تأسيس إدارة خاصة للأوقاف الجعفرية
في التقرير السنوي لحكومة البحرين للعام 1946م جاء فيه ما يلي: في العام 1927م كانت كل أملاك الأوقاف لاتزال بيد القضاة أو أنها تدار بواسطة أفراد لديهم النفوذ الكافي للسيطرة عليها والتصرف فيها كيفما يريدون من دون حسيب أو رقيب.
وقد لقيت أول خطوة اتخذتها الحكومة لمعالجة هذا الوضع التأييد من قبل المواطنين فعندما عيّن عالم الدين سيدعدنان الموسوي قاضيا للشرع في العام 1927م بدلا من الشيخ خلف العصفور شرع بإعداد سجل يتضمن جميع أملاك الأوقاف الجعفرية وأسس نظاما حديثا لقيد الإيجارات. وعلى رغم أن هذا القاضي توفي بعد سنة واحدة فإنه أنجز عملا مفيدا جدا يعتبر الأساس لإنشاء دائرة الأوقاف الجعفرية وتولى الشيخ محمد علي المدني إدارتها من بعده ثم عيّن بدلا منه قاضيان جديدان هما الشيخ علي بن حسن آل موسى - صاحب هذه الترجمة - والشيخ عبدالله بن محمد صالح، وقد رفض الشيخ علي بن حسن التعامل في أملاك الأوقاف في الوقت الذي وافق الشيخ عبدالله على ذلك إلا أنه عزل من منصبه بعد سنوات قليلة، فتقدمت جماعة من الأهالي بطلب إلى الحكومة بأن تتولى جهة أخرى غير القضاة إدارة الأوقاف فتم تشكيل لجنة من كبار الشخصيات تكونت من ستة أعضاء من القرى (من بينهم الحاج أحمد بن خميس) وأربعة أعضاء من المدن (من بينهم الشيخ محمد علي التاجر) وأوكلت إلى هذه اللجنة مسئولية الأوقاف.
2 - تعيينات قضائية
في أحد تقاريره كتب مستشار حكومة البحرين تشارلز بلغريف العام 1947عن تطور القضاء في البحرين ومما جاء في هذا التقرير ما يلي: لقد حدثت تغييرات كثيرة في هيكل المحاكم الشرعية منذ منتصف العشرينات وحتى منتصف الأربعينات، فعندما تقاعد الشيخ قاسم المهزع عن منصبه بسبب تقدم سنه وفقدانه البصر، كان حاكم البحرين قد عيّن ثلاثة قضاة من علماء البحرين هم: الشيخ عبداللطيف بن سعد، والشيخ عبداللطيف الجودر، والشيخ عبداللطيف المحمود. وقد تولى هؤلاء الشيوخ القضاء الشرعي لسنوات كثيرة.
أما بالنسبة لقضاة المحاكم الجعفرية فقد تم تعيين السيدعدنان الموسوي من جدحفص قاضيا شرعيا (في العام 1927م) وهو أحد علماء الدين الأكفاء الذي ينتمي الى عائلة أنجبت الكثير من القضاة في الماضي... ويعود الفضل إليه في تأسيس إدارة الأوقاف الجعفرية، لكن الرجل لسوء الحظ توفي في العام 1928م. وبعد مضي فترة من الوقت عينت الحكومة قاضيين أحدهما للمنامة وهو الشيخ عبدالله بن محمد صالح الذي تمتع بشعبية واسعة في العاصمة والثاني هو العالم الشيخ علي بن حسن (صاحب هذه الترجمة) ليكون قاضيا مسئولا عن القرى حيث يحظى باحترام كبير في أوساط الريف وكان عمره عند تعيينه يتراوح ما بين السبعين والثمانين عاما - وقد أخطأ المستشار في تقدير عمر الشيخ علي بن حسن ففي تلك الفترة كان عمره قد جاوز تسعين عاما -. وفي العام 1935م تم عزل الشيخ عبدالله عن القضاء في العاصمة فقامت الحكومة بنقل الشيخ علي بن حسن آل موسى من قضاء القرى لتولي منصب القضاء بالمنامة وعينّت قاضيين آخرين لمساعدته (وهما الشيخ علي بن جعفر والشيخ باقر العصفور) ووردت إلى الحكومة شكاوى كثيرة عن سلوك هؤلاء القضاة وإزاء ذلك تم عزل الشيخ علي بن جعفر (وقد رجع إلى مسقط رأسه في القطيف) وقامت الحكومة بتعيين الشيخ محمد علي حميدان مكانه.
وفي الوقت نفسه (1939) استقدمت أحد علماء الدين الأكفاء من العراق وهو (الشيخ عبدالحسين الحلي وقلدته منصب القاضي الأول الذي تقدم إليه قضايا الاستئناف المرفوعة من المحاكم الشرعية).
وفي العام التالي 1940م استقال الشيخ علي بن حسن آل موسى بسبب العجز لكبر سنه فخصصت له الحكومة مرتبا تقاعديا حتى وفاته.
3 - الإعلان عن افتتاح مبنى المحاكم الشرعية
في العام 1938م قامت الحكومة بنشر إعلان عام تخبر الجمهور فيه أنه اعتبارا من يوم 8 رمضان 1357هـ ستفتح المحكمة الشرعية الجعفرية، ولقد صدر القرار بتعيين الأسماء الآتية قضاة للمحكمة الشرعية الجعفرية وهم: الشيخ باقر العصفور، الشيخ علي بن حسن آل موسى المترجم له الشيخ محمد علي القاري، وإن هؤلاء سيبقون في القضاء تحت الاختبار تسعة أشهر لأجل الاطلاع على حسن إدارتهم وقضائهم بالحق ثم يثبتون بعد ذلك بأمر حاكم البحرين.
وعلى اثر ذلك قام وفد مكون من: منصور العريض، السيدسعيد السيد خلف، محسن التاجر، محمد علي التاجر، وآخرين بزيارة المستشار ودار بينهم حديث طويل لقد كان واضحا من حديثهم ارتياحهم من الإجراءات الأخيرة بخصوص تعيين القضاة الجدد.
4 - اعتراض القضاة على الإجراءات الجديدة لإدارة التركات
بتاريخ 26 ديسمبر/ كانون الأول 1931م صدر إعلان من الحكومة للمواطنين ينص على ضرورة تسجيل جميع وصيات الأموات لدى الحكومة قبل تنفيذها من قبل الأوصياء وفي حالة موت شخص من دون كتابة وصيته فإن على المنفذ عدم التصرف في تركته قبل إبلاغ الحكومة بذلك. وقد تمت الموافقة على هذا الإعلان من قبل القضاة والمواطنين على السواء كما حصل على التأييد الرسمي في البلاد.
أما سبب إصدار هذا الإعلان فهو كثرة السرقات وسوء التصرف في التركات وما يتبعه من هضم لأصحاب الحقوق كالأيتام والقصر من الأطفال والنساء والمعوقين وقد حدثت قصص وحوادث كثيرة من هذا القبيل ما اضطر الحكومة لتطبيق إجراءات جديدة لحفظ حقوق الورثة.
ولكن الاعتراض حدث ليس بسبب هذا الإعلان ولكن بسبب طريقة أو آلية تنفيذ الإجراءات، فقد قامت الشرطة وموظفو البلدية عند تبليغهم عن حالات الوفاة بالتحري والتصرف غير اللائق مع أهل المتوفى ما استفز المشاعر ورفعوا القضية لأصحاب الحل والعقد بعد أن عقدوا عدة اجتماعات في المنامة والمحرق والحد، رفعوا خلالها عرائض شعبية إلى المسئولين. وكان ممن اعترض على هذه الإجراءات الشيخ علي بن حسن آل موسى فقد رفع رسالة بتاريخ 1 فبراير/ شباط 1932م يقول فيها إنه يواجه الكثير جدا من المشكلات بسبب هذا الإعلان... وتذكر بعض المصادر التاريخية أنه بتاريخ 6 فبراير 1932م توجه نحو 30 رجلا معظمهم من التجار إلى الصخير واجتمعوا مع حاكم البلاد الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، وخلال هذا الاجتماع طالبوا بإلغاء الإعلان الحكومي الخاص بتسجيل الوصيات لدى الحكومة قبل تنفيذها وكان البعض من هؤلاء التجار متورطين فعلا في قضية سوء التصرف في أموال القاصرين! وفي الأيام التي تلت هذا الاجتماع أضرب التجار وخصوصا في المحرق فأغلقت الدكاكين، وفي الوقت نفسه توجه بعض التجار البارزين من بينهم يوسف بن أحمد كانو وعبدالرحن الزياني ويوسف فخرو وعبدعلي العليوات لمقابلة الشيخ حمد حيث ناقشوا معه الوضع في البلاد وبضرورة إيجاد حل عاجل لهذه الأزمة وخصوصا عندما تدخل تجار المنامة إلى جانب تجار المحرق وأمام هذا الأمر الواقع وفي اليوم نفسه تم إلغاء هذا الإعلان.
يشار إلى أن الشيخ قاسم المهزع من قبل هذا الإعلان بسنوات قليلة كان قد أصدر فتواه الشهيرة بخصوص إعلان المعتمد السياسي البريطاني الميجر ديلي العام 1923م المشابه بخصوص الأثلاث والتركات وهذا نص هذه الفتوى «وتبقى الوصية بيد الوصي وأما الأيتام فيؤخذ لهم عقار أما الأوقاف فإنها قربات إسلامية يجب على متوليها العمل بمقتضاها» وكان الشيخ قاسم قد أرسل بهذه الفتوى إلى الحكومة التي وجدتها حلا مرضيا فاعتمدتها وألغت على أثرها إعلان الميجر ديلي.
مكانته القضائية
كانت لصفاته التي كان يتحلى بها الأثر الكبير في تسنمه منصب القضاء فترة طويلة في كل من القطيف والبحرين حيث ولي القضاء الأهلي في تاروت لمدة 36 سنة وفي السنابس لمدة 8 سنوات (وقيل 9 سنوات) وفي المنامة لمدة 5 سنوات أي قرابة خمسة عقود اكتسب خلالها سمعة طيبة على رغم كل ما تعرض له كرسي القضاء من اهتزازات في تلك الفترة من الزمن فإنه ظل ثابتا صامدا يمارس دوره الطبيعي من دون خوف أو وجل، لا تأخذه في الله لومة لائم حتى مرت جميع العواصف من أمامه من دون أن يرف له جفن وهذا يدل بطبيعة الحال على شخصيته القوية ومكانته الدينية الراسخة فسمعته الطيبة كانت السبب في دعوته إلى البحرين لتولي القضاء في السنابس كما أن هذه السمعة كانت السبب في دعوته لتولي القضاء في المنامة حتى إذا شعر بدنو أجله قدم استقالته أو انسحب بهدوء من دون إكراه من أحد ورجع سالما غانما إلى القطيف بعد أن أدى أمانته إلى أهلها كاملة غير منقوصة. وكانت علاقته بجميع القضاة الذين عمل معهم علاقة أخوية متميزة فلم يذكر أحد شيئا يسيء إلى هذه العلاقة من قريب أو بعيد، كما أن الناس الذين يتقاضون عنده كانوا يجدون الإخلاص والنزاهة في أحكامه وقراراته وكان بعض كبار السن مما التقى بهم الباحث قبل سنوات يذكرونه بالخير «وما المرء إلا حديث بعده».
مكانته الاجتماعية
كان على صلة وثيقة بالكثير من الشخصيات داخل البحرين وخارجها، ومن أشهر تلك الشخصيات في البحرين تاجر اللؤلؤ الوجيه الحاج أحمد بن علي بن خميس مؤسس مأتم بن خميس (المتوفى العام 1941م) والقاضي الشيخ باقر بن أحمد العصفور (المتوفى العام 1977م) والقاضي الشيخ عبدالله بن الشيخ محمد صالح الطعان (المتوفى 1961م) والملا حسن بن الشيخ وغيرهم الكثير. ومن الشخصيات القطيفية القاضي الشيخ علي بن جعفر القديحي (المتوفى العام 1362 هـ) والقاضي الشيخ عبدالله بن معتوق التاروتي (المتوفى العام 1362 هـ) والفقيه الشيخ منصور بن عبدالله آل سيف التاروتي (المتوفى العام 1362 هـ) والفقيه الشيخ منصور بن علي بن حسن آل غنام (المتوفى العام 1372 هـ) والفقيه الشيخ علي أبوالحسن الخنيزي (المتوفى العام 1362 هـ وقيل في السنة التي بعدها) والقاضي الشيخ عبدالله بن ناصر بن أحمد القطيفي (المتوفى العام 1341 هـ) والشيخ جعفر أبوالمكارم (المتوفى في البحرين العام 1342 هـ) والشيخ محمد بن ناصر بن نمر (المتوفى العام 1348 هـ). ومن شخصيات القطيف المعروفة التي كانت تزوره في البحرين ولم تنقطع عن زيارته عم زوجته (سيدمكي المشكاب) وكان هذا الرجل يتقلد في الحكومة منصب «زعيم» في فترة من الفترات وهو صاحب «وقعة الشربة» المشهورة بين البدو وأهالي القطيف والشربة يسميها أهل البحرين «بغلة» وهي جرة من الفخار يوضع فيها ماء الشرب لتبريده وكانت السبب في نشوب هذه الحرب وكأنها حرب البسوس المشهورة في الجاهلية (وفي رواية أخرى بطل هذه الواقعة هو الأخ الثاني سيدإبراهيم المشكاب) والرواية الأولى أصح لأن الوقعة حدثت أثناء حياة الراوي. والقصة طويلة نعتذر عن ذكرها لطولها من جهة ولاختلاف الرواة في تفاصيلها من جهة أخرى على رغم أنها وقعت العام 1326 هـ!
وكان يزوره أيضا سيدإبراهيم المشكاب وهو من الرجال الأتقياء الصالحين، أما أخاهما الثالث (سيدهاشم المشكاب) فكان يعيش في البحرين. ومن الذي كانوا يترددون على زيارته بين فترة وأخرى بعض أزواج بناته اللاتي بقين في القطيف.
وعلى رغم تقادم الأزمان فقد شاهد - كاتب هذه السطور - بعض كبار السن الذين عاصروه في حياته وكانوا يذكرونه بالخير... ولا غرو في ذلك فالمرء كما يقول الشاعر:
ما مات من أضحت أحاديث فضله تذاكرها الأقوام في كل محفل
زوجاته
تزوج القاضي الشيخ علي بن حسن آل موسى بعدد من الزوجات من القطيف والعراق والبحرين وسنأتي على ذكر بعضهن فقط بحسب الترتيب التالي:
الزوجة الأولى: من بيت بن راشد من القطيف تزوجها قبل سفره إلى النجف لطلب العلم ولم ينجب منها إلا بنتا واحدة ماتت صغيرة.
الزوجة الثانية: من بيت (المهر) وهي التي هاجرت معه إلى النجف الأشرف مدة 12 سنة لطلب العلم وأنجب منها ولدا توفى صغيرا وخيرية وفاطمة وهذه الأخيرة تزوجت الشيخ إبراهيم بن خميس وبعد وفاته تزوجت الحاج حسن بن سيف من البحرين.
الزوجة الثالثة: بعد طلاق الزوجة الثانية تزوج (سكينة بنت عبدالله بن حماد بن موسى) من الفطيف وتربطه بها صلة قرابة وكانت عاقرا فطلقها.
الزوجة الرابعة: من بيت قمبر وهي من عائلته نفسها ولم ينجب منها فطلقها.
الزوجة الخامسة: تزوج آمنة بنت ضيف وهي من القطيف ولم يطلقها حتى وفاته وكانت تعيش مع إحدى بناتها في المحرق، وقد أنجب منها أربع بنات هن زهراء (جدة كاتب هذه السطور) وطيبة وصفية وفاطمة، وقد توفيت هذه الزوجة في البحرين ودفنت في مقبرة المحرق.
الزوجة السادسة: تزوج مريم بنت البرباري من قرية باربار في البحرين وأنجب منها ولدا واحدا (الشيخ عيسى وهو رجل دين كان يعيش في السنابس) وثلاث بنات هن صنعاء ونصرة وفاطمة.
الزوجة السابعة: بعد وفاة زوجه السادسة تزوج (خديجة بنت علي الإبريهي) وأعقب منها ثلاثة أولاد هم عبدالله وجعفر وعبدالحسين وابنتان هما أمينة وزينب وقد توفاهم الله صغارا ما عدا عبدالله وزينب.
الزوجة الثامنة: تزوج السيدة علوية بنت سيدهاشم بن علوي المشكاب من القطيف (القلعة) وهي امرأة ذات شخصية قوية وكلمة مسموعة جاءت معه إلى البحرين ومعها أولادها (نصر وعبدالعزيز) وبناتها (رباب وخاتون وزكية وفهيمة) وسكنوا جميعا في السنابس ثم المنامة، وبعد عودة والدهم إلى القطيف بقت السيدة في البحرين مع أولادها وبناتها، لكن بعد وفاة زوجها رجعت مع من رجع إلى القطيف.
الزوجة التاسعة: تزوج العبدة بنت حسن بن طريف من قرية السنابس من البحرين وهي آخر زوجاته، وكانت لها كلمة نافذة لديه وقد أنجبت له أربعة أبناء هم (حميد وموسى ومحسن وسلمان) وابنتان هما (مريم وخيرية)، وعندما رجع الشيخ علي إلى القطيف كانت زوجه هذه حاملا (بآخر العنقود) وكان قد ناهز المئة عام من عمره.
العدد 2127 - الأربعاء 02 يوليو 2008م الموافق 27 جمادى الآخرة 1429هـ