لم يعد إبراز التراث وتقديم المخزون الثقافي والشعبي التاريخي لمملكة البحرين العريقة مقتصرا على التدوين والتوثيق والكتابة، بل اتسعت الدائرة لتشمل استحضار هذا الجانب المهم من الذاكرة الوطنية لأهل البحرين بما يعكسه من معانٍ ومدلولات أكدت الترابط والمحبة بين مختلف الطوائف، فتوجه بعض المهتمين من الفنانين إلى تقديم اللوحات التراثية الشعبية على هيئة أعمال موسيقية واستعراضية تمثل مختلف المراحل الزمنية، وهذا ما ظهر جليا في مهرجان «بنت البحرين» الذي تنظمه المحافظة الشمالية على مدى عامين متتاليين، حيث قدم المخرج عادل وافي الدوسري والملحن خالد ناصر نمطا قديما متجددا من الصور التراثية ضمن نسق فني غنائي يزاوج بين الكلمة واللحن والاستعراض الراقص.
ولعل السؤال الذي يمكن توجيهه أولا للملحن خالد ناصر :»كيف يمكن استحضار اللحن والإيقاع التراثي الذي عرفت به البحرين لتنغيمه في الاستعراض التراثي؟، وهنا يجيب بالقول إن النص... الكلمة، يأتي ليحمل من الأساس لوحة تراثية ومشهدا يعيشه الملحن ليستخرج من مكنونه الإيقاع واللحن الذي يناسبه، وبالنسبة لنا في مهرجان «بنت البحرين»، فقد كان من السهل إضفاء الإحساس على الكلمات لتتوافق هي الأخرى مع اللوحات الشعبية الممثلة والراقصة، فحين يتم الحديث عن حياة الفلاح فهنا يأتي النغم متناسقا وبشعور الأرض والخضرة والجمال، وحين يتم الحديث عن البادية، فإن اللحن يأتي مخفورا بالكرم والطيبة... فالأولى تشاهد الفلاح الطيب بلباسه البحريني، وفي الثانية تشاهد الجمل مثلا، واللحن يأتي ليعطيك شعورا خاصا تتجاوب من خلاله مع المشهد.
وبالنسبة لي، والكلام لناصر، أسعى إلى «توظيف» اللحن إنْ صح التعبير؛ ليصبح مقبولا وسهلا ومناسبا لمختلف الأذواق، تماما كما الصحيفة التي تصل إلى الجميع بسهولة ويمكن للجميع قراءتها بسهولة أيضا.
ويؤكّد أنّ الفلكور التراثي الشعبي أصبح اليوم مطلوبا كما تعلم كجزء من الهوية الثقافية، وقد تربينا على هذا الفلكلور، ونحن هنا لا نقدم اللحن واللوحة الفلكلورية كما هي تماما، ولكن نعمل على تطويرها بالشكل الذي يتناسب مع إيقاع العصر، والذوق العام للمتلقي، ونأمل أنْ نكون قد حققنا جزءا من النجاح في هذا الإطار.
تصور فني للمشاهد
وعلى مدى العامين الماضيين، تمكّن المخرج الشاب عادل وافي الدوسري، من تقديم وجوه جديدة، وإيقاع له مذاق خاص في مهرجان «بنت البحرين» هذا العمل، كان بمثابة انطلاقة جديدة للدوسري الذي حاول أنْ يدفع بنمط إحياء التراث والثقافة الوطنية ضمن هذه الأعمال، التي لم تعد مجرد أوبريت بنصوص مغناة ولقطات راقصة فحسب، بل امتدّ ذلك الى تقديم التصور الثقافي في قالب وطني للجيل الجديد.
مرحلة الإعداد للعمل
في البداية، لابدّ من وضع التصور الشامل للعمل، وبذلك يتوجب عليك أنْ تدرس اللوحات كتخصص كل واحدة على حدة من ناحية الرتم الراقص والحركي وكذلك توافق الشخصيات مع اللوحات، في ميلودراما فنية تبرز الزاوية المراد إيصالها للمشاهد على حقيقتها، أو قربها من الصورة الحقيقية.
نظرة المخرج وإحساس
ويقول... الأفكار التي نطرحها جديدة، وخصوصا أنّ الجيل الحديث لم يشاهدوا إحياء للتراث بمجرد رؤية الشيء العادي بطريقة مملة، ولكن من هنا، نريد أنْ يعشقها الجيل الجديد ضمن نسق يتماشى مع الموروث المنقول من الآباء والأجداد، فنأخذ أوّلا النص، وهو عبارة عن سيناريو، ومع مراجعة السيناريو نقوم بتوزيع الأدوار، وقراءة النص الأساسي لإيجاد الحلقات المتوافقة بين نظرة المخرج وإحساس الكاتب ضمن النص، وبالتالي تفاعل الممثلين الذين يؤدون تلك المشاهد... ويوضح... من الأجزاء التي أركز عليها وأدرسها جيّدا مع الملحن خالد ناصر هي اختيار نوعية المشاركة وكذلك اختيار الأصوات للعمل... وبالمناسبة، فقد شاركت الفنانة شيماء والفنان عبدالله البلوشي كوجهان جديدين لكن لهما مستقبل باهر في سماء الفن... أعود لنقطة التصميم الأولي للعمل والتي تعتمد على الكلمة من البداية، والتخصص هنا مهم بالنسبة إلينا، حيث نريد أنْ يكون هناك تناغم فني متكامل بين الكلمة والأداء الصوتي.
العدد 2115 - الجمعة 20 يونيو 2008م الموافق 15 جمادى الآخرة 1429هـ