بدأت نهاية حكومة الوحدة الشعبية حوالي الساعة السادسة من صباح يوم 11 سبتمبر/ أيلول 3791. إذ استولت وحدات من البحرية التشيلية على ميناء مدينة فالباريسيو، غرب سانتياغو. وعندما سمع بتحركات الجيش، اتصل الرئيس سالفادور أليندي بوزير الدفاع، أورلاندو ليتلير وطلب منه التحقيق. وبعد أن أكد الوزير التقارير، قرر أليندي الذهاب إلى لامونيدا، القصر الجمهوري، بينما انطلق ليتلير إلى وزارة الدفاع. هناك أصبح أول عضو في حكومة أليندي يوضع تحت الاعتقال بواسطة الجنود المتمردين.
وصل الرئيس إلى لامونيدا الساعة 03,7 صباحا مصحوبا بواسطة قليل من مساعديه وتسعة عشر منتسبا من قوة الأمن الرئاسي. وفي تلك الأثناء، اتخذت أقسام من قوات القربينيروز الموالية للحكومة مواقع لها داخل وخارج المبنى، ونشرت عربات مدرعة. ومن ثم وصل القائد العام للقربينيروز، جوس ماريا سبولفيدا جاليندو حالا. وعندما وصل إلى مكتب الرئيس، كان أليندي على الهاتف، محاولا الوصول إلى بعض الجنرالات المشتركين في الانقلاب أو أي ضابط عسكري آخر يمكن أن يوفر معلومة. فعلق: «لا أحد يجيب. أعتقد أن جمعيهم اشتركوا في الانقلاب الآن».
ثم جاء وزير الداخلية، وزير الدفاع في جميع الأوقات في حكومة الوحدة الشعبية، جوسي طه وأخوه جيمي طه وزير الزراعة الحالي إلى القصر. وأثناء دخوله، استفسر صحافي إذاعة عن الانقلاب المتكشف، فأجاب طه «سيبقى الرئيس في لامونيدا. انني هنا لدعم أليندي. نحن لن نتخلى عن الحكومة حتى 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 6791».
بعد ذلك، خاطب أليندي شعب تشيلي عبر الإذاعة قائلا: «تشير تقارير مؤكدة إلى ان قطاعا من البحرية تمرد وقام باحتلال فالباريسيو. الحياة في سانتياجو عادية والجنود في ثكناتهم. أنا هنا للدفاع عن الحكومة التي أمثلها بإرادة الشعب. كونوا حذرين ومتيقظين... انني أنتظر جنود تشيلي للرد الإيجابي ليدافعوا عن القانون والدستور. يجب أن يذهب العمال إلى أماكن عملهم وينتظروا التوجيهات الجديدة».
وما بين الساعة 8 - 9 صباحا، بقي الرئيس في الطابق الثاني، يقيّم الوضع باستمرار. وأجرى اتصالا هاتفيا مع السكرتير العام لاتحاد العمال، المؤيد للحكومة، رولاندو كالدرون، وتحدث أيضا لعضو اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي هيرنان كانتو الذي توقف قليلا في وقت مبكر في لامونيدا، وقال له ليندي: «إن زعماء الحزب سيقومون ما يحسون انه من واجبهم».
وعلى رغم أن اتحاد العمال لدى كالدرون طُلب منه أن يوقف المحطات الإذاعية المتعاطفة مع المتمردين إلا أن ذلك لم يحدث ذلك. ولكن المحطة التابعة لجامعة الدولة الفنية - المتعاطفة مع الحكومة - مغلقة الآن بواسطة الجنود المتمردين في البحرية. وتم اغلاق محطات إذاعية أخرى أيضا. وفجأة ظهر كولونيل في القصر ليخبر أليندي انه لم يستطع الذهاب إلى مكتبه في وزارة الدفاع لأن الجيش استولى عليه.
وفي الساعة 04:8 صباحا تمت إذاعة أول إعلان للزمرة المتمردة من خلال راديو وزارة الزراعة وسُمِع في لامونيدا، جاء فيه «إنه نتيجة للأزمة الاقتصادية، الاجتماعية والأخلاقية الشنيعة التي تشهدها الدولة... وعدم قدرة الحكومة على السيطرة على الفوضى ما يقود شعب تشيلي إلى حرب أهلية حتمية، فقد قررت القوات المسلحة والقربينيروز أن يتخلى رئيس جمهورية تشيلي عن منصبه حالا... الموقعون: «القائد الأعلى للجيش، أوغوستو بينوشيه أوغارتي، القائد الأعلى للبحرية، جوسي توربيو مارينو، القائد الأعلى للقوات الجوية، غوستافو ليغ، والقائد العام للقربيونيروز، قيصر مندوزا دوران».
الآن اكتسب الانقلاب العسكري أسماء ووجوها محددة. وقد انخفضت فرص بقاء الحكومة الدستورية بشدة. إذ عين مارينو نفسه قائدا للبحرية فوق راؤول مونتيرو كورنيجو، وقام قيصر بالشيء نفسه في قوات القربينيروز.
ويتطلب تنسيق نجاح الانقلاب شبكة إذاعية فعالة وسط القادة العسكريين في وزارة الدفاع، عمل الأدميرال باتريسيو كارفجال كـ «عامل بدالة»، مؤكدا أن المعلومات والأوامر تنساب بيسر وسط فروع القوات المسلحة المختلفة: من فالباريسو إذ بدأ الأدميرال مارينو الانقلاب في ذلك الصباح، إلى المدرسة الحربية للقوات الجوية في سانتياجو، إذ يدير الجنرال ليغ القوات الجوية، إلى القيادة العسكرية في بنالولن إذ يترأس الجنرال بينوشيه في المستوى الأعلى الاتصال والتوجيه.
وبعد أن أذيع بيان الانقلابيين غادرت العربات المدرعة التابعة للقربينيروز في لامونيدا مواقعها حالا. استمع أليندي في مكتبه لعرض من الثوار، نقل إليه بواسطة مساعديه العسكريين: روبيرتو سانكيز من القوات الجوية، وجورج جريز من الجوية وسيرجيو باديولا من المشاة. ويتمثل العرض في أن طائرة تم تجهيزها لنقل الرئيس وأسرته إلى خارج البلاد. ولكن كان رفض أليندي مطلقا «لقد خرقت القوات المسلحة تقليدها. إنني لن أستسلم ولن أستقيل». بهذا سرح الرئيس مساعديه العسكريين من واجباتهم، ولذلك لهم الخيار في العودة إلى مؤسساتهم الخاصة.
دقائق معدودة بعد الساعة التاسعة صباحا، خاطب أليندي - من خلال هاتف متصل بإذاعة مغالانيز، المحطة الوحيدة الداعمة للحكومة التي لم توقف بعد بواسطة الهجمات العسكرية في ذلك الصباح - الأمة مرة أخرى فقال: «هذه بالتأكيد ستكون آخر مرة أتحدث إليكم فيها. سيتم وقف محطة مغالانيز، ولكن تصلكم نغمة صوتي المطمئنة. ولكن لا يهم ذلك. ستستمرون في السماع إليها. سأكون دائما معكم. على الأقل ستكون ذكرياتكم بي لرجل مخلص للدولة... انني أثق في تشيلي ومصيرها. يستطيع أشخاص آخرون تجاوز هذه اللحظة الحزينة المريرة، عندما تحاول الخيانة أن تفرض نفسها علينا... انني متأكد من أن تضحيتي لن تذهب سدى... ستكون درسا أخلاقيا تعاقب على جريمة، جبن وخيانة القوات المسلحة».
وبعد فترة قصيرة من ذلك، شاهد المدافعون عن لامونيدا الدبابات الأولى تقترب قليلا. وأخذت تلك القوات، التابعة للكتيبة المدرعة الثانية تحت إمرة قائدها، جافير بالاسيوس، مواقع حول المبنى الذي يوجد فيه الرئيس بينما طائرات القوات الجوية تحلق فوق المكان، وتصوب مدافعها باتجاه القصر الرئاسي.
وفي داخل المبنى، كان هناك أحد المساعدين يحاول عبر الهاتف التفاوض مع الجيش. وبعد أن فشل في ذلك، رجع إلى أليندي برسالة مفادها «في خلال دقيقتين ستتم مهاجمتنا. انتزع أليندي في الحال بندقيته الهجومية، وارتدى خوذة المعركة وغادر مكتبه لينظم المقاومة داخل المبنى الرئاسي. وفي هذه اللحظات تم سماع أول طلقات.
كان نشر القوات بكثافة ضد أليندي، وهو لا يملك سوى أكثر من مئة شخص بقليل، كثير منهم مدنيون وكثير تسليحهم خفيف. وكانت الأسلحة المتاحة داخل لامونيدا ثلاثة مدافع بازوكا وخمسة مدافع رشاشة بقطر 03 ملم. وفي خارج المبنى هناك عدد كبير من القناصة التابعين للحكومة وقد اتخذوا مواقع قريبة.
ووفقا للجنرال سيرجيو إرلانو ستارك، الذي يراقب الحوادث من وزارة الدفاع، كان التركيز على قمم الأسقف لمبنى أنتل، وبنك الدولة، وصحيفة كليرن، ومبنى اسبانا والمسرح الدولي. ولكن تقابل هذا دبابات شيرمان للقوات المعادية، وجنود مدرسة الضباط الصغار الذين نشروا شرق القصر، وكتيبة تاكنا التي اقتربت من الجنوب وكل من مروحيات القوات الجوية والجيش محلقة في الجو.
وبحلول منتصف النهار أصبح اطلاق النار كثيفا. هناك جحيم من الشظايا الخشبية المتطايرة، دخان كثيفا، متفجرات صامة للآذان، ذخيرة من جميع الأحجام من مدافع وبنادق رشاشة تقصف نوافذ لامونيدا، محطمة الأثاث، المصابيح الكهربائية، صور مؤطرة والجدران التي نصبت عليها. كان أمر اليندي البحث عن ملجأ في المكاتب، والباحات خلف الجدران الكثيفة في دهاليز القصر.
وفي تلك الأثناء، وبمساعدة غارات المروحية «بوما»، وضعت قوات ودبابات الجنرال بالاسيو حدا لمقاومة القناصة بشكل تدريجي.
وفي عند الساعة 04:01 صباحا كان هناك وقف اطلاق نار نوعي بينما أمر الرئيس قوات القربينيروز المتبقية داخل لامونيدا بالمغادرة، ولكن من دون أن تأخذ معها أسلحتها. ثم غادرت أيضا غالبية النساء داخل المبنى ومن ضمنهن ابنتا الرئيس. وفي الوقت نفسه، أعلن ليغ، عبر شبكة الاتصالات العسكرية انه أعد لإرسال طائرات هاوكر الضاربة لقصف لامونيدا حالا. وطلب كارفجال، الذي كان في تفاوض هاتفي مع جوسي طه، وقتا إضافيا حتى يكتمل الإخلاء الجزئي للقصر.
وظهرا، سمع أولئك الذين بقوا داخل لامونيدا باقتراب الطائرات. ووفقا لرواية أوسكار سوتو، أحد أطباء أليندي أطلقت الطائرات صواريخ أحدثت صوتا مدويا. وبعد ثوانٍ معدودة، شهدنا انفجارا ضخما... شعرنا وكأنه زلزال، أدى إلى تهشم الزجاج، ونتيجة للهزة القوية فتحت الأبواب والنوافذ في المبنى بعنف». وأضاف: «وعندما توقف القصف بعد 51 - 02 دقيقة، اشتعل القسم الأوسط للقصر ومن ثم سقط. شعرنا بفرقعة النيران والدخان الأسود المخترق الذي اقتحم كل مكان. وبعد هنيهة حلقت مروحية فوق المكان وسكبت غازا مسيلا للدموع داخل المبنى... فأصبحنا لا نستطيع التنفس...».
بعد الغارات الجوية استأنف بالاسيوس الهجوم الأرضي. كانت نيران الدبابات عديمة الرحمة تصم الآذان بينما تبعثر المتفجرات بقايا المبنى وتضرم اللهيب. ثم فتحت مجموعة من تقريبا عشرين جنديا باب القصر عنوة في ناحية شارع موراندي وأخرجت عدة أشخاص بينما أخذ إطلاق النار يتقلص في الميدان. مازال أليندي في الطابق الثاني مع قليل من مرافقيه. وعندما علم أن الطابق الأول قد تم احتلاله، أمر الجميع بالخروج من المبنى وقال: «يترك كل شخص سلاحه ويذهب إلى تحت. انني سأكون آخر من ينزل. وبينما اتخذ الجميع سبيلهم إلى خارج المبنى، دخل أليندي قاعة الاستقلال. جلس الرئيس هناك واضعا بندقيته بين رجليه، ووجه فوهتها تحت ذقنه. ثم أنهت طلقتان حياة الرئيس الدستوري لدى تشيلي.
جاء الجنرال بالاسيوس إلى مسرح الانتحار مع جنوده الذين أمرهم باغلاق المدخل الذي يقود إلى الغرفة الت
العدد 386 - الجمعة 26 سبتمبر 2003م الموافق 30 رجب 1424هـ