كانت ولادتها بالمدينة المنورة السنة 57 للهجرة، وما لبثت أمها حتى لبت نداء ربها فتلتحق بالرفيق الأعلى، ورقية بعد لم تزل في أيامها الأولى من الدنيا، لتبدأ بذلك رحلتها مع اليتم باكرا. وتقضي طفولتها في حضن والدها، ويكون الحسين (ع) عليها أكثر حنانا وعطفا وذلك لكي يسد الفراغ الذي تركه غياب أمها، لذلك كانت أشد تعلقا به.
إلى أن جاء يوم عاشوراء السنة 61 للهجرة، حيث كان عمرها 3 سنوات فقط لتواجه ببراءة عمرها الندي وحشية عدو لا يرحم كبيرا ولا صغيرا.
وبعد مصرع أبيها الحسين (ع) وقيام الجيش بحرق الخيام وسلب من فيها، فررن النساء والأطفال إلى الصحراء من كل ناحية، إلا طفلة الحسين رقية التي غلب عليها الذعر والخوف وأنهكها العطش، فإنها لم تستطع الخروج قبل اشتعال الخيام بالنار، فما إن خرجت حتى علقت النار بطرف ثوبها.
وبعد أن توقف الهجوم على المخيم جمعت النساء والأطفال في مكان واحد تمهيدا لترحيلهم، بعدما وجد العدو نفسه أمام أكثر من 20 طفلا يصرخون من شدة العطش، فطلبت النساء لهم الماء، فأذن قائدهم، فأخذوا يقدمون لهم الماء واحدا تلو الآخر، حتى وصلوا إلى رقية التي تفاجئ الجميع بتصرفها، إذ ما إن قدم لها الإناء حتى هرولت به مسرعة نحو مصارع القتلى، ولما سئلت عن ذلك، أجابت ببراءة الطفولة: كان أبي عطشانا وأريد أن أسقيه ماء. فقال لها القوم لقد مات أبوك، عندها أخذت في البكاء وامتنعت عن شرب الماء.
ثم أخذوا جميعا سبايا إلى بلاد الشام حيث مركز الحكم الأموي، وهناك أبقوهم عدة أيام، كان الهدف منها إبراز النصر الذي حققه يزيد، حيث طافوا بالرؤوس المقطعة والسبايا جميع الأمصار حتى دمشق.
وكانت رقية كطفلة صغيرة لم يتجاوز عمرها الثلاث سنوات وفقدت أبويها، كانت طوال هذه الفترة كثيرة البكاء والسؤال عن أبيها، وفي ليلة من الليالي وبينما هم في بلاد الشام أسارى، رأت أباها في عالم الرؤيا فانتبهت جزعة من نومها، فأخذت تبكي تريد والدها، وقد كان السبايا تلك الليلة في أحدى حجر قصر يزيد، بناء على طلب زوجته هند التي أبدت اعتراضها على إبقائهم في خربة من خرائب دمشق. وكلما أراد النساء إسكاتها ازدادت بكاء،إلى أن عم الحزن النساء فارتفعت أصواتهن معها بالبكاء فسمع يزيد صيحتهم فقال: ماالخبر؟ فقيل له: إن بنت الحسين الصغيرة تبكي تريد والدها.
فقال يزيد لحرسه: إرفعوا لها رأس أبيها تتسلى به، فأتوا بالرأس وقد كان موضوعا في طبق مغطى بمنديل، ووضعوه بين يديها، فسألتهم ماهذا؟
فقيل لها: إنه رأس أبيك فرفعت المنديل وعيناها مغرورقتان بالدموع وأخذت تنظر إلى الرأس وهي لا تصدق ما ترى... أهذا أبي الحسين...؟
انه هو... مدت رقية يديها إلى الطبق وتناولت رأس أبيها برفق وضمته إلى صدرها... وصرخت... أبتاه من الذي قطع رأسك...؟ ابتاه من الذي أيتمني على صغر سني...؟ ابتاه من لليتيمة حتى تكبر...؟ أبتاه...
وبينما هي تبكي بكاء شديدا، فجأة سقط الرأس من يديها، وتخر إلى الأرض صامتة! فلما حركوها وجدوها قد فارقت الحياة.
عبداللطيف الزريع - القطيف
العدد 2314 - الإثنين 05 يناير 2009م الموافق 08 محرم 1430هـ
الحب للسيدة رقية
عضم الله اجورنا واجوركم باستشهاد السيدة رقية (ع) ونعزيكم باستشهاد الحسين ابن علي