيد من العقوبات على الخرطوم بسبب مشكلة دارفور التي صارت بندا في حملات بعض القوى الغربية تستغله لأغراضها السياسية الداخلية، في حين يجب على من يزعم أن قلبه مع سكان دارفور أن يسهم بتقديم الحلول الجادّة والمساهمة في إقناع بقية الفصائل المتمردة للجلوس على مائدة الحوار لكي تتمكن الحكومة السودانية بمساعدة المجتمع الدولي من إزالة الظلم وويلات الحرب وإعادة المهجرين من أبناء دارفور إلى قراهم الأصلية لينعموا بحقوقهم السياسية والمدنية الكاملة في إطار السودان الموحد.
كما دعا الوسيلة المثقفين السودانيين أن يتخلوا عن السلبية وتوجيه الانتقاد للحكومة والأحزاب المختلفة من البعد من دون أن يصل صوتهم لموقع صنع القرار، وان ينخرطوا فورا في دوائر العمل السياسي من خلال الأحزاب المختلفة كل بحسب ميوله، وفي منظمات المجتمع المدني المختلفة لأن البلاد تحتاج فعلا لجهودهم ولأن التغيير المنشود والانتقال السلمي للسلطة والذي يتمنّاه الجميع لن يأتي إلا من خلال المشاركة الفاعلة والايجابية لخير الوطن والمواطن.
وقال الوزير إن السودان يمرّ بظروف تحوّل ديمقراطي حاليا والفرصة متاحة أمام الجميع للحوار فيما تواجه حكومة الوحدة الوطنية بالكثير من العقبات لإجهاض الخطط الاقتصادية الطموحة التي تسعى إلى تحقيقها، ودعا أفراد الشعب السوداني إلى العمل للاستفادة من موارد البلاد المتاحة حتى لا تصبح لغيرنا إذا ظللنا نخلق ونضع المزيد من المشكلات الأمنية أمام الدولة والحكومة.
وتحدّث الوسيلة بصورة مطوّلة ومفصّلة عن الأحداث المؤسفة التي شهدتها مدينة أمدرمان أخيرا وأجاب على الأسئلة التي ظلّت عالقة في أذهان أفراد الشعب منذ انتهاء العملية العسكرية الفاشلة التي قامت بها «حركة العدل والمساواة» المتمردة في دارفور. وأبان أن كل تلك الأسئلة تعدّ مشروعة وهي طرحت فعلا من قبل الصحافة المحلية بل وتعدّى الأمر حتى وصلت المواجهة والمساءلة لقبة البرلمان والمؤتمر الوطني الحاكم، حيث قوبل وزير الدفاع بانتقادات شديدة من النواب وصلت إلى حدّ طالب البعض باستقالته من المنصب بحجة أنه لم يقم بالدور المطلوب لحسم المعركة التي رصدتها الأجهزة الأمنية قبل حدوثها قبل تمكن قوات خليل إبراهيم من الوصول لمدينة أمدرمان.
لكن الوزير أبان أن الخطة التي وضعها الجيش كانت تقضي بحسم المعركة على بعد 150 كلم غرب مدينة أمدرمان لكن بسبب معلومات تسربت من «الطابور الخامس» عن تحركّات الجيش جعلت قوات التمرد تغير مسارها وتصل لأطراف أمدرمان من اتجاهين مستفيدة من سرعة تحركها. وقال إن المواجهة الأولى كانت مع وحدة صغيرة من الجيش في منطقة سجن الهدى قرب جبل المرخيات وهي التي وقعت فيها أكبر خسائر في الأرواح من الطرفين.
وأوضح أن سلاح الطيران سبق أن تعامل مع تلك القوة في ولاية كردفان لكن صارت ضجة عالمية زعمت أن الحكومة تقصف المدنيين. وتعامل مرة أخرى مع القوى التي توجّهت نحو أمدرمان عبر طريق شريان الشمال. وحذّر الوزير قادة التمرد في دارفور من مصير شاه إيران وأحمد الجلبي في العراق، مشيرا إلى أن التحدث عن إزالة النظام ينقل تلك الحركات من خانة التحرك لحلّ مشكلة دارفور إلى خانة التآمر.
وأوضح الوزير أن التجربة لها سلبياتها وايجابياتها التي تمثلت على رغم كل ما حدث في حسم المواجهة العسكرية خلال ساعتين وليس أكثر وتكبيد القوات المتمردة خسائر كبيرة في العدد والعتاد وقتل وأسر قادتهم. مشيرا إلى أن الأمور العسكرية لا تكشف طبعا بصورة علنية لكنه يتحدث عمّا حدث بحسب المعلومات التي توافرت لمجلس الوزراء وبحسب معلوماته البسيطة عن بعض الأمور العسكرية.
وتناول الوزير بالشرح أيضا ما حدث في مدينة أبيي من مواجهة عسكرية بين القوات الحكومية وقوات الحركة الشعبية للمرة الأولى منذ توقيع اتفاق نيفاشا للسلام وترك المجال لأحمد عبدالرحمن لأنه يلمّ بهذا الملف ويعلم تفاصيله بصورة لصيقة كما أنه زار المنطقة قبل أيام من الأحداث التي وقعت فيها.
وقال رئيس مجلس الصداقة الشعبية العالمية إن مسألة الأبيي لم تكن مدرجة أصلا في مفاوضات نيفاشا لكن زعيم الحركة الشعبية الراحل جون قرنق أراد أن يكافئ قبائل دينكا الور التي ساعدت الحركة إبان الحرب الأهلية. وأضاف أن برتوكول أبيي الذي وضع عقب ذلك بزعم تحديد حدود الجنوب من الشمال يهدف أساسا إلى إضافة تلك المنطقة الغنية بالنفط إلى جنوب السودان لأهداف تخصّ الغرب في حين أن عدد سكان المنطقة من المسيرية يعد أكبر من دينكا الور والطرفان يتعايشان منذ الاستقلال في سلام ولهما مصالح مشتركة وحالات تزاوج عدة.
وقال عبدالرحمن في الختام إن طبيعة السودان الديمغرافية معقدة وقابلة لإحداث الصراع ودعا إلى احترام حقوق المواطنة التي لم تكتمل منذ الاستقلال في كل بقاع الوطن.
العدد 2090 - الإثنين 26 مايو 2008م الموافق 20 جمادى الأولى 1429هـ