قرأت الكثير وسمعت أكثر عن فيلم The Hours ما جعلني انتظر عرضه في دور السينما بفارغ الصبر، وبمجرد أن أعلن عن ذلك سارعت إلى مشاهدته... حماسي لمشاهدة الفيلم كان له دافعان الأول هو توقعاتي بأن يكون عملا رائعا في الوقت الذي نعاني فيه من شحّة هذا النوع من الأعمال سواء على مستوى سينما هوليوود أو على مستوى الأفلام التي توفرها لنا دور العرض، أما دافعي الثاني فهو انني كنت آمل أن أجد نقصا - اي نقص - في هذا الفيلم الذي يكفيك ان تعرف بعض الاسماء فيه لتستدلَّ على تميزه، ورغبتي في ايجاد هذا النقص هي بدافع الكتابة ما يجعلني مميزة في نظر القارئ، لكنني وللأسف وبكل شجاعة أقول: فشلت، ولم أتمكن على رغم محاولاتي المستمرة حتى لحظة كتابتي هذه في أن أجد نقصا في هذا الفيلم، فماذا استطيع أن اقول عن فيلم تجتمع فيه ثلاث من افضل ممثلات هوليوود: جوليان مور، ميريل ستريب، نيكول كيدمان.
ثلاث ممثلات قديرات تكفي واحدة منهن لانجاح اي عمل فكيف اذا اجتمعن؟ ومع من؟ مع مخرج متمكن وبارع مثل ستيفن دالدري، وهو المخرج الذي حصل على ثلاثة ترشيحات كأفضل مخرج عن اول تجربة اخراجية له في مجال الأفلام في العام 2000 حين قدم فيلمBilly Elliot.، وتكتمل الحلقة بكاتب السيناريو البريطاني المميز ديفيد هير الذي قدم اعمالا رائعة سواء في مجال الإخراج إذ فاز عن احدها بجائزة «الدب الذهبي» في مهرجان برلين للأفلام في العام 1985 أو في مجال كتابة السيناريو كما في هذا الفيلم، والى جانب هذه الأسماء هناك اسماء كثيرة لأشخاص متميزين سواء من الممثلين او من طاقم العمل لا يسعني ذكرها لضيق المساحة ولعدم معرفتي بتاريخ هؤلاء الأشخاص، لكنني مع ذلك استطيع القول إنهم متميزون والا لما كان ناتج جهودهم عمل بهذه الروعة.
الفيلم مأخوذ عن رواية كتبها مايكل كننغهام وتحمل الاسم نفسه The Hours وقد فاز عنها بجائزة البوليتزر في العام 1999، وهي مبنية على رواية فيرجينيا وولف Mrs Dalloway التي كتبتها في العام 1925، والتي تتحدث فيها عن امرأة لا تجد السعادة في حياتها. يعرض لنا الفيلم ثلاث قصص لثلاث نساء في ثلاث فترات زمنية مختلفة، في القصة الأولى نرى فيرجينيا وولف (نيكول كيدمان) وهي تكتب قصتها، اما القصة الثانية فهي قصة لورا براون (جوليان مور) اذ نراها وهي تقرأ الرواية نفسها، ثم ننتقل الى القصة الثالثة لنرى كلاريسا (ميريل ستريب) وهي تبدأ يومها بشراء الزهور.
تحمل قصص النساء الثلاث الكثير من الأحداث المتشابهة وتشترك جميعها في الفكرة العامة التي تنقلها للمشاهد فالقصص الثلاث تبدأ في الصباح بمشهد الافطار وتتضمن الاعداد لحفلات ثم تنتهي نهاية حزينة. القصة الأولى تروي الثانية (فيرجينيا التي قتلت نفسها في العام 1941 تكتب قصة لورا التي تعيش في العام 1951) وتتداخلان بشكل مربك، اذ ان لورا تقرأ قصة فيرجينيا، ثم تأتي كلاريسا في القصة الثالثة لتجسد شخصية مسز دالواي التي تدور حولها القصتان الأولى والثانية، ولتلتقي اخيرا بلورا.
النساء الثلاث يشتركن مع السيدة دالواي في الكثير من الأمور فجميعهن يخيّل إليك سعيدات وقويات، ولكنهن في واقع الأمر يشعرن بوحدة كبيرة وافتقاد كبير للعاطفة التي يطمحن اليها. يفترض ان يكن جميعا ناجحات في حياتهن، لكنهن غير سعيدات، وجميعهن يبدين رغبة جنسية تجاه نساء آخريات، وهي الرغبة التي تظهر على درجات متفاوتة بحسب التدرج الزمني، ففيرجينيا التي عاشت في الثلاثينيات لا تملك حرية كافية تمكنها من التعبير عن رغبتها تلك سوى باختلاس قبلة من شقيقتها (ميراندا ريتشاردسون) لكن الأمر لا يبدو مقبولا من شقيقتها، اما لورا التي تعيش في الخمسينات فتبدو اكثر حرية وجرأة حين تقبل جارتها المريضة (طوني كولييت) وتبدو اقل احساسا بالذنب من فيرجينيا كما ان جارتها تتقبل الأمر بسعادة اكبر، وحين ننتقل الى كلاريسا في العام 2001 نجد انها تقيم علاقة مع صديقتها (اليسون جاني) وانهما تربيان ابنتها التي لا تعرف والدها (كلير دانيس). على رغم الفارق الزمني ومساحة الحرية التي تضاعفت مع مرور السنين فإن النساء الثلاث جميعهن لم يكن سعيدات وجميعهن كن يحاولن أن يبدن كذلك.
لكن النهاية الحزينة لكل قصة كانت اقوى من اي محاولات. كما ان الفيلم يوضح لنا ان الانتحار يأتي بأساليب مختلفة ولأسباب متنوعة، ففرجينيا تنتحر بكامل ارادتها ووعيها تاركة لزوجها ليونارد (ستيفان ديلين) رسالة تخبره فيها باسباب انتحارها بعد اخفاقها في صراعها مع المرض العقلي الذي تعاني منه والذي تود ان تريح زوجها الحبيب من عناء تحمله، اما لورا التي تخفق في محاولة الانتحار فانها تجد في حياتها التي لا معنى ولا هدف لها سببا كافيا لتفكيرها هذا. وفي القصة الثالثة حيث لا تنتحر كلاريسا بل ريتشارد (ايد هاريس) ابن لورا الذي كان حبيبا لكلاريسا يوما ما، والذي يعيش آخر ايامه بعد اصابته بمرض جنسي. طبعا لا يمكن ان يكون هدف الفيلم وصف طرق متنوعة للانتحار او الرغبة الجنسية بل نقل ثلاث نسخ من السيدة دالواي تتنازعهن مشاعر الحب والرغبة والمسئولية والواجب والالتزامات ليجدن انفسهن في نهاية المطاف غير سعيدات.
قصة الفيلم على رغم ارباكها لي فإنها آلمتني كثيرا واثارت في نفسي أسئلة كثيرة اهمها :أي واقع للمرأة يحاول ان ينقله الفيلم؟ وهل ينطبق ذلك علينا نحن النساء في المجتمعات الاسلامية والعربية؟ ولما لم يحاول الفيلم ان يضع حلولا او انصاف حلول لهذا الواقع الذي لا يمكنني وصفه لكنني استشعر مرارته؟ أستطيع ان اقول إن الفيلم رائع إخراجا ونصا وتمثيلا وصورا وموسيقى وبشكل خاص ماكياج الممثلين الذي استطاع ان ينقل لنا بصمات خاصة عن كل شخصية وعن كل فترة زمنية، بل إنه جعلني أُصاب بالذهول للشكل الذي بدت عليه الممثلة الجميلة نيكول كيدمان، والتي لم استطع التعرف عليها في بادئ الأمر. بقي ان اقول إن الفيلم رشح لتسع جوائز اوسكار، وحصل على واحدة منها فازت بها الممثلة نيكول كيدمان وهي جائزة «أفضل ممثلة» كما حصل الفيلم على جوائز وترشيحات أخرى
العدد 282 - السبت 14 يونيو 2003م الموافق 13 ربيع الثاني 1424هـ