العدد 2633 - الجمعة 20 نوفمبر 2009م الموافق 03 ذي الحجة 1430هـ

السعوديون يتذكرون حصار الحرم المكي

بعد 30 عاما على ذكرى احتلاله من قبل «جماعة جهيمان»

قامت مجموعة من المسلمين المتطرفين في بداية القرن الهجري الجديد بحصار أكثر الأماكن قدسية عند المسلمين (المسجد الحرام في مكة المكرمة) زاعمين أن بينهم المهدي المنتظر، وتحديدا قبل ثلاثين عاما وفي 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 1979 في عملية هزت المملكة وتردد صداها اليوم مجموعة متطرفة أخرى هي تنظيم «القاعدة».

وفي 20 نوفمبر 1979 أصيب العالم الإسلامي بالصدمة عند انتشار خبر قيام جهيمان العتيبي وأكثر من 400 من المتطرفين بحصار المسجد الحرام في مكة المكرمة وما تلى ذلك من هجوم دام شنته القوات السعودية لإخراجهم من المسجد.

ورغم أنه تم القبض على جهيمان و67 من أتباعه وإعدامهم في ما بعد، وقتل محمد بن عبد الله القحطاني الذي أعلن جهيمان أنه المهدي المنتظر، إلا أن أصداء هذا الحادث لا تزال تتردد في المجتمع السعودي والعالم، بحسب ما قال مؤرخون.

وكتب مؤلف كتاب «حصار مكة» يارسولاف تروفيموف، الذي يضم رواية شاملة للحدث «الأمر واضح للغاية: لقد بدأ العد العكسي لهجمات 11 سبتمبر 2001 والتفجيرات الإرهابية في لندن ومدريد، وللعنف الإسلامي الذي يعصف بأفغانستان والعراق في ذلك الصباح الدافئ من شهر نوفمبر».

وكان الحج قد انتهى للتو عندما تمكن العتيبي وجماعته من تهريب مئات من قطع الأسلحة إلى المسجد الحرام وسط مكة. وأنذر العمل الذي قام به جهيمان بعهد جديد من التطرف الإسلامي. وأعلن في ذلك اليوم أنه يرى أن المجتمع السعودي انحدر في الانحلال الأخلاقي مع بدء تأثر العالم الإسلامي بوسائل الترفيه «الغربية» مثل دور السينما والتلفزيون والرياضة، وخروج النساء المسلمات إلى العمل.

واحتلت جماعة جهيمان كل زاوية من زوايا المسجد الحرام المترامي الأطراف وأغلقت أبوابه التي لا تغلق عادة ووضعت قناصة مسلحين بالبنادق الرشاشة على منارات المسجد السبع واحتجزت مئات المصلين رهائن.

وأطلق هؤلاء النار على اثنين من الحراس عندما قاوماهم، ودانوا كبار رجال الدين السعوديين واتهموهم بالفساد وقالوا إن العائلة المالكة غير شرعية.

وأطلق القناصة النار على رجال الشرطة والجيش. وبعد عملية عسكرية واسعة نفذها الجيش السعودي بدأت بقصف المسجد وانتهت بالقتال وجها لوجه، تمت استعادة السيطرة على المسجد بعد أسبوعين.

وساند فريق صغير من عناصر الكوماندوس الفرنسيين الجنود السعوديين بعدما أصدر أبرز علماء الدين السعوديين فتوى تسمح لهم بإطلاق النار على المتمردين داخل المسجد.

وبلغت حصيلة القتلى 127 جنديا و117 متمردا وعدد غير محدد من المدنيين. وينقل تروفيموف عن مراقبين مستقلين قولهم إن عدد القتلى «بلغ أكثر من ألف شخص».

وبالنسبة إلى معظم الحجاج الذين سيبلغ عددهم نحو ثلاثة ملايين حاج الأسبوع المقبل، فإن حصار العتيبي للمسجد الحرام قد لا يعدو كونه ذكرى. ولا تزال الكثير من تفاصيله سرية.

لكن وبعد 30 عاما، فإن تعزيز الإجراءات الأمنية حول مكة والاتجاه الواضح نحو سلوك أكثر محافظة في المجتمع السعودي، وتهديد «القاعدة» الماثل دائما، تقف جميعها شواهد على التأثيرات التي خلفها حصار العام 1979. ويحظر كبار رجال الدين السعوديين الآن فتح أي صالات للسينما أو إقامة حفلات موسيقية باستثناء الموسيقى التقليدية.

كما يحظر على النساء قيادة السيارات أو حضور مباريات كرة القدم. ويحاول رجال الشرطة الدينية فرض قيود على ملابس النساء ويفرضون ارتداء العباءة السوداء التي تغطي كامل الجسم ما عدا العينين.

ويقول مؤلف كتاب «داخل المملكة» روبرت ليسي، الذي يتناول تاريخ السعودية منذ حصار مكة حتى الآن، لا علاقة مثبتة بين العتيبي وزعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن. ويوضح أن «العلاقة بين العتيبي وبن لادن هي أنهما يؤمنان بالمذهب السلفي».

ويقول إن أسلوبهما في شكل عام «من إطلاق اللحى السلفية الطويلة إلى خلافهما مع آل سعود، ينبع من تفسيرهما العنيف نفسه للإسلام». ويضيف «نستطيع الآن أن نرى أن تمرد جهيمان ساهم في تحول المجتمع السعودي إلى الاتجاه المحافظ».

ويرى تروفيموف أن جيش العتيبي المتعدد الجنسية والمؤلف من المقاتلين الإسلاميين المتشددين «كان بداية للقاعدة نفسها». وكتب أنه في تسعينات القرن الماضي عندما انقلب بن لادن على الحكام السعوديين «بدأ يعيد الكلمات نفسها التي قالها جهيمان عن العائلة الحاكمة». وقد انضم العديد من أتباع العتيبي إلى تنظيم «القاعدة» بعد الإفراج عنهم.

ولا تزال التوترات التي سادت في تلك الحقبة ترخي بظلالها على المجتمع السعودي اليوم.

وفي هذه الأثناء، يهاجم فرع «القاعدة» في اليمن الإصلاحات التي يقوم بها العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز ويعتبر أنها تبتعد عن الإسلام «الحقيقي». وفي أغسطس/ آب، حاول أحد عناصر «القاعدة» قتل مساعد وزير الداخلية السعودي، الأمير محمد بن نايف في تفجير انتحاري، إلا أنه فشل في ذلك.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تم إحباط خطط لتنظيم «القاعدة» لمهاجمة أهداف غير معروفة في المملكة، وتم العثور على مئات من الأسلحة والمتفجرات والسترات الناسفة في موازاة اعتقال عشرات من المشتبه بهم.

العدد 2633 - الجمعة 20 نوفمبر 2009م الموافق 03 ذي الحجة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً