كارم الشريف... صحافي تونسي أثار ضجة قبل سنوات قليلة حين استهدف أحلام مستغانمي واصفا «ذاكرة الجسد» بأنها من صنيع سعدي يوسف، والذي نفى بدوره هذه المزاعم ذاكرا أن علاقته بالذاكرة لم تتجاوز الاطلاع عليها كمخطوطة مع إجراء بعض التصحيحات اللغوية والإملائية، من دون أن يغير أي شيء فيها... حتى ان اقتراحاته التي أراد من مستغانمي تنفيذها لم تستسغها الأخيرة وأهملتها كما نقلت حينها وكالات الأنباء... وواصل الشريف بعد ذلك تصيده حين فند الردود التي جاءت من كلا الطرفين مصرّا على رأيه، وفي الوقت ذاته مهاجما يوسف لأنه شاعر ومثقف يتعامل باستهتار مع نتاجات زملائه المبدعين، حين ذكر في مقال له أنه وجد في تونس في مكان يشبه «سوق المقاصيص» عندنا ديوانا شعريا لقاسم حداد به إهداء لسعدي يوسف... مهاجما يوسف على مثل هذه التصرفات... هذه الحكاية مضت عليها سنوات ولعلي أستحضرها هنا فقط لأذكر أن أدباءنا الكبار - وهكذا يتم تسميتهم - وكذلك الصغار - والذين يحاولون أن ينخرطوا في هذه القافلة ضمن إحدى الفئتين سواء بسواء - حالتهم واحدة، وأمرهم عجيب غريب.
ففي متسع سوق المقاصيص عندنا في مدينة عيسى قد يجد المرء ضالته الثقافية بسعر زهيد من الكتب المستعملة، وقد تقع بين يدي الباحث عن زاد ثقافي بعض الكتب والإصدارات التي لا يمكن إلا أن توجد في ذلك المكان، وهو ما يثير أحيانا حسد الحساد للقيمة الرفيعة لتلك الكتب، وخصوصا عند المترددين على هذا السوق من معشر المهتمين بالكتاب بإطلاق، ممن لا يفوتون سانحات الفرص لاقتناص ذهاب منتظم للمقاصيص... زائر هذا المقاصيص المنتظم قد يحمل له باستمرار مفاجآت بأيسر الأسعار لأندر الكتب، ولكن على غير نظام، فليست كل زيارة تعني الظفر بشيء والحصول على المبتغي، ولكنها ضربات حظ قد تصيب أو لا تصيب... ومن المفاجآت غير السارة للمهتمين بالكتاب - والبحريني تحديدا - أنك تجد أحيانا بعض الكتب المؤلفة محليا ملقاة على الأرفف العتيقة أو على الأرض، وتمنى النفس ساعتها أن هذا المنظر قد فاتك أو لم يوجد أصلا، ولكن قد يكون ذلك مبررا أسوة بالكتب الأخرى فالمقاصيص تخلو من التمييز. وأن تجد مؤلفات لعلي الشرقاوي وعبدالقادر عقيل وغيرهما من الأدباء والكتاب ولأفضل ما كتبوا وألفوا في المقاصيص فإن غصة قد تصيبك أو لاتصيبك، ولكن أن تجد أن هذه الكتب موقعة من المؤلفين لشخص محدد... فهذا ما ذكرني تحديدا بقصة الصحافي التونسي المشار إليه أعلاه.
أعرف أن الأديب حين يتفضل - أكرر - يتفضل بتوقيع نسخة من ديوانه أو روايته أو قصته، ويتجشم عناء إيصالها إلى القارئ كذا من باب التواصل الإنساني - وهو يعرف أن أمثال فلان غير معنيين بقضايا الأدب بصورة تبرر جهدهم الإيصالي هذا - فمن باب هذا الحس الإنساني، كان ينبغي ألا تلقى كتبهم في المقاصيص وتباع «بنص روبية» وعليها كلمات الإهداء الرقيقة.
قد تكون كل القصة الماضية عادية جدا، ولا يوجد بها جديد، لا... ولكن الأنكى أن هذا الشخص، ممن تعودنا على حضوره البغيض في كل محفل ثقافي، أو ندوة أدبية، أو أمسية شعرية، وهو لا يوفر مناسبة إلا ويتحدث فيها لتسجيل حضور «مزعج» بطرح كلام فارغ، لا يريد منه إلا إضحاك الآخرين، وطرح سخف يحمل بلاهة... وهذه الرسالة إلى الأدباء أنفسهم... قدموا كتبكم إلى من يحترم الآخرين ويقدر جهدهم، وشقاء لياليهم
العدد 349 - الأربعاء 20 أغسطس 2003م الموافق 21 جمادى الآخرة 1424هـ