العدد 2314 - الإثنين 05 يناير 2009م الموافق 08 محرم 1430هـ

للغريبة في حكمتها أمام الهول

للغريبة التي طافت العواصم ببلاغتها وصبرها على المحن، مجلجلة بصوتها الدهري، وصلابتها أمام البلاءات. للغريبة في فيافٍ اكتظت بالشجن وهي ترى الصفوة من الخلق والآل في ذروة الاستعراض والتشفي. للغريبة في البلاط الموبوء بمجونه تخسف به وبسكرته الأرض. للغريبة التي ظلت – ولاتزال – عنوانا لعنفوان الموقف، وصلابة الإرادة والصبر في ذات الله. للغريبة منحنية على الجسد المسجَّى على البوغاء لها أنين تقطعت له نياط الأمكنة قبل البشر. للغريبة في حكمتها أمام الهول كأنها تنطق بحكمة أمها ذات موقف، وبعبقرية بيان أبيها ذات خذلان وخيانات. للغريبة في الذروة من إحراج الدنيا بتلك الروح التي قلَّ أن تتجرأ أمام الأهوال. للغريبة في خلودها وتفرُّدها وبقائها في ضمير الله والزمن.

***

أرنو ببصري إلى المعاني التي فاضت من مواقفها الخالدة. وصلابتها في زمن ارتهن للخِلع والأعطيات وفضلات الموائد. ارتهن في خذلان إلى السيف حين يلوَّح به، ولعسف الجلاوزة في قدرتهم المدعاة على منح الحياة أو مصادرتها. ولاختلال في الموازين طال الهواء والتراب العربي وقتها.

أرنو بروحي المتعبة من أشباه رجال ولا رجال. أرنو إلى الاستباحات اليومية التي تطال الأمة كل الأمة؛ فيما البائعون بعدد الهمِّ على القلب، والمتاجرون بوفرة التراب، والسماسرة بحجم اليأس الذي حجب الأفق.

أرنو بما تبقى من أمل في الروح إلى ما تبقى من مقاومات هنا وهناك، واحتجاج هنا وهناك يعيد لهذه الأمة التليد من قيمتها وكرامتها، والضائع من شرفها والقمين بها في المكانة والشرف.

أرنو إلى الجغرافيات الطاعنة في التقسم والتشرذم، فأتيقن أن أملا ما يظل في ركن قصي من الروح والقلب، يؤكد أن الحياة لا يمكن لها أن تتطاول وتتسع حين تخلو من بقية رفض ومقاومة واحتجاج.

جعفر الجمري

العدد 2314 - الإثنين 05 يناير 2009م الموافق 08 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً