خلال سنوات حكم ستالين كان المشاهدون يعتنقون جميع الأفكار التي تقدمها الأفلام، وقبل ان يتولى ستالين السلطة كانت أفكار الأفلام في روسيا مختلفة بشدة عن سابقتها، إذ كان المخرجون يقدمون أي فيلم يمكن أن يجذب الناس الى دور السينما. أما مع وصول الدولة الجديدة بعد الحرب الأهلية، فقد تغيّر انتاج الأفلام بصورة راديكالية وبدأت الأفلام تستخدم من أجل أغراض وطنية وحكومية.
ولم تصل الأفلام الأولى التي شوهدت في روسيا حتى العام 1908 وكانت في معظمها أفلاما أجنبية تعرض الثقافات الأجنبية للمرة الأولى، وكان ما يقدر بـ 80 في المئة من الأفلام التي تعرض، أجنبية، حتى بدأت الحرب، أما الأفلام الروسية الأولى فقد كانت جميعها مبنية على كتب ناجحة في ذلك الوقت. وكان يعتقد بأن اي كتاب جيد يمكن أن ينتج فيلما جيدا ولكن الأفلام التي استمتع بها معظم الشعب الروسي كانت إما كوميدية او أفلام مغامرات. كما كان قادة الدولة وخصوصا جوزيف ستالين يعرفون مدى قوة تأثير الأفلام ولذلك بدأوا بدراسة كيفية الاستفادة منها.
خلال سنوات حكم ستالين كانت الأفلام تشكل جزءا مهما من حياة المواطن الروسي العادي، وكان الناس يتلهفون إلى مشاهدتها لأنهم كانوا يعتبرونها أحد وسائل التسلية القليلة، كما كانت أداة للهروب من الأحزان التي واجهها الناس. بالاضافة الى ذلك، أعطت هذه الأفلام شيئا من الأمل، وهو الأمر الضروري خلال عهد ستالين بسبب التغيرات التي أحدثها في البلاد، إذ كان الروس يعلمون بأنهم يجوعون من أجل أن يكونوا أمة أقوى يتساوى فيها الجميع، ولكن الكفاح تجاه المساواة كان صعب التحمل. نقلت الأفلام إلى الناس الصور التي ساعدتهم على فهم مدى استحقاق نضالهم للصعوبات التي كانوا يواجهونها، وهكذا اتخذ ستالين من الفن وسيلة يفيد بها نفسه.
أما بالنسبة إلى قادة روسيا، فقد استخدمت الأفلام أداة دعائية ووسيلة اتصال سياسية، واعتبرها القادة وسيلة لخدمة مصالحهم، وكان الهدف الرئيسي لكل فيلم هو ايصال التصريحات السياسية. لكن، وخصوصا في فترة حكم ستالين، ساهم القادة بشكل كبير في السينما وأعطوها قوة كبيرة لأنها كانت طريقة سهلة للوصول الى حشود الناس. وعندما ألغى ستالين السينما الخاصة، وذلك بعد أن وجدها غير نافعة للدولة، ما دفع مخرجي الأفلام الخاصة إلى الرحيل الى الجنوب. وبدلا من السينما الخاصة، قامت السلطات بالترويج لبعض الأعمال الدعائية التي تعرض في دور السينما والتي كانت تمثل أعمالا قصيرة وتشبه الاعلانات التي تقدم إفادات سياسية، واعتبر البعض هذه الأعمال بمثابة أفلام توثيقية لتلك الفترة.
خلال العشرينات رغب الحكام في تقديم أفلام لاقناع المشاهدين، وخلال العقد التالي عينت استوديوهات الانتاج بعض المؤلفين لكتابة نصوص عن موضوعات معينة، كما كان كل نص يكتب يخضع لمراقبة دقيقة، وضمن هذا ان تقدم النصوص الرسالة الصحيحة وألا تبتعد عن الفكرة الأصلية. كانت المراقبة الشديدة تلغي اي شيء يمكن ان يقلل من الولاء لقضية ستالين وتبرز ما يروج للشجاعة، وبسبب هذا الاشراف الصارم تناقص انتاج الأفلام تدريجيا. وعندما ينتهي المؤلفون من كتابة هذه النصوص كانت تخضع لعملية دراسة دقيقة أشد من الأولى من قبل اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، وفي الكثير من المرات من قبل ستالين نفسه. وبعد اتمام الفيلم يقوم ستالين نفسه بمشاهدته بتركيز شديد قبل ان يتم عرضه على الناس. وفي العمل الأخير الذي يعرض على الناس تكون معظم أجزاء الفيلم تم تغييرها من قبل اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي وستالين، ما يعني أن الدولة هي التي تنتج جميع الأفلام وتخرجها عمليا.
وفي هذا الوقت كان عموم الناس يرغبون في مشاهدة الأفلام التي تشتمل على مشاهد الحركة والضحك والمغامرات، ولكن الأفلام التي اعتبرت من أفلام المغامرات كانت تتحدث عن الطيران أو البناء او الاستكشاف، وحتى الأفلام الخفيفة كانت تحوي جوانب دعائية وتنقل رسائل عن الملاحة الجوية والتقدم، وحتى الأفلام الكوميدية كانت بطرق كثيرة ستالينية. استخدمت أشهر الفنون، مثل الكارتون والأغاني وفن العمارة، لعمل هذه الأفلام لكنها جميعها كانت تحوي أفكارا سياسية، وكانت الأفلام المعتادة في عهد ستالين هي الأفلام التي تصور الفاشية والمساواة العرقية والهوس بالطيران، والأمر الملحوظ بشكل أكبر هو تصويرها لمتعة الحياة تحت حكم ستالين. الكثير من هذه الأفلام كانت تدور حول العمال الطيبين، والجنود الشجعان الذي يعملون جميعا من أجل صالح بلادهم، كما كانت الكثير من أفلام فترة الثلاثينات تتحدث عن الأبطال الوطنيين الذي وجد معظمهم في فترة الحرب الأهلية.
ومن الأمثلة المهمة لأفلام سنوات حكم ستالين التي توضح كيفية التلاعب بالأفلام واستخدامها أداة دعائية وكذلك للتدليل على كيفية تلاعب ستالين ولجنته المركزية بالأفلام، فيلم Chapaev الذي أخرجه الأخوان فاسيلف، وانتج في العام 1933 وكان مبنيا على رواية كتبها ديميتري فرمانوف في العام 1923، وكان الفيلم من أشهر الأفلام في عصره بل واعتبره البعض أحد أفضل الأفلام السوفياتية. كان تأثيره على الشباب هائلا بحيث جعل الكثيرين منهم يرغبون في ان يصبحوا جنودا ويقاتلوا من أجل بلادهم. اعجب الشباب بالبطل شاباييف الذي يحمل الفيلم اسمه والذي كان ملهما للكثيرين منهم، وكان أحد أبطال الحرب إذ تم تصويره بطلا شجاعا وذكيا. وكان هذا الأمر مألوفا في أفلام تلك الفترة التي تصور الأبطال في الفيلم لتعزز الوطنية، كما يعتبر هذا الفيلم خليطا من الاداء الحماسي الذي قدمه بوريس بابوشكين، ومشاهد الحركة السريعة، والمشاهد الكوميدية التي تخفف حدة الفيلم، والقصة الرومانسية بين حبيبين في الخنادق.
اعجب الجميع بالفيلم، الأمر الذي أدى إلى أن يكون له تأثير كبير على الناس. وهكذا كانت موضوعات تمجيد الحرب وقتال الجنود الذي كان له سبب مهم دائما، تقدم الأفكار التي جعلت هذا الفيلم فعالا للغاية ومحبوبا من قبل الدولة.
وفي فترة الحرب كانت الأفلام تقدم بشكل جيد وتتضمن أفكارا دعائية، وعندما بدأت الحرب تمت اضافة افكار الحرب الى نصوص الأفلام التي كان يتم العمل عليها آنذاك مثل فيلم Mashenka الذي بدأ كوميديا خفيفة عن الحياة السعيدة في ظل حكم ستالين، ولكن بعد بداية الحرب غيّر المنتجون النص فأصبح النص الجديد يشتمل على شاب بطل يلتقي فتاته بعد أن يتطوع للقتال، وهو يجسد معنى البطولة.
كانت أفلام تلك الفترة مزيجا من السياسة والامتاع للدولة وللجمهور، وكانت السينما الستالينية تمثل عنصرا استراتيجيا استخدمه ستالين لتحقيق الدولة الستالينية الكبرى. كما كانت الرقابة التي كانت بارزة جدا خلال سنوات ستالين واضحة في الكثير من الأشكال الفنية وخصوصا الأفلام التي كان يتم التلاعب بها بشكل كبير من قبل القادة السياسيين، ولكن الحشود قبلت بصيغة الفن ولعب ستالين دورا في امتاع الناس ليبقهم في تزامن مع خططه التي وضعها لشعبه. كانت التقنية ناجحة وازدهرت صناعة الفن على رغم ان صعوبات انتاج فيلم ما كانت كبيرة للغاية
العدد 331 - السبت 02 أغسطس 2003م الموافق 04 جمادى الآخرة 1424هـ