تشير دراسة جديدة إلى أن الرياضيين، كلاعبي كرة القدم، الذين اصيبوا بارتجاجات ثلاث ان أربع مرات لديهم ضعف احتمال الاصابة بالاكتئاب السريري لاحقا، وهو احتمال يرتفع أكثر كلما كان عدد الرضوض أكبر.
وهذا آخر استنتاج يوحي بأن ما يعتبره كثيرون مجرد رضة يمكن ان تكون له مضاعفات على المدى الطويل. وقد بدأ العلماء يجرون دراسات تصويرية مكثفة لمعرفة ما يحدث بالضبط داخل الدماغ عندما يصاب أحد بارتجاج.
ولا يقتصر الامر على الرياضيين المحترفين. فالارتجاج، وهو أذى دماغي خفيف - يمكن ان ينجم عن ضربة أو رضة قوية للرأس - سواء في حادث تصادم سيارات أو السقوط على الرصيف. غير أن الرياضيين، سواء كانوا محترفين أو هواة، هم أكثر احتمالا من الاشخاص العاديين للتعرض لحوادث ارتجاج متكررة.
وهذه مشكلة محددة لأن تشخيص الارتجاجات قد يكون صعبا، ولأن تعرض المريض للرضوض مجددا قبل ان يتعافى تماما يمكن ان يؤدي إلى حدوث تورم دماغي قد يكون قاتلا. ومع ذلك يقول الخبراء ان الرياضيين يصرون عادة على العودة الى الملاعب وانهم في صحة جيدة.
يقول جوليان بايلز، من كلية الطب في جامعة وست فرجينيا: «أقول دائما إنك تستطيع ان تضع الثلج على كاحلك ولكنك لا تستطيع ان تضعه على دماغك. ولا ينبغي اعادة اللاعب الى الحلبة اذا كان لا يزال يحمل الاعراض».
إن معظم المصابين بالارتجاج يتعافون تماما، إلا ان عددا صغيرا منهم يعانون من مشكلات مستديمة، واحيانا حادة، في الذاكرة والوظائف الاخرى، والاطباء يتساءلون ما إذا كان الافراد الذين تعرضوا لارتجاجات شديدة او متكررة هم أكثر عرضة للاصابة بأمراض عصابية في مراحل لاحقة من حياتهم.
وكخطوة أولى في دراسة تلك المسألة قام بايلز وزملاؤه في مركز نورث كارولاينا لدراسة الرياضيين المتقاعدين بتحليل معطيات عائدة لحوالي 2,500 لاعب متقاعد من فرق الاتحاد الوطني لكرة القدم الاميركية.
ولم يعثر بايلز على علاقة بين الارتجاجات وبين الاصابة بمرض الزهايمر او النوبات الدماغية، وهما من الحالات الشائعة المقلقة.
إلا أنه تبين أن 263 رياضيا متقاعدا أصيبوا بالاكتئاب، وبدا أن التعرض للارتجاجات ثلاث أو أربع مرات أوجد ضعف احتمال الاصابة لاكتئاب لمقارنة بالرياضيين الذين لم يصابوا بالارتجاجات أبدا، وان الاحتمال ارتفع الى ثلاث مرات تقريبا اذا كان عدد الارتجاجات خمسة أو أكثر. وتؤكد الدراسة التي قدمت في اجتماع للجمعية الاميركية لجراحي الاعصاب أخيرا، ابحاثا سابقة ربطت بين الارتجاجات التي اصيب بها جنود خلال الحرب العالمية الثانية، وبين تعرضهم للاكتئاب بعد عشرات السنوات.
وللحصول على برهان أفضل يتعقب مارك لوفيل، اختصاصي الاعصاب في جامعة بيتسبرغ اعضاء في فرق الاتحاد الوطني لكرة القدم والاتحاد الوطني للهوكي لمعرفة حالهم بعد سنوات من تعرضهم للارتجاجات.
والاهم من ذلك انه يستخدم اجهزة التخطيط بالرنين المغناطيسي لتصوير أدمغة الرياضيين في مدارس ثانوية من خلال دراسة تقضي باعادة تخطيط ادمغة 250 من أولئك الذين يصابون بالارتجاجات، وبذلك ستتوافر صور لما قبل وبعد الحوادث التي يتعرضون لها، وقد تبين تلك الصور نوع الاذى الذي تتعرض له انسجة الدماغ الحساسة.
ويعرف العلماء اصلا ان الارتجاج يحدث خللا في ردود الفعل الكيميائية الدماغية، إلا أنهم لا يعرفون كم يدوم هذا الاضطراب، الأمر الذي يعتبر عنصرا رئيسيا في تقرير ما اذا كان المرض قد شفي ام لا؟ أو ما إذا كان الخلل يحدث تفاعلا متسلسلا يؤدي إلى مشكلات، كالاكتئاب في مراحل لاحقة. وبادئ ذي بدء يريد لوفيل وباحثون اخرون ان يحمل الرياضيون ومدربوهم الارتجاج على محمل الجد. ويقول لوفيل: «إذا تعرضت لضربة وشعرت بالصداع لا تهمل الامر وتتصرف كبطل، بل عليك ان تخبر احدا».
وابحث عن الاعراض بجد، فهي لا تكون ظاهرة عادة على الرياضيين الذين يتدفق الادرينالين بقوة في عروقهم. ومن أبرز الاعراض المعروفة فقدان الوعي من دقائق قليلة إلى نصف ساعة، إلا انها لا تحدث دائما. ومن الاعراض الاخرى ايضا الالتباس والصداع المتواصل وعدم القدرة على التعرف على الاشياء والاشخاص والاجهاد وتغير المزاج والرؤية والسمع. والذاكرة قصيرة الامد مهمة للغاية: ما هي اطول مدة قبل الارتجاج تتذكرها؟ كلما طال فقدان الذاكرة كلما كان الارتجاج اسوأ.
وينبغي ايضا مراقبة أي تغيير يطرأ على سلوك المصاب وهي مؤشرات تدل على وجود ألم يتذكره المصاب.
ويفكر المدربون منذ وقت طويل انه إذا اختفت الاعراض خلال 15 دقيقة يمكن ان يعاد اللاعب الى الملعب. إلا ان لوفيل اكتشف في السنة الماضية ان الرياضيين المراهقين الذين يصابون بأخف الارتجاجات، يعانون من خلل دفين في الذاكرة واعراض خفيفة اخرى بعد عدة أيام، وهم يرفضون النصيحة.
والخلود الى الراحة هو الطريقة الوحيدة للشفاء، وتوحي الابحاث التي اجراها لوفيل ان ذلك يستغرق حوالي الاسبوع.
وما هو عدد اصابات الارتجاجات الذي يعتبر كبيرا؟ ان المصاب بارتجاج واحد يبدو انه اكثر عرضة للاصابة بحادث آخر. «ولكن ليس هناك رقم سحري نعرفه حاليا يجعلنا نقول: حسنا، لقد أصبت بالحالة النهائية، وكفى»، بحسب لوفيل.
يمكن ان يكون للاصابة بالارتجاج اعراض تدوم اياما أو اسابيع إلا أنها لا تظهر على الفور دائما.
ويشتبه الاطباء في حدوث ارتجاج إذا فقد أحدهم وعيه اثر تلقيه ضربة على الرأس ولا يستطيع ان يتذكر متى وقع له الحادث، أو انه ملتبس ومشتت الفكر.
وتشمل الاعراض الاخرى الصداع المتواصل، وصعوبة التركيز واتخاذ القرارات والبطء في التفكير والتصرف والنطق والقراءة واضاعة الطريق والالتباس والاجهاد وتغبش البصر وتغير المزاج وحاسة الذوق والشم.
وتقدم المراجع الصحية الحكومية الاميركية النصائح الآتية لكل من يتعرض للارتجاجات:
- احرص على أخذ قسط واف من الراحة.
- تلافى المشاركة في الانشطة التي قد تؤدي إلى اصابة اخرى في الرأس، كالرياضة، الى حين يسمح الطبيب بذلك.
- اسال الطبيب متى يأذن للك بقيادة سيارتك أو ركوب دراجتك أو ادارة الآلات الثقيلة، لأن مدة ردود فعلك قد تكون تضررت بسبب الارتجاج.
ولتفادي التعرض للاصابة بالارتجاج:
- اربط حزام الامان دائما واوثق طفلك في مقعد سليم مناسب.
- اعتمر الخوذة كلما ركبت دراجة هوائية أو نارية أو سيارة ثلج أو سيارات تسير على الأرض الوعرة.
- اعتمر الخوذة عند ممارسة الرياضة، مثل كرة القدم (الأميركية) والهوكي والملاكمة والفروسية والتزلج والتزحلق.
- اتخذ تابير لتفادي السقوط، مثل تركيب مساند الايدي على الادراج واستخدام بسط الحمام غير اللزجة.
(خدمة أ. ب
العدد 292 - الثلثاء 24 يونيو 2003م الموافق 23 ربيع الثاني 1424هـ