العدد 2115 - الجمعة 20 يونيو 2008م الموافق 15 جمادى الآخرة 1429هـ

مدينة تدمر حضارة سبقت الرومان بألف عام

التجوال في سورية وطلب المقاصد السياحية فيها ليس بالأمر الصعب، كل ما عليك فعله أن تطلب معلما سياحيا ترغب في رؤيته، فمن جمال الطبيعة إلى تراث الحضارات إلى رؤية الآثار التاريخية تتشكل الخريطة السياحية في سورية. إحدى أهم المحطات السياحية التي يقصدها العديد من السياح مدينة تدمر الأثرية التي يزورها أكثر من 50 ألفا سنويا.

تقع مدينة تدمر على بعد 160 كم شرقي حمص وسط واحة في بادية الشام، ترويها ينابيع كبريتية، وكان أول من سكنها الكنعانيون الذين عبدوا فيها إلههم «بعل»، وكان ذلك في الألف الثالثة قبل الميلاد.

تتميز مدينة تدمر بكثرة قصورها التاريخية، وبمنحوتاتها الجنائزية الموشحة بتعابير تضج بالحياة. ما يجذب الزائر إلى عروس الصحراء هو قوس النصر ذو المداخل الثلاثة ثم تتبع القوس أعمدة عددها 150 عمودا علو الواحد منها سبعة أمتار. ويقال إن كل عمود من تلك الأعمدة هو نصب تذكاري لأحد حكماء المدنية أو واحد من قادتها العظماء الذين شيدوا حضارتها. أما المسارح وميادين السباق والتدريب على القتال فلاتزال آثارها باقية، فالمسرح القديم الذي لايزال بحالة جيدة، ويدل بناؤه ومداخله ومخارجه وباحته على فكرٍ نير، عمل لكل شيء حسابه حتى توزيع الصوت الذي يصل إلى أبعد موقع فيه. وأما الباحة الواسعة فتدل على سرعة الحركة والدوران والنزول إليها والطريق السالك لمغادرتها.

تمتد المدنية الأثرية على طول نحو 12 كلم وتحتوي على الكثير من المعالم الدالة على إمبراطورية كبرى شملت المشرق العربي بجناحيه الشامي والرافدي وجزء من الجزيرة العربية والأناضول ومصر، وكادت أن تطرق أبواب روما عاصمة الإمبراطورية الرومانية. فقد حاولت زنوبيا أشهر امرأة في التاريخ بسط نفوذها على مصر ومختلف أنحاء آسيا الصغرى، وقد أفلحت قواتها في الاستيلاء على أراض من أباطرة الرومان. غير أن الإمبراطور الروماني أوريليان ألحق بزنوبيا الهزيمة وأسرها العام 274 للميلاد، ودمر تدمر. ولكن الإمبراطور ديو كليشيان الذي امتد حكمه من 284 إلى 305 أعاد بناء المدينة، وظلت الحال على ما هي عليه حتى تغيرت طرق القوافل.

ومن الشواهد المثيرة جدا للاهتمام والانتباه المقابر التي أراد التدمريون تخليد أسماء وصور موتاهم فيها، فهي مصممة بشكل يدعو للإعجاب، يطلق على بعضها رسم المقابر البرجية، فالمقبرة الواحدة مؤلفة من أربعة أو خمسة طوابق، والقبور عبارة عن صناديق حجرية منقوش على واجهاتها صورة ساكنها واسمه، وترتب إلى جانب بعضها بعضا إلى جانب الجدران التي تضم رفات الموتى. والملفت للنظر هو أن الأسماء كتبت باللغة التدمرية وبخط أحمر اللون لم يتأثر ولم يتبدل لونه منذ عشرات القرون. ما يدهش الزائر في آثار تدمر أن التدمريين كتبوا بالأرامية ولكن لغة حياتهم كانت اللغة العربية.

لابد للسائح من جولة يوم كامل لتمكنه من اكتشاف روعة الآثار وجمال الفن المعماري التي تمتد على مساحة ستة كيلومترات مربعة. وأهم هذه الآثار: معبد بل, وقوس النصر والمسرح الروماني والحمامات والشارع المستقيم ومجلس الشيوخ والمقابر. ويقع معبد بل في الطرف الشرقي من مجموعة المواقع الأثرية ويحتوي على فسحة أمامه بمساحة 200 متر مربع يتوسطه هيكل ومذبح زخرفته رومانية. تحيط بالمعبد من الداخل أربعة أروقة. الرواق الغربي منها فيه 390 عمودا عاليا بقي منها سبعة قائمة، وفي المعبد هيكل محرابان يحتوي الشمالي على تماثيل الآلهة التدمرية الثلاثة الكبرى وسقفه مؤلف من قبة مزدانة بصور الكواكب السبعة, أما شارع الأعمدة العظيم الذي كان مفروشا بالأعمدة فقد كان أبرز شارع في تدمر, والقوس التذكاري الذي يقع في إحدى نهايات رتل الأعمدة تمّ ترميمه جزئيا, ويقع المسرح والسوق الكبير وقاعة الضيافة والطعام في الجهة الجنوبية من شارع الأعمدة, بينما انتشرت باقي الأبنية كالحمامات والمعابد في جميع جوانب الشارع الرئيسي, بينما يقع المتحف بين الآثار والبلدة الحديثة ويضم تماثيل كثيرة وأشياء تمّ اكتشافها خلال عمليات التنقيب عن الآثار في المواقع الأثرية.

العدد 2115 - الجمعة 20 يونيو 2008م الموافق 15 جمادى الآخرة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً