نـظمت جمعية الشبيبة البحرينية الاسبوع الماضي ندوة بعنوان «الإعلام الأميركي وهم أم حقيقة؟» والتي حاضرت فيها الكاتبة الصحافية بقسم الشئون الدولية بصحيفة «الوسط» ريم خليفة وذلك في قاعة جمعية الاقتصاديين بالعدلية.
تطرقت خليفة خلال الندوة إلى المواقف التي تبنى عليها سياسة الإعلام الأميركي إزاء قضايا شعوب العالم والتي تعتمد في الواقع على نظرة الولايات المتحدة الأحادية التي تبثها عبر قنواتها الإعلامية أو السينمائية، وآضافت انه «من التحليل النظري نجد ان الولايات المتحدة نادرا ما حاولت ان تراجع سياساتها في ضوء المطالعة لترى صورتها المنعكسة على مرآة العالم الخارجي وحين تفعل فذلك يتحقق عن طريق الصدفة لأنها اعتادت ان تتعامل مع الشعوب الأخرى بفوقية بمعنى أنها تبث وترسل ما تريد لكن لا تستقبل أو تهتم بما يقال عنها إلا في حال أثر ذلك على مصلحتها عموما».
كما أوضحت خليفة ان لتفكك الاتحاد السوفيتي في مطلع التسعينات من القرن الماضي بالغ الأثر في اختفاء مفهوم توازن القوى السياسية، وسيطرة القطب الواحد على الخريطة السياسية العالمية، ذلك ان الإدارة الأميركية تسعى لأن تحمي مصالحها ولا ترضى بأي تدخل ممكن ان يعيق خططها الاستراتيجية وهذا ما لاحظناه ومازلنا نلاحظه في الحملة العسكرية الانجلو - أميركية التي شنت على العراق دونما شرعية دولية، معتبرة كل من يقف في طريقها بالمنحاز أو المتطرف او الإرهابي. وكل هذا يحدث طبعا بمباركة من «اسرائيل» التي تدعمها «واشنطن» من خلال قنوات إعلامها الأميركي والذي في الحقيقة يهيمن عليه اللوبي الصهيوني في أميركا.
في حين أشارت خليفة إلى أن «الصور والأخبار التي تنقلها وسائل الإعلام الأميركي بمختلف أنواعها لا تختلف كثيرا عن الموقف الرسمي الإسرائيلي».
فمثلا هناك بعض الرسائل الإعلامية الأميركية الصهيونية تمثل الشعب الفلسطيني كداعم للإرهاب وان إيران تصنع أسلحة ممنوعة إضافة إلى انها تدعم الإرهاب، وغيرها من الرسائل التي تفتعل بين يوم وليلة حتى تصدقها العين والأذن الأميركية في النهاية، لأن الإعلام الأميركي يستطيع بهذه الطريقة ان يصل إلى مبتغاه بتضليل الرأي العام الأميركي وإلهائه عن السياسة الداخلية وتحويل اهتماماته إلى الخارج.
بعد ذلك أوضحت خليفة ان التجاوزات التي تنتهجها السياسة الأميركية أثرت وبشكل محلوظ على مسار ولغة الإعلام الأميركي وخصوصا في الحرب الأخيرة على العراق. هذه السياسة التي حولت الإعلام الأميركي إلى بوق رسمي يبرر كل تجاوزاتها للحقوق وللشرعية الدولية.
على رغم الجهات الإعلامية التي تدعي استقلاليتها فإنها في الحقيقة كانت تعبر عن سياسة الإدارة الأميركية لا أكثر...
واستطردت قائلة: «إن العالم العربي على علم تام بالانحياز السافر من جانب الإعلام الأميركي لـ «إسرائيل» الذي من النادر ان نرى وجود تغطية إعلامية توجه انتقادا لـ «إسرائيل» لكننا ايضا نجد ان الإعلام العربي منحاز من جانبه وبالدرجة نفسها لفلسطين بحيث يصبح من النادر وجود تغطية إعلامية تنقذ السلطة الفلسطينية».
بينما اشارات خليفة إلى حوادث 11 سبتمبر/أيلول، وأيضا ما كتب وأذيع قبل وبعد حرب العراق التي دفعت بكل الأحوال الإدارة الأميركية وأجهزة الإعلام الأميركي إلى توسيع دائرة التفاهم بين الجانبين العربي/ الأميركي، لا يمكن ان يتم تناسي نية اميركا لأمركة الأجيال العربية إذ ان تخصيص واطلاق إذاعات وقنوات تلفزيونية أميركية ناطقة بالعربية مثل إذاعة «سوا» والتي كانت تسمى في الماضي بـ «صوت أميركا» وقناتها التلفزيونية التي ستنطلق قريبا إلى تدشين صفحة الـ «CNN» العربية الإلكترونية وإصدار مجلة «هاي» الناطقة بالعربية التي تصدرها وزارة الخارجية الأميركية أخيرا ما هي إلا مؤشرات تسعى من خلالها «واشنطن» إلى تصحيح الصورة الأميركية ايجابيا لا سلبيا في المنطقة العربية.
وتنهي خليفة ورقتها منوهة إلى ان «النموذج الأميركي سيبقى مهيمنا سياسيا وإعلاميا واقتصاديا لفترة من الزمن ما دامت موازين القوى معدومة حاليا وهو ما يفرض على الجميع مسألة التكيف مع الواقع الحالي تحت ما تسميه واشنطن بالعولمة».
بعد ذلك افتتح مدير الندوة علي مجيد باب النقاش والمداخلات بتصريح من مدير مكتب الإتصالات العالمية بالبيت الأبيض، إذ قال: «إننا نشن حربا على الأفكار مثلما نشن حربا على الإرهاب».
وكان لرئيس جمعية الشبيبة البحرينية حسين الحليبي مداخلة ذكر فيها ان الصراع الإعلامي موجود منذ سنوات إذ ان الشمال في العالم يتمتع بوسائل الإعلام وتدفق المعلومات ويحاول ان يمارس نوعا من الاحتكار للمعلومات ما يؤدي بالتالي إلى افتقاد الجنوب لهذه المعلومات لاسيما ان الشمال يحاول تعتيم الصورة الإعلامية للجنوب.
وأكد الحليبي ان الإعلام الأميركي عليه ان يلتزم بأخلاقيات العمل الإعلامي مع احتفاظه بحريته الموضوعية والمسئولة في الطرح.
وكان لخليفة تعليق إذ قالت: إنه من خلال عملها في احدى وكالات الأنباء الأميركية الموجودة في البحرين، وجدت ان الوكالة تركز اهتمامها على الموضوعات التي تختص بالقاعدة الأميركية الموجودة في البحرين أو اخبار سياسية لكن باقي الوكالات مثل وكالة الانباء الفرنسية تركز على الثقافة والتراث ودائما ما يكون هناك تنوع في الموضوعات ودائما ما تكون قريبة من شعوب المنطقة بسبب طرحها للموضوعات التي تهم المنطقة.
وأوضحت خليفة أننا سنظل فترة طويلة نعاني من هيمنة الثقافة الأميركية لكن هذا لا يعني بالضرورة ان نكون ضد كل شيء أميركي بل نحن ضد السياسية التي تتبعها أميركا فنلاحظ مثلا السينما الأميركية سينما متطورة وهناك إمكانية كبيرة للاستفادة منها إضافة إلى الكثير من القنوات الثقافية التي يمكن التعاطي معها وفي مداخلة لعضو جمعية الشبيبة البحرينية «بدر الحليبي» اشار فيها إلى أن وكالات الأنباء الكبيرة في عالم الاعلام تفتقد إلى التعددية في الأفكار ووجهات النظر ذلك ان من يملك هذه الوكالات هو الدول الكبيرة وبالتالي تأتي المعلومات في غالبيتها متاشبهة تفتقد في معظم الأحيان إلى الموضوعية بحيث تكون منحازة إلى آراء الدول الكبيرة، وأضافت ريم خليفة معلقة: إننا لا نملك خصوصية في الإعلام العربي، إذ اننا نعتمد في أخبارنا ومعلوماتنا على وكالات أنباء عالمية تمدنا برسائلنا الإعلامية وللأسف لا توجد هناك وكالة إعلامية عربية تستطيع مواجهة هذه الهيمنة العالمية لسوق المعلومات والافكار، لكن هناك بعض الامثلة في العالم العربي كقناة «الجزيرة» أو قناة «أبوظبي» الفضائية استطاعت في فترة قريبة ان توفر بعض الخصوصية العربية الإعلامية عن طريق المراسلين الصحافيين. بعدها أشارت «في المري» في مداخلتها إلى أننا نجد ان صورة العرب في الإعلام الاميركي صورة مشوهة وتحاول دائما اظهار السلبيات في العرب متناسية كل الايجابيات الموجودة في العالم العربي، وعليه لابد على الإعلام الاميركي ان يحترم نفسه في طرحه لرسائله.
وكانت هناك الكثير من المداخلات من الجمهور والتي تساءلت عن كيفية ايجاد حل لهذه الهيمنة لمصادر المعلومات والافكار وما هي المسئوليات التي تقع على عاتق الاعلام العربي في ظل الأمركة الصريحة لعقول وثقافات الشعوب وخصوصا العربية، إضافة إلى الأمثلة الديكتا تورية العربية - المهيمنة على أجهزة الاعلام - والتي تحاول دائما توجيهها لخدمة النظام الحاكم وسياسته من دون السماح للشارع ان يتنفس ويعبر عن ذاته، أسئلة كثيرة طرحت في اذهان الشباب الذين حضروا الندوة وكونت لهم اسئلة جديدة لابد لهم من ان يبحثوا عن اجابتها، حتى يستطيعوا ان يواجهوا هذه الحالة المشوهة لبث المعلومات المغلوطة التي تركز على افكار وآراء قطب واحد في هذا العالم، ما يلوث أذهان الشباب العربي، ويجرهم نحو مستنقع «العولمة» التي تسعى لـه «أميركا» الامبريالية في نهاية المطاف
العدد 325 - الأحد 27 يوليو 2003م الموافق 28 جمادى الأولى 1424هـ