أثار رفض وزير الخزانة الأميركي، تيموثي غايثنير، لطلب أوروبا تنظيم مكافآت كبار المسئوليين المصرفيين، سلسلة من التفسيرات المتباينة، كحاجة الرئيس باراك أوباما لتفادي مواجهات جديدة مع اليمين المحافظ، أو تأثير التحالف الأميركي مع بريطانيا، الدولة الأوروبية الأكثر دفاعا عن المؤسسات المالية. لكن الواقع أخطر من كل ذلك.
فمنذ سقوط جدار برلين، أخذت أسواق رؤوس الأموال تهمين تماما على القطاعات الإنتاجية؛ إذ افترض المنتصرون أن الأمر لم يقتصر على انهيار نظام سياسي فحسب؛ بل على أن الرأسمالية هي النظام الوحيد الممكن. ومن ثم باشروا بحذف آليات الرقابة والتنظيم كافة. وبهذا، نشأت رأسمالية «حرة» ومدمرة للذات في الوقت نفسه.
ومن باب المقارنة، يذكر أن القطاع المالي كان يمثل ما يزيد قليلا على 3 في المئة من الناتج القومي الإجمالي الأميركي في الستينيات، ليقفز إلى 8 في المئة في منتصف الألفين.
كم أن «أبطال» العالم الإقتصادي الراهن، باستثناء بيل غيتس، يأتون جميعهم من قطاع المال، من وارين بوفيت إلى جورج سوروس، مرورا ببرنارد ميدوف.
ففي الماضي، كانوا رجال صناعة مثل، روكفلر وفورد وهيلتون، على سبيل المثال، لم يحلم أي منهم بالحصول على 500 مليون دولار كمكافأة، كتلك التي خصصت في ذروة الأزمة إلى رئيس صندوق بلاك ووتر للاستثمارات.
كما يأتي من قطاع الأموال، عدد مرتفع من كبار المسئولين السياسيين كوزير الخزانة الأميركي، تيموثي غايثنير، الذي شغل منصب رئيس بنك نيويورك الفدرالي، ومستشار أوباما للشئون الإقتصادية، لورنس سوميرز، أحد رجال وزير الإقتصاد في عهد الرئيس بيل كلينتون، أحد الأساتذة المدافعين عن حرية الأسواق، روبرت روبين. بكل بساطة، الرئيس أوباما لا يجد كوادر جديدة.
كما ليس بمحض الصدفة أن يـأتي العديد من القادة الاقتصاديين الأوروبيين من مصارف أميركية، كما هو الحال بالنسبة إلى محافظ البنك المركزي الإيطالي، ووزيرة الاقتصاد الفرنسية، على سبيل المثال.
هذا، واعتبر الكثيرون في بداية مرحلة الركود الاقتصادي، أنها أزمة نافعة، على رغم أنها رفعت عدد فقراء العالم بأكثر من 200 مليون فقير، وفقا للأمم المتحدة، والبطالة بنسبة 8 في المئة في المتوسط.
وقال كبير المسشارين السياسيين للرئيس أوباما، راهيم إيمانويل: «لا يمكن أبدا تمرير أي أزمة دون الاستفادة منها» (رب ضارة نافعة).
ثم جرى الحديث عن «بريتون وودز» جديدة، وهو المؤتمر الذي خلق في 1944، تركيبة الهندسة الاقتصادية العالمية الحالية (البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي).
العدد 2594 - الإثنين 12 أكتوبر 2009م الموافق 23 شوال 1430هـ