رقد المنتخب الروسي لكرة القدم في سبات عميق لمدة 20 عاما واستيقظ في كأس أوروبا 2008 ليكون مصدر تهديد مباشر لعمالقة الكرة الأوروبية، وذلك بفضل الدعم الهائل الذي توفره شركات البترول للأندية المحلية.
لكن التخوف الناتج عن ذلك الدعم يظهر في غياب الخطط الطويلة الأمد في سبيل تنمية تلك الأندية وتسييرها على السكة الصحيحة لكي تصبح رائدة في القارة العجوز.
إذا استعرضنا أسماء أندية النخبة حاليا في روسيا نرى انها ذاتها إبان الحقبة السوفياتية قبل الانفراط التاريخي العام 1991، سسكا موسكو التابع للجيش الاحمر، ودينامو موسكو الخاضع لوزارة الداخلية، ولوكوموتيف موسكو التابع لشبكة السكك الحديدية، وسبارتاك موسكو.
تعيش الكرة الروسية حالا فريدة من نوعها إذ إن الدوري لا ينطلق بموازاة باقي الدول الأوروبية نظرا للصقيع الذي يلف شبه القارة السوفياتية ويجعلها بساطا ابيض اللون خلال فصل الشتاء، وربما يكون هذا احد الأسباب التي جعلت اللاعبين الروس أكثر لياقة من لاعبي باقي المنتخبات المنهكين بعد موسم طويل.
يحترف كل لاعبي منتخب روسيا الـ23 داخل البلاد باستثناء مهاجم نورمبرغ الالماني ايفان ساينكو، وهي نقطة تطرق لها المدرب الهولندي غوس هيدينك واعتبرها سلبية بعد أن صعبت مهمته في اختيار لاعبي المنتخب الذي يخوض مباراة مفصلية اليوم الخميس أمام اسبانيا في نصف نهائي كأس أوروبا.
يمول معظم الأندية الروسية الشركات الخاصة الكبرى، بحيث تصبح المصدر الرئيسي لتمويلها. نادي زينيت سان بطرسبورغ المتوج بلقب كأس الاتحاد الأوروبي، وصانع نجومية المهاجم المتألق أندري ارشافين، تموله شركة الغاز المحتكرة «غازبروم» التي ترعى أيضا نادي شالكه الألماني ثالث (البوندسليغا) في الموسم المنتهي.
من جهته، يعتمد دينامو موسكو على هولدينغ للمناجم والصناعات الحديدية «ميتالو اينفيست»، التي يملك جزءا منها «حوت المال» اليشير عثمانوف، الذي يملك بدوره حصة في نادي ارسنال الانجليزي. أما سبارتاك، وصيف زينيت الموسم الماضي، فترعاه شركة «لوك اويل» ثاني اكبر شركات النفط الروسية.
وعن ضعف التخطيط وغياب الشراكة المستقبلية بين الرعاة والأندية، يقول الكسندر بوبروف من صحيفة «سبورت اكسبريس» اليومية: «الفارق بيننا والغرب، أن الأموال هنا تصرف على رواتب اللاعبين، ولا يتم تخصيصها لتحسين البنى التحتية، بكلمة واحدة لا يوجد ملاعب لدينا».
وأضاف بوبروف لوكالة «فرانس برس»: «في الأعوام الأخيرة، الملعب الوحيد الذي بني بشكل صحيح هو ملعب لوكوموتيف».
وعن رواتب اللاعبين الضخمة، قال بوبروف: «لاعبونا يحصلون على رواتب خيالية، بين مليون و3 ملايين يورو صافية سنويا، من دون احتساب المكافآت، وبالتالي اللاعب الذي يحترف خارج روسيا سيخسر بدلا من أن يربح المال».
طريقة الروس في مقاربة اللعبة غريبة، ومثال على ذلك راتب مدرب المنتخب الهولندي غوس هيدينك الذي يبلغ 2 مليون يورو سنويا فيتكفل به مالك نادي تشلسي الانجليزي الملياردير رومان ابراموفيتش».
يعلم الاتحاد المحلي أن اللعبة تعاني من مشكلات «استراتيجية» عدة، وضعفا فاضحا في بناء مدارس كافية للأطفال، وندرة في التجهيزات الضرورية، كما أن الهجمة الكبيرة للاعبين الأجانب على الدوري الروسي تقفل الأبواب أمام اللاعبين المحليين للظهور.
ويوضح بوبروف أن نتيجة روسيا الايجابية حتى الآن في كأس أوروبا لم تتحقق بفضل الدعم المالي فقط للأندية: «انه أكثر عمل هيدينك الذي أوصلنا إلى نصف النهائي، وليس بفضل الأندية، لأن خيارات هيدينك في الاختيار كانت محدودة جدا».
وكان هيدينك اشتكى منذ فترة ندرة اللاعبين المحليين في الدوري الروسي: «هناك 300 لاعب محترف في روسيا، بينهم 60 فقط بإمكانهم اللعب مع روسيا»، لذا ستكون إحدى خططه المقبلة العمل في الأكاديمية الوطنية التابعة لابراموفيتش لـ»عصرنة» تأهيل الأطفال والبنى التحتية».
وقال سيرجي سيماك قائد المنتخب الروسي «أعتقد أن رومان هو الاكتشاف الأكبر للفريق في البطولة الحالية.. لطالما لعب جيدا في الدوري الروسي كما تصدر قائمة هدافي الدوري الروسي في الموسم قبل الماضي واحتل المركز الثاني في القائمة الموسم الماضي ولكنني أعتقد أن أحدا لم يتوقع منه أن يؤدي بهذا الشكل الذي قدمه في يورو 2008 «.
كما برز نجم سيسكا موسكو يوري جيركوف ضمن أفضل اللاعبين الذين شغلوا الناحية اليسرى في منتخبات البطولة.
وقال هيدينك «جيركوف أحد أفضل اللاعبين في أوروبا حاليا في الناحية اليسرى من الملعب».
ويعرف جيركوف بلقب «رونالدينيو الروسي» بفضل مهارته في المراوغة بالكرة ومجهوده الهائل في الملعب ما يجعل ريال مدريد الاسباني مستعدا لتقديم عرض من أجل التعاقد معه».
وإلى جانب أرشافين يبرز كونستانتين زيريانوف زميله في فريق زينيت والفائز بلقب أفضل لاعب في روسيا العام 2007 كلاعب مؤثر للغاية في خط وسط الملعب.
كما ترك كل من قلب دفاع دينامو موسكو دينيس كولوديم وحارس المرمى إيجور أكينفيف وثنائي خط الوسط إيجور سيمشوف وسيرجي سيماك انطباعا رائعا مع المنتخب الروسي في البطولة الحالية.
ويغيب كولودين عن مباراة الفريق أمام نظيره الاسباني اليوم الخميس في الدور قبل النهائي ليورو 2008 بسبب الإيقاف لحصوله على الإنذار الثاني في البطولة خلال مباراة الفريق أمام هولندا في دور الثمانية.
واستعاد لاعبو المنتخب الروسي كبرياءهم على المستوى الدولي وأصبحت لديهم حاليا الفرصة لتكرار إنجاز المنتخب السوفياتي السابق إذ وصل الفريق إلى نهائي البطولة الأوروبية العام 1988 وقد تكون الفرصة سانحة أمام المنتخب الروسي حاليا لتجاوز هذا الانجاز وإحراز لقب البطولة مثلما فعل المنتخب السوفياتي في البطولة الأوروبية الأولى العام 1960 .
العدد 2120 - الأربعاء 25 يونيو 2008م الموافق 20 جمادى الآخرة 1429هـ