عندما تصفحت كتيب جدول البرنامج الدراسي الصيفي الخاص بجامعة البحرين أثناء فترة التسجيل - نهاية الشهر الماضي - وجدته خفيف الحجم، أزرق اللون، باهتا، يخفي وراءه تأوهات وصراخا غير مسموع، لم يكن بحسبان واضعه أنه سيثير الجدل المحتدم الآن في الأوساط الطلابية عن فحوى ما تبقى للطلبة في الصيف من مقررات دراسية يدرسونها، وعن النظام المتبع فيه.
وبعد التغير الجذري الملحوظ الذي طرأ على سياسـة الجامعة تجاه هذا البرنامج الدراسي، وليس «الفصل الدراسي» كمـا يعتقد البعض، يبدو أن صيف هذا العام سيكون أشد سخونة وحرارة على طلبة جامعة البحرين عن سابقيه من السنوات الماضية، بعد قرار الجامعة اختزال البرنامج الصيفي الدراسي، واقتصاره على طلبة السنة الدراسية الأولى والثانية بحجب مقررات 300/400 الخاصة بمقررات التخرج، وتقليص حجم العطاءات الدراسية بالاكتفاء بتدريس الأساتذة العاملين بالدوام الكلي فقط وتقليص عدد الشعب الدراسية المفتوحة، ما يعني أن طاقة الجامعة في هذا الصيف ستشهد انحدارا، ينعكس ايجابا أو سلبا على الحياة الجامعية.
وآثار التغييرات الأخيرة على البرنامج الصيفي وانعكاسها على الوسط الطلابي، لا يمكن اخفاؤها أو تجنبها أو تسطيحها. ولا أخفي سرا، لقد امتلأ بريد الصفحة في فترة وجيزة خلال الأيام القليلة الماضية بعشرات الرسائل من طلبة الجامعة التي تشتكي قرار منع المقررات 300/400 والأضرار التي لحقت بهم جراء ذلك من تأخر في التخرج، وتغيير خطة الدراسة، وآثار أخرى جانبية اجتماعية ونفسية... إذ فاجأ القرار المذكور طلبة الجامعة وجعلهم - إن صح التعبير - على حد السيف، إما أن يعدون بسرعة أو يتنحوا عن الطريق؛ وإلا اكتووا بنيران «المخالفة».
بعض الرسائل التي وصلتني، جاءت عنيفة وشديدة، تتساءل عن فحوى القرار والغاية منه، وتفسير التسارع الذي لحق تطبيقه أثناء الفصل الدراسي الماضي. وبعضها الآخر، دُعِّم بقوائم طلابية يصل بعضها إلى حوالي 70 إلى 100 طالب، يندبون حظهم العاثر في عدم التمكن من الحصول على مقررات السنة الأخيرة التي ستعجل من تخرجهم، وبعض هؤلاء الطلبة المتضررين من الدارسين في البرنامج الصيفي المسائي والملتزمين بعقود مع شركات ومؤسسات مهنية، وتأخر الشهادة سيترتب عليه تأخر العلاوة والترقية وأمور أخرى.
إضافة إلى ما تقدم - يذكر الطلبة - أن غياب المرونة في بعض معاملات قسم التسجيل والقبول أضفت جوا يرجع الذاكرة إلى الوراء أثناء البت في قضايا لا تستحق التأخير، وربما حجبت «البيروقراطية» الكريهة التنفس في جو صاف، فهل يوجد - مثلا - ما يمنع الجامعة من منح الطلبة الدارسين صباحا في البرنامج الصيفي حق الدراسة في البرنامج الصيفي المسائي إذا تعذر عليهم الانتظام صباحا بسبب العمل أو ظروف قاهرة... هل يحتاج ذلك إلى قرار من الإدارة العليا في الجامعة؟! لا أظن ذلك.
وفك وفهم قرارات الإدارة الجامعية الأخيرة، بحاجة إلى تأني وعدم استعجال؛ كي لا نلقي بالاتهامات جزافا على حساب العقل والمنطق والصالح العام، ونقع في سياق المثل الشعبي القائل: «كالباحث عن المُدْية...»، أي بمعنى الذي يسعى إلى طلب أمر ما، ويؤدي إلى إيذاء وهلاك صاحبه.
إن قرار «اختزال البرنامج الصيفي»؛ جاء في وقت متسارع مع متغيرات أخرى شهدتها الجامعة عند تسلم رئيسة الجامعة الشيخة مريم آل خليفة قيادة السفينة العملاقة، من بينها قرار عدم طرح برنامج الدراسات العليا، وتفعيل اللوائح الطلابية المعطلة منذ مطلع التسعينات، وتغييرات بمستويات مختلفة، باختلاف زاوية التقدير، تصدح في الحرم الجامعي، ويلمسها الطلبة والمتابعون.
وخلال حديثي المتكرر مع عدد من مسئولي الجامعة لترجمة ما حدث، يؤكدون لي أن حزمة القرارات المتتالية تصب في الترميم والبناء والمعالجة وتحسين البرامج الأكاديمية وتطويرها؛ ولابد للجسد ان يتنفس بعد جهد وعناء، واجراء موازنة وحسابات لما هو موجود، وعليه مواصلة مسيرة العلم على هذه الجزيرة.
وفي الطرف الآخر، يرى الطلبة أن القرار لم يراعهم، وكان بالامكان التريث وإعداد الأرضية المناسبة للتغيير لتفادي حدوث الصدمة.
والرؤى التي تتبناها الجامعة لا تحيد عن الأهداف التي يتبناها الطلبة، لكن - كما أعتقد - أن هناك منطقة ظل عاتمة هي بحاجة إلى تسليط الضوء عليها، وانتهاج المصارحة والمكاشفة. والحق يقال، إن الساحة الجامعية تشهد تألقا بفضل وعي الادارة الجامعية والطلبة، وما نحن بحاجة إليه اليوم، هو زيادة جرعة الحوار والمناقشة والابتعاد عن حب الظهور على صفحات الصحف وفي وسائل الإعلام، والمراهنة على الفعل الجاد النافع، والارتقاء بما هو موجود
العدد 304 - الأحد 06 يوليو 2003م الموافق 06 جمادى الأولى 1424هـ