العدد 2129 - الجمعة 04 يوليو 2008م الموافق 29 جمادى الآخرة 1429هـ

لاجئون سودانيون يعودون أطباء من كوبا إلى جوبا

غادروا وهم في سن الطفولة والمراهقة... عبروا الحدود بين جنوب السودان الجاف وإثيوبيا قبل أن ينقلوا بعيدا إلى طرف آخر من العالم به خضرة غريبة في بلدة ايسلا دي لا خوبينتود بكوبا.

والآن بعد مضي أكثر من عشرين عاما عاد نحو 600 من هؤلاء الأطفال الذين أرسلوا إلى كوبا للتعلم خلال الصراع بين الجنوب والشمال إلى الوطن يتحدثون الإسبانية ويرقصون السالسا ويعملون على إعادة بناء أرضهم بعد أطول حرب أهلية في إفريقيا.

من بين العائدين الذين يطلق عليهم اسم «الكوبيون» 15 طبيبا بينهم دانيال ماديت الذي غادر السودان العام 1986 في سن الحادية عشرة. كان وهو مازال في هذه السن الصغيرة عضوا في جيش الجنوب المتمرد.

قال في ختام دورة تلقاها قبل أن يبدأ العمل في الجنوب «لم نجبر على المغادرة أرسلنا في بعثة ولم تكتمل».

عندما غادر ماديت كان المتمردون في الجنوب الذي تقطنه غالبية مسيحية تساندها إثيوبيا الماركسية في ذلك الوقت يقاتلون جنود الشمال الذي تقطنه غالبية مسلمة في حرب بشأن الايديولوجية والموارد والعرق والدين حصدت أرواح أكثر من مليونين.

وقالت الصحافية السابقة كارول بيرجر التي تدرس حاليا لنيل شهادة الدكتوراه في علم السلالات البشرية بجامعة أكسفورد «كدولة تابعة للكتلة السوفياتية كانت إثيوبيا ترتبط بعلاقات وثيقة مع كوبا. وقدمت كوبا بدورها دعما لحركات التمرد والأنظمة الاشتراكية في إفريقيا».

وأضافت «الجيش الشعبي لتحرير السودان كان إحدى هذه الحركات التي تلقت تعليما أساسيا وتدريبا عسكريا داخل كوبا. ورغم أنه لم يعرف عن الجيش الشعبي لتحرير السودان مطلقا اتخاذه موقفا ايدلوجيا على الأقل خلال العشر سنوات الأولى من الحرب إلا أن كوبا اعتبرت حليفا كريما ومخلصا».

ووقع اخيرا اتفاق للسلام بين الشمال والجنوب العام 2005. وبدأ السودانيون الجنوبيون الذين تلقوا تعليمهم في كوبا والذين ظلوا في طي النسيان لسنوات بسبب الانهيار الاقتصادي في الدولة المضيفة وانقسام المتمردين في الوطن في العودة بعد سنوات عاش بعضهم طوالها كلاجئين في كندا.

كانت العودة للوطن غالبا مزيجا من الألم والسرور. عادت مارثا مارتن دار وهي امرأة ذات شخصية قوية أرسلت إلى كوبا العام 1986 في زيارة سريعة العام 2005 قبل أن تعود نهائيا العام 2007. وحين رأت والدها للمرة الأولى في مطار جوبا عاصمة الجنوب لم تعرفه إلى أن قال لها أحد الأقارب إن الرجل والدها.

تقول دار «لقد كان صعبا علينا أن نتواصل. كان الأمر أشبه بذكرياتي الأولى... كنت قد نسيته تماما». تحكي دار التي لم تقاتل مع المتمردين ولكن عاشت في معسكر للاجئين في إثيوبيا قبل إرسالها إلى كوبا عن انطباعاتها الأولى لأفضل مستشفى في جنوب السودان في جوبا.

وتقول «كان هناك نقص في كل شيء خمسة أو ستة أطفال في كل سرير... وأناس يرقدون على الأرض». وبرغم عودة السلام وحقول النفط الغنية في الجنوب ماتزال المنطقة التي تتمتع بما يشبه الحكم الذاتي أرضا مدمرة ينقصها حتى معظم الخدمات الأساسية. وبموجب اتفاق السلام يمكن لسكان الجنوب التصويت على الانفصال العام 2011 بعد انتخابات ديمقراطية مقررة العام المقبل. وخاض الزعيم الكوبي فيدل كاسترو الذي تقاعد العام الجاري كثيرا من صراعات الحرب الباردة في إفريقيا بالوكالة في الستينيات والسبعينيات.

وفي السودان وافق كاسترو على تعليم أطفال مختارين كان كثير منهم بالفعل أصبح جزءا من «الجيش الأحمر» للأطفال.

كان ينظر للأطفال باعتبارهم عاملا أساسيا في الصراع فهم سيستفيدون من التعليم لمنع ما اعتبره المتمردون النفوذ المركزي للخرطوم واستغلالها لموارد الجنوب.

يقول العضو الكبير في برلمان الجنوب باري وانجي «قيادة (المتمردين) بدأت في اختيار أطفالها وأقاربها وأشخاص من المناطق التي تنتمي إليها».

وقالت بيرجر التي تعد كتابا عن «الكوبيين» إن قادة المتمردين أرادوا إبعاد أطفالهم عن معسكرات اللاجئين في إثيوبيا «حيث كانت الظروف مروعة». وأردفت أن الأطفال أرسلوا في مجموعتين الأولى بحرا في سفينة سوفياتية من ميناء عصب الإثيوبي العام 1985 والثانية جوا في العام التالي.

أرسل الأطفال إلى مدرسة في ايسلا دي لا خوبينتود (جزيرة الشبان) قبالة الساحل الجنوبي الغربي لكوبا حيث اعتقل كاسترو في وقت سابق في الخمسينيات.

زارهم عدة مرات زعيم حركة التمرد الجنوبية الراحل جون قرنق الذي كان يتمتع بشخصية قيادية جذابة ولقي حتفه في تحطم طائرة العام 2005.

كان أفضل طالبين كل عام يقومان برحلة لإثيوبيا. وقال ماديت إنهما كانا يرجعان بصور وخطابات من الأهل.

وعندما تخرج الأطباء كان الاقتصاد الكوبي في مأزق بسبب انهيار الاتحاد السوفياتي لكن لم يكن بمقدورهم العودة لديارهم. فقد انقسمت حركة التمرد الجنوبية على أساس قبلي العام 1991 ما أسفر عن سقوط آلاف القتلى خلال اقتتال داخلي.

ولأول مرة طلبت كوبا من مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين تسجيل السودانيين كلاجئين. وفعلت المفوضية بينما منحت كندا نحو نصف هؤلاء وطنا جديدا. ولأن الدرجات العلمية الكوبية لا تفي بالمعايير الطبية الكندية عمل ماديت في مصنع لتعبئة اللحوم بينما عملت دار في مصرف. وكانا من بين 15 طبيبا عاشوا في مدن مختلفة بكندا.

يقول ماديت «كل شيء كان أبيضا وباردا ومتجمدا للمرة الأولى في حياتك». كان الهدف من عودة آلاف من المتخصصين المدربين من الشتات في الدول المتقدمة هو دعم التنمية في الجنوب بعد انتهاء الحرب. لكن عددا أقل من المتوقع عاد للوطن. وقالت دار إن كثيرين اشتروا منازل عن طريق الرهن العقاري وأنجبوا أطفالا ويريدون لهم تعليما أفضل من الذي يمكن أن يقدمه الجنوب.

كما أن عودتهم قد لا تحظى بالترحيب الذي يتوقعونه. وتردف دار قائلة «يظنون أنهم يستحقون وظيفة في الحال». وتتفهم كواحدة من سكان جوبا الشعور بالمرارة التي يحسها من بقوا خلال الحرب وخوفهم من أن يأخذ العائدون كل المزايا.

والآن يعمل الأطباء في الحكومة أو في وكالات موالية لها أو منظمات دولية غير حكومية. ومهاراتهم مطلوبة في مناطق يبلغ فيها معدل وفيات الأطفال تحت سن خمس سنوات 13.5 في المئة وتموت فيها النساء أثناء الولادة أكثر من أي مكان آخر في العالم بواقع حالة من بين كل خمسين حالة.

العدد 2129 - الجمعة 04 يوليو 2008م الموافق 29 جمادى الآخرة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً