العدد 2314 - الإثنين 05 يناير 2009م الموافق 08 محرم 1430هـ

المرأة في الإعلام الحسيني

تتحرك المرأة لتكون موضوعا مركزيّا للإعلام الحسيني، فالمرأة هي زينب والسبايا؛ والمرأة هي زوجة حبيب وزهير؛ والمرأة هي طوعة ونساء الكوفة؛ والمرأة هي أم البنين الأربعة الذين استشهدوا في كربلاء.

إذا... فللمرأة حضور كبير وواسع في الإعلام المرتبط بواقعة الطف، ودراسة هذا الجانب يؤسس لرؤية أكثر عمقا لدور المرأة وحركتها، فكيف هي صورة المرأة في هذا الإعلام؟ وهل المرأة هي العامل الأضعف والسلبي أم الإيجابي المؤثر؟ أم كلاهما في مواقع القوة والضعف؟ وهل استطاع الإعلام الحسيني أن ينقل الصورة صحيحة وجلية ونقية وصافية؟ أم تشوبه النواقص الكبيرة والسلبيات؟

لا توجد فيما أعلم إحصائية تفصيلية عن عدد النساء اللاتي كنَّ في ‏كربلاء في جانب المخيم الحسيني، غير ما ذكره المحدّث القمّي في كتابه «‏نَفَس المهموم»، ناقلا عن «الكامل» للشيخ البهائي، أن عددهن كان 20 امرأة، ويرجع قلة هذا العدد إلى ما ورد من ذكر صريح حولهن في الروايات التاريخية، أو ‏اشتهر حضورهن من خلال مواقفهن مع أقاربهن (الزوج، الأب، الولد‏‏).

ويذهب البعض الى أن عدد النساء اللواتي حضرن كربلاء أكثر من ذلك لكن الروايات لم تذكرهن. فعلى سبيل المثال إنه لم يذكر حضور فاطمة بنت الحسن المجتبى (ع) زوجة الإمام السجاد (ع)، مع وجود ابنها الباقر وهو في سن الثالثة أو الرابعة على ما قيل، فلا يمكن أن يكون منفردا عن أمه. كذلك ذكرت الروايات أنه لما قتل مسلم بن عوسجة خرجت من خبائه جاريةٌ ‏وهي تنادي «وامسلماه»، ولا يعقل أن توجد جاريته من دون وجود زوجته، وتبقى تلك احتمالات بالاستقراب لكن لا ترقى إلى كونها دليلا مثبتا لوجود هذه النسوة.

قرار المشاركة في الجهاد

كان المأتم هو المرصد الإعلامي الأول الذي تتلقى فيه العامة قصة كربلاء، وظل المتلقون ردحا من الزمن يبحثون عن عناصر الألم والمأساة في هذه الذكرى، ما أدى إلى حصر المرأة في كربلاء في جانب الضَّعف لخلق مزيد من الاستثارة للبكاء، فجاءت بعض المرثيات على لسانها بعباراتٍ توحي بأنها جاءت نتيجة ارتباطها الحتمي بالرجل، لذلك كان كثيرا ما تصوّرها هذه المرثيات بأنها تلح في طلب العودة، وخصوصا عندما تحين ساعة الوداع، خشية السبي أو العيش بانفراد وسط الصحراء. لكن ذلك لم يكن أبدا، فوجودها في كربلاء لم يكن عفويّا أو مصادفة، إنما جاء بوعي وإدراك وإصرار على الحضور. فمبادراتها كانت تنبثق من قرار وشجاعة مسبقة، وليس أدل على ذلك من تواتر الروايات التاريخية بهذا الشأن، فيروي ابن النقدي أن زينب (ع) اعترضت على قول ابن عباس للإمام الحسين: «إن كنت سائرا فلا تسر بنسائك وصبيتك»، إذ قالت: «يا ابن عباس تشير على شيخنا وسيدنا أن يخلفنا هاهنا ويمضي وحده؟ لا والله بل نحيا ونموت معه».

ولم تقف المرأة عند حد القرار بل كانت تدفع بأبنائها إلى المعركة، فها هي أم عمرو بن جنادة، وفقا لما جاء في كتاب «مقتل الحسين»، إنه خرج من معسكر الحسين شابٌ قتل أبوه بالمعركة، وكانت أمه عنده فقالت له: يا بني اخرج وقاتل بين يدي ابن رسول الله حتى تقتل، فأجابها ولدها: افعل، فخرج. فقال الحسين (ع): «هذا شاب قتل أبوه، ولعل أمه تكره خروجه! فقال الشاب: أمي أمرتني بذلك يا ابن رسول الله، ثم قاتل (رض) حتى قتل، فاحتز القوم رأسه ورموا به نحو عسكر الحسين، فأخذته أمه وخاطبته بقولها: أحسنت يا بني، يا قرة عيني وسرور قلبي. ثم قامت فأخذت عمود خيمة وحملت على قوم عمر بن سعد وهي تقول:

إني عجوز في النسا ضعيفة

بالية، خاوية، نحيفة

أضربكم بضربة عنيفة

دون بني فاطمة الشريفة

فضربت رجلين فقتلتهما، فأمر الإمام الحسين بصرفها وإرجاعها إلى خيمتها، وقد دعا إليها. وعادت تلك العجوز إلى خيمتها، لكنها في الحادي عشر من المحرم أبت إلا أن تنضم إلى ركب السبايا من آل البيت (ع).

ولم تكن أم عمرو بن جنادة لوحدها بل تشير الروايات الى ان هناك تسعة من شهداء كربلاء كانت أمهاتهن حاضرات يوم عاشوراء، ورأين استشهاد أبنائهن بقوة وحزم وصبر، وهم: عبدالله بن الحسين وأمه الرباب، عون بن عبدالله بن جعفر وأمه زينب، القاسم بن الحسن وأمه رملة، عبدالله بن الحسن وأمه بنت شليل الجليلية، عبدالله بن مسلم وأمه رقية بنت الإمام علي (ع)، وعلي الأكبر وأمه ليلى، عبدالله بن وهب الكلبي وأمه أم وهب التي أخذت عمود الخيمة حين قتل زوجها وهرولت تجاه الأعداء تقاتلهم به، فرُميت بسهم، وقيل ضُربت بعمود، واستشهدت من فورها وهي المرأة الوحيدة التي استشهدت في كربلاء.

مشاعر وأحزان المرأة

المرأة هي العاطفة ورمز الوفاء ومركز الحنان، وإذا كان الإعلام الحسيني ركز على هذا الجانب، فإنه لم يكشف لنا جميع أبعاده، ولم يقف طويلا عندما تمثله سكينة لأبيها الحسين، ولِمَ خصها بالقول:

سيطولُ بعدي يا سكينة فاعلمي

منك البكاء إذ الحِمام دهاني

فسكينة هي أكثر من رثى الإمام الحسين (ع) بعد استشهاده، فهي شاعرة عاشت بعد أبيها ما يزيد على خمسين عاما، إذ توفيت في الخامس من ربيع الأول للعام 117هـ في المدينة المنورة، وكان عمرها عند استشهاد والدها الإمام الحسين حوالي أربعة عشر عاما.

هناك مشاعر خاصة لدى نساء كربلاء لم يهتم بها الإعلام الحسيني كثيرا، فالرباب الزوجة الوفية المخلصة المحبة التي ترعى العهد والذمام، لم يشر إلى بكائها سوى على طفلها الرضيع، لكنها -وفقا لما ذكرت الأخبار- استغرقت في حزنها على الحسين طويلا، لا يظلها سقف، وكانت تكثر من القول:

قد كنتََ لي جبلا صعبا ألوذُ به

وكنتَ تصحبنا بالرحم والدينِ

وقد خطبها الكثير من الوجهاء والأشراف، لكنَّها رفضت بإصرار وقالت: «ما كنت لأتَّخذ حما بعد رسول الله (ص)، ثمَّ تشرق بدمعها وتقول نادبة:

واللّه لا ابتغي صهرا بصهركم

حتى أغيَّب بين الرمل والطينِ

@ كاتبة بحرينية

العدد 2314 - الإثنين 05 يناير 2009م الموافق 08 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً