تأهل المنتخب الألماني إلى المباراة النهائية لبطولة أمم أوروبا 2008 بعد فوزه الصعب والمثير على المنتخب التركي الغريب بثلاثة أهداف مقابل هدفين في مباراة عصيبة ومتقلبة جسمتها خبرة الألمان في مواجهة حماس الأتراك.
المباراة أثبتت مجددا أن زمن الكبار قد ولى في كرة القدم وبات بإمكان أصغر المنتخبات أن تحرج أكبرها، وليس بعيدا عنا فوز الباراغوي على البرازيل 2/صفر قبل أسبوعين في تصفيات كأس العالم، وأداء البحرين القوي أمام اليابان عملاق آسيا في عقر داره وخسارته بصعوبة بعد أن كان اليابانيون يكتسحون الفرق الخليجية على أرضهم باتوا معرضين للخسارة منها.
المستويات على المستوى العالمي بدأت بالتقارب بشكل كبير ولم يعد هناك ما يفصل لا من حيث قوة الأداء أو اللياقة البدنية أو المهارات الفردية، وهذا ما أكده أيضا المنتخب الروسي الذي يملك لاعبين موهوبين يماثلون أشهر اللاعبين على مستوى العالم.
قبل مباراة تركيا مع ألمانيا توقع الكثيرون فوز الألمان بنتيجة كبيرة وسط النقص المذهل وغير المسبوق الذي عانى منه الأتراك بخسارة قرابة الثمانية لاعبين بين موقوف ومصاب، إلا أن البدلاء الجدد بحماسهم فاجأوا الألمان وأجبروهم على الخنوع والتراجع وتلقي الأهداف، ولولا الحظ والعارضة لربما اختلف الأمر كثيرا.
فتركيا لعب بفريق معظمهم يلعبون المباراة الأولى لهم في البطولة الأوروبية منذ البداية أمام منتخب عتيد مليء بالأسماء وصاحب خبرة طويلة، ومع ذلك لعب الأتراك بعزيمة واصرار وحماس غريبين وبدأوا بطريقة هجومية لافتة تاه معها الألمان وفقدوا التركيز في النصف ساعة الأول من المباراة أمام سيل الهجمات التركية التي توجت في النهاية بهدف التقدم.
ومع أن الألمان لم يصلوا كثيرا إلى المرمى إلا أن كرتهم الأولى وبخبرة كبيرة كانت كفيلة بمعادلة النتيجة في الشوط الأول.
الأتراك واصلوا اللعب بالمنوال نفسه في الشوط الثاني فلم يتراجعوا ولم يدافعوا وواصلوا الضغط على الألمان وسنحت لهم الكثير من الفرص غير أن الاستعجال أضاع منهم التقدم، ليستغل مهاجم ألمانيا كلوزه خطأ الحارس التركي روستو ليعطي فريقه التقدم مجددا.
وسط الاندفاع التركي والهدف المعاكس الألماني كان من الطبيعي أن يتراجع أداء الأتراك ويخفت بريقهم وحماسهم غير أنهم واصلوا هوايتهم في العودة العجيبة والغريبة وتمكنوا من معادلة النتيجة بهدف المهاجم المميز سميح والذي يعتبر أنجح البدلاء في بطولة يورو 2008، إذ سجل هدفا بعد كل نزول له إلى الملعب تقريبا.
غير أن الألمان ومن خلال الخبرة الكبيرة في مثل هذه المواجهات وبواسطة الظهير الأيسر المميز لام والذي يسير على خطى بريما تمكنوا من خطف هدف ثالث في وقت قاتل خرجوا به فائزين في مباراة لم يستحق فيها الأتراك الخسارة بهذه الطريقة كما قال مدرب أرسنال العالمي أرسين فينغر.
ما قدمه الاتراك في هذه المباراة النصف نهائية شكل درسا جديدا في عالم كرة القدم، قضوا فيه على كل المنتخبات أو الفرق التي تبرر بالنقص تراجع مستواها، وليؤكدوا أن ما يملكونه من مخزون بشري على مستوى اللاعبين كفيل بتغيير موقع تركيا على خريطة كرة القدم العالمية.
خلف هذا المنتخب يقف مدرب عصبي وحماسي وذكي جدا يدعى فاتح تيريم، تمكن من إيلاج الروح الوطنية العالية في لاعبيه ودفعهم لتقديم أفضل ما لديهم، وكانوا قريبين بقيادة هذا المدرب المميز من الوصول إلى المباراة النهائية لولا قليل من الحظ والخبرة.
فعلا كرة القدم العالمية تسير وفق متغيرات سريعة، ليس على مستوى اللاعبين والمنتخبات وإنما أيضا على مستوى التكتيك الكروي والفن التدريبي الذي تمكن منه الأتراك كغيرهم كثير من المنتخبات، ولم يعد الأمر حكرا على الدول الكبرى، وهذا ما أسهم حقا في تطور هذه المنتخبات بمدربيها الوطنيين.
فعلم التدريب عرفته الدول الكروية الكبرى التي امتلكت مدارسها الخاصة، فكانت المدرسة البرازيلية الشهيرة بالفنيات والكرات القصيرة، والمدرسة الأرجنتينية الشهيرة بالسرعة والقوة والحماس والتكتيك العالي، والمدرسة الألمانية الشهيرة بالقوة البدنية واللياقة العالية والالتزام الخططي، والمدرسة الايطالية الشهيرة بالدفاع القوي (الكتناشيو) والمدرسة الإنجليزية الشهيرة بالكرات العالية والضربات الرأسية والهولندية الشهيرة بالكرة الشاملة، وهؤلاء صدروا المدربين إلى كل العالم وفرضوا مدارسهم، أما اليوم فإن الأمر اختلف وباتت كرة القدم عالمية بحق يشترك فيها الجميع ويسهمون في تطورها من خلال تداخل المدارس وامتزاجها مع احتفاظها ببعض المميزات الخاصة، كما فعل الأتراك بترك بصمتهم الحماسية العجيبة في كرة القدم الحديثة.
العدد 2121 - الخميس 26 يونيو 2008م الموافق 21 جمادى الآخرة 1429هـ