العدد 2633 - الجمعة 20 نوفمبر 2009م الموافق 03 ذي الحجة 1430هـ

القيادة الفلسطينية بين المطرقة والسندان

حسين إيبش- رئيس في فريق العمل الأميركي من أجل فلسطين، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند» 

20 نوفمبر 2009

يستحيل تقريبا التعبير عن المستوى الراهن لليأس الفلسطيني، إلا أن الإعلان الأخير باحتمال استقالة الرئيس محمود عباس، واحتمالات أن تتبعه بقية قيادة السلطة الفلسطينية، الأمر الذي يحلّ السلطة الفلسطينية فعليا، قد يعطي فكرة ولو محدودة عن ذلك.

يبدو هذا للبعض السلاح الوحيد المتبقّي في يد القيادة الفلسطينية، رغم أنه نوع من سيناريو يوم القيامة.

يشعر الرئيس عباس والآخرون وبوضوح أن جميع خياراتهم الأخرى قد جرى إغلاقها أمامهم.

لقد قاموا بتبني خريطة الطريق وتحقيق مسئولياتهم المتعلقة بالأمن حسب أفضل إمكاناتهم وقدراتهم وبكلفة سياسية مرتفعة، كما اعترفت بذلك الولايات المتحدة و»إسرائل». وعندما بدأت إدارة الرئيس أوباما مبادرة السلام الخاصة بها، أُعطي الفلسطينيون جميع الأسباب لأن يتوقعوا أن تضطر «إسرائيل» لتحقيق مسئولياتها ضمن خريطة الطريق وأن تنهي نشاطها الاستيطاني.

ومن وجهة النظر الفلسطينية، واجهت جميع جهود الفلسطينيين الواقعية حائطا أبكما ولغطا مخادعا من طرف رئيس وزراء «إسرائيل» الجديد، وعدم فعالية ضارة إلى حد بعيد من طرف إدارة الرئيس أوباما.

ومما زاد الطين بلة سوء تعامل منظمة التحرير الفلسطينية مع تقرير غولدستون، حيث إنها لم تتمكن من موازنة المطالب من القوى العالمية بالتراجع مع المشاعر السياسية للدفع قدما. كانت القيادة الفلسطينية إذن ستدفع دائما ثمنا سياسيا باهظا إما محليا أو عالميا حول قضية غولدستون، ولكنها تمكنت من أن تنتهي بدفع الاثنين، وبشكل كامل تقريبا.

ويبدو أن تعليقات وزيرة الخارجية هيلاري كلنتون في «إسرائيل»، والتي بدت وكأنها تعني ضمنيا نوعا من القناعة الأميركية بالموقف الإسرائيلي، شكلت القشّة التي قصمت ظهر البعير.

القيادة الفلسطينية مستعدة للاستسلام لأنها تشعر بأنها فعلت كل شيء ممكن لتقبّل عملية السلام التي وضعها المجتمع الدولي، ولكنها لم تحقق شيئا. نتيجة لحرمانها من أصغر إنجاز سياسي تستطيع أن تشير إليه كمقياس لمستوى نجاح سياساتها، من الواضح أنها بدأت تشعر أنه لا يمكن إلا للإجراءات الجذرية فقط أن توصِل يأسها السياسي إلى العالم الخارجي.

ويبدو أن موقف الكثير من الفلسطينيين العاديين وتوجهاتهم، إن صح القول، قاتمة أكثر.

بالنسبة لهم، فقد عَنَت فترة 16 سنة من محادثات السلام 16 سنة أخرى من الاحتلال وبناء المستوطنات ومصادرة الأراضي وخيبة الأمل المرّة والحرمان من الحقوق الإنسانية الأساسية والحقوق الوطنية. وبالإضافة إلى لوم «إسرائيل» والمجتمع الدولي يُلقي الفلسطينيون باللوم كذلك على قياداتهم من فتح وحماس على حد سواء لعدم توحدهم من جديد بعد الانفصال العنيف عام 2007، ويلومون جميع الأطراف للكارثة الإنسانية المستمرة الناتجة عن حصار غزة.

تحت هذه الظروف، يجب أن يكون أمرا مفهوما وبسهولة أن فكرة عملية سلام قادرة على البقاء تبدو الآن مثل نكتة غير مستساغة للكثير من الفلسطينيين.

هذا هو المضمون السياسي الذي يتوجب على القيادة الفسلطينية أن تعمل من خلاله: جمهور يزداد شكا وتشاؤما يوما بعد يوم، ولاعبون دوليون يبدو أنهم لا يفهمون حدود الصبر الفلسطيني.

ويبدو أخيرا أنه حتى الملتزمين بالمفاوضات إلى أبعد الحدود قد توصّلوا لنتيجة أنه يتوجب إما تغيير هذه الدينامية أو التخلي عنها.

من وجهة نظر المشروع الوطني الفلسطيني، فإن التهديد الأكثر خطورة الذي تشكله الأزمة الحالية وبوضوح هو للدولة الفلسطينية وبرنامج بناء المؤسسات الذي اقترحه رئيس الوزراء سلام فياض. يمكن للخطة أن تحرّك مقاومة دينامية من طرف واحد، غير عنفية وبنّاءة في وجه الاحتلال، الأمر الذي يوجد الإطار الضروري للاستقلال الفلسطيني ويشكّل تحوّلا دراميا في البيئة الإستراتيجية لصالح كل من المصالح الفلسطينية واحتمالات السلام.

وحتى يتسنى لتلك الخطة أن تنجح بالطبع، فسوف يتطلب ذلك ليس فقط الدعم المالي والفني من المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة، وإنما حماية مباشرة سياسية نشطة كذلك. سوف يكون من الصعب جدا لـ «إسرائل» أن تقف في وجه المشروع إذا كان تحت حماية سياسية عالمية، ومن المستحيل تقريبا التدخل في مشاريع محددة تتم متابعتها بشكل مشترك بتعاون أميركي وأوروبي ومشاركة فعلية.

بغض النظر عن نتيجة التي ستفيض إليها الأزمة الحالية، من الأساسي أن تستمر مؤسسة بناء الدولة هذه. إنها الشيء الوحيد في الأفق الذي يوفّر سبيلا جادا إلى الأمام نحو إنهاء كل من الاحتلال والنزاع، ويمكنها إيجاد أمل في وسط اليأس وانعدام الأمل.

العدد 2633 - الجمعة 20 نوفمبر 2009م الموافق 03 ذي الحجة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً