اتضحت مؤشرات لاختلاف في الآراء بين علماء الدين أنفسهم من جهة، والفلكيين من جهة أخرى، قد تقود إلى اختلاف في تحديد غرة شهر رمضان هذا العام، وذلك لقول الفلكيين بشبه استحالة رؤية الهلال مساء اليوم، إذ سيمكث بعد الغروب مدة أربع دقائق فقط تنعدم فيها نسبة إضاءته.
ولعدم قابلية الرؤية، أصدر كل من آية الله السيد محمد حسين فضل الله، والشيخ حميد المبارك، بيانين منفصلين اعتمدا فيهما يوم الاثنين المقبل غرة الشهر المبارك، فيما يرى «التقويم الإسلامي القمري الموحد» المعتمد عند بعض العلماء البارزين في السعودية مجرد وجود الهلال حتى مع عدم القابلية لرؤيته يثبت دخول الشهر، ما يعني اعتمادهم غدا الأحد بداية للشهر الهجري، حسب ما صرح به الفلكي وهيب الناصر في لقاء مع «الوسط».
من جانبه أيد قاضي المحكمة الشرعية فريد المفتاح الأخذ بأقوال الفلكيين الثقات من دون اشتراط الرؤية بالعين المجردة، فيما شدد الشيخ جلال الشرقي على ضرورة الاعتماد على الرؤية البصرية، وهو الرأي السائد عند الكثير من العلماء في البحرين.
من جهة أخرى استبعد الناصر حدوث اختلاف في تحديد هلال عيد الفطر المبارك لهذا العام «لأن الهلال سيكون سميكا حينها وسيمكث 28 دقيقة بعد الغروب».
الوسط - خليل عبدالرسول
يعود الجدل الدائر في الساحة عن إثبات هلال شهر رمضان المبارك اليوم (السبت) إذ يتوجه المسلمون إلى رصد الهلال، إذ يؤكد الفلكيون أن الهلال سيمكث في السماء لمدة أربع دقائق فقط بعد غروب الشمس (بالنسبة إلى البحرين) ولا يمكن للناس العاديين رؤيته.
ومن هنا برز اختلاف في الآراء فوجد بعض العلماء أن وجود الهلال بعد ولادته فلكيا - وإن لم يره أحد - أمر كافٍ لإثبات مطلع الشهر الكريم، فيما رأى آخرون أن وجود الهلال يجب أن تصاحبه قابلية وإمكانية لرؤيته، ويبدو أن المؤشرات تشير إلى بوادر اختلاف في تحديد مطلع شهر رمضان بينما تشير إلى اتفاق بشأن هلال عيد الفطر المبارك.
عن هذا الموضوع حاورت «الوسط» أستاذ الفيزياء التطبيقية بجامعة البحرين ورئيس الجمعية الفلكية البحرينية وهيب الناصر، للتعرف على الرؤية الفلكية لإثبات الهلال، وبعض العلماء للتعرف على آرائهم إزاء الموضوع ذاته.
بداية، متى يولد الهلال؟ أرجو إطلاع القراء على مقدمة علمية في هذا الشأن.
- من المعروف علميا أن القمر يدور حول الأرض ليكمل دورته في 29 يوما ونصف اليوم، فالشهر العربي إما أن يكون 29 يوما أو 30 يوما ولا يمكنه أن يكون 28 يوما مثلا.
إن القمر يتحرك في كل يوم 13 درجة في مساره، بمعنى أن غروب القمر يتأخر يوميا بمقدار 50 دقيقة، فعلى سبيل المثال إذا غاب القمر اليوم الساعة السادسة فإنه سيغرب غدا في الساعة السادسة وخمسين دقيقة، وإذا قال شاهد إنه شاهد الهلال عند الساعة الخامسة وعشر دقائق ففي اليوم الثاني لن يغيب الهلال قبل الساعة السادسة تماما... وهكذا، فهذه آية من الله سبحانه.
إن مفردات (المحاق، الولادة، الاستقامة) تحمل المعنى نفسه، إذ ان الأرض والقمر والشمس حينها تكون تقريبا على صف واحد وفي استقامة واحدة، غير أن القمر (بمقدار 5 درجات) مرة يكون في الأعلى ومرة في الأسفل وإلا حدث كسوف وخسوف في كل شهر، ولهذا تجد أن الكسوف في العام الواحد قد يحدث مرة إلى سبع مرات فقط.
وللعلم فإن شهر رمضان هذا العام سيشهد خسوفا للقمر في 9 نوفمبر/تشرين الثاني، سيبدأ الساعة 30:2 صباحا، وذروته 18:4 صباحا، ونهايته 03:6 صباحا، كما ستشهد بعض الدول كسوفا كليا للشمس بتاريخ 23 نوفمبر/تشرين الثاني، ويبدأ في الساعة 11 مساء (بتوقيت البحرين)، وذروته في اليوم التالي عند 48:1 صباحا، وينتهي 51:3 صباحا، ولا يمكن رؤيته في البحرين والوطن العربي، ولعل هذه مناسبة للتأكد والتثبت من دقة الحسابات الفلكية.
إذا فلحظة ولادة الهلال فلكيا هي لحظة استقامة الأرض والقمر والشمس على مستوى واحد، وعند هذه النقطة لا يمكن للناس مشاهدة قرص القمر.
ربما اعتقد الناس أن ولادة الهلال فلكيا تعني بداية ظهور القرص.
- هذا الاعتقاد ليس صحيحا، لأننا إذا قلنا إن ولادة الهلال مثلا ستكون عند الرابعة عصرا، وغروب الشمس عند الخامسة، ورصد الهلال الساعة السادسة، أي أن ولادة الهلال مضت عليها ساعتان.
تاريخيا، اشترط البابليون (وقد كانوا من أبرز الفلكيين) مضي 24 ساعة على ولادة القمر لتميز العين سمك الهلال، وبلا شك فإن هذا المعيار لم يكن دقيقا، قال تعالى «والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم» (آية 39 يس)، أي كالسعف الأصفر الذي يتدلى فيه البلح، وهكذا فعلا يكون الهلال.
مثال آخر: حين يولد الهلال في الثانية فجرا، ونرصده عند السادسة مساء فلن نجد صعوبة في رؤية الهلال نظرا إلى مضي 16 ساعة عن الولادة، غير أنه يبقى لدينا «زمن المكث» وهو زمن مكث الهلال فوق الأفق بعد الغروب، فكلما كانت المدة بين ولادة الهلال ورصده أكثر كانت مدة مكثه أكثر.
وأشير هنا إلى أن بعض الفلكيين يستخدمون مصطلح «الارتفاع الزاوي» ويعني درجة ارتفاع الهلال عن الأفق، بينما «البعد الزاوي» يعني البعد ما بين الهلال والشمس، فلو كان البعد الزاوي يساوي صفرا مثلا لا يمكنك رؤية الهلال بسبب تأثير وهج الشمس... وهكذا.
الهلال... اليوم السبت
في ضوء هذه المقدمة العملية، ماذا عن ولادة الهلال اليوم السبت؟
- يولد الهلال اليوم (في مكة المكرمة، والبحرين تماثلها في الوقت تقريبا) 51:3 عصرا، وغروب الشمس 49:5 مساء، بينما سيكون غروب الهلال 53:5 مساء، أي أن الهلال سيمكث بعد الغروب لمدة أربع دقائق فقط، ما يعني أن رؤيته ستكون بنسبة صفر في المئة (أو أكبر من الصفر بقليل)، وهو ما يمكن تسميته بالنسبة إلى الناس العاديين باستحالة الرؤية، غير أن الهلال موجود فعلا وقد يمكننا رصده بأجهزة دقيقة، غير أن العين المجردة قد لا تكون قادرة على رؤيته في الغالب.
وعلى رغم صعوبة الرؤية في مثل هذه الحالات فإن بعض الشهود في العالم الإسلامي استطاعوا رؤية الهلال فيها، فقد استقبل موقع المشروع الإسلامي لدراسة الأهلة على شبكة الانترنت بعض الشواهد التي بلغت عن ذلك، ومنهم أن البعض في ماليزيا رأى الهلال وهو على درجتين من الارتفاع عن الأفق فقط.
وكذلك نجد أن البعض يستطيع رؤية النجوم في وضح النهار، ومنهم بعض الأخوة الذين تعرفت عليهم في البحرين، كما أن المدارس تدرس أبناءنا عن «زرقاء اليمامة» وكيف كان بصرها القوي، فمثل هؤلاء حباهم الله قدرة في البصر، ولو جاءوا وادعوا رؤية الهلال على رغم صعوبة رؤيته فليس ذلك بمستغرب، وحتى أطباء العيون لا يستغربون ذلك، فالعين تتكون من خلايا مخروطية وخلايا استطوانية، والخلايا الاستطوانية يمكنها أن ترى الأشياء الخافتة وأن تميز اللون والآخر مع خلفية معتمة، أما الخلايا المخروطية فمسئولة عن تمييز لونين مختلفين في النهار.
إننا نجد أن الناس ومنذ القدم اعتمدوا على حركة القمر في أمور عدة غير متعلقة بالرؤية فقط، كحركة المد والجزر التي يعتمد عليها تجاريا في الموانئ وحركة الصيد، ولهذا يهتم الغرب بحركة القمر وحساباتها الفلكية الدقيقة للاستفادة منها تجاريا وعلميا.
بعض الفقهاء يرى الاعتماد على الحسابات الفلكية، ولكن مع إمكان رؤيته بالعين المجردة فقط.
- لقد ذكرت لك بعض النماذج التي رأت الهلال وهو فوق درجتين من الأفق فقط، وهذا يعني إمكان رؤيته ولو لأشخاص معينين لديهم قدرات بصرية كبيرة منها عليهم الله سبحانه، لأننا نقول بوجود الهلال في الأفق حتى لو لم يره الناس.
وأعتقد أن «التقويم الإسلامي القمري الموحد» هو الحل الأنسب لحل مثل هذه الاختلافات والمشكلات، ولأننا اعتمدنا فقط على الرؤية بالعين المجردة حدثت أكثر من كارثة في حق التقويم الهجري، ففي شهر رمضان 1419هـ، بدأ المسلمون صيامهم في 3 أيام مختلفة فقد صامت الأردن، والسعودية على سبيل المثال يوم 19 ديسمبر/كانون الثاني؛ ومصر والمغرب وغيرها في 20 من الشهر ذاته؛ وأما يوم 21 فقد صامت الهند، وباكستان، بينما تكرر أسوأ من ذلك في عـيد الفـطر للعام 1420هـ، إذ فـطر المسلمون فـي 4 أيـام مختلفة (نيجيريا - الخميس 6 يناير/كانون الثاني؛ السعودية، والأردن- السبت 7؛ مصر والمغرب - الأحد 8؛ الهند وباكستان- الاثنين 9)، فهل هذا معقول؟!
وهل يفكر أحد بعد كل هذا الاختلاف في أن يأخذ بالتقويم الهجري لتنظيم سفره ومعاملاته التجارية وحياته اليومية، فتخيل أن طبيبا قال لك إنه سيجري عملية بتاريخ الثالث من شوال، فكيف تعتمد التاريخ؟ لماذا لا نأخذ بالحسابات الفلكية الدقيقة و«التقويم الإسلامي القمري الموحد» لتوحيد كلمة المسلمين.
قطعية الحسابات الفلكية
إذا، أنت تقول بقطيعة أقوال الفلكيين وحساباتهم...
- نعم، الحسابات الفلكية قطعية.
ألا توجد هناك نسبة من الظن أو الشك أو الخطأ؟
- إطلاقا، لا توجد نسبة للظن أو الشك أو الخطأ في الحسابات الفلكية، وقد عقدنا أكثر من مؤتمر صحافي وقلنا للصحافيين انظروا في هذا الوقت سيشرق القمر وفي ذاك الوقت سيحدث كذا وفعلا يحدث ما نقول.
ودليل آخر على ذلك مسألة «الاحتجابات» وهي حينما يدور القمر على الأرض تجد نجوما تحتجب وراءه فهذه هي فترة الاحتجاب، ففي 22 مارس/آذار 1999م، ذكر الفلكيون أن نجم «الدبران» سيحتجب خلف قرص القمر عند الساعة التاسعة مساء و35 دقيقة و41 ثانية، وفعلا هذا ما حدث بالثانية الواحدة، وقد كنا نتابع ذلك عبر ذبذبات تطلقها إذاعة موسكو المخصصة للفلكيين فقط، كما تتذكر البحرين الحسابات الفلكية الدقيقة التي قلنا بها في كسوف الشمس الأخير.
هل هناك اختلاف بين الفلكيين في الحسابات الفلكية؟
- إطلاقا، لا يوجد اختلاف بين الفلكيين في الحسابات الفلكية، فهي مجموعة من المعادلات المتفق عليها، بل أن الاختلاف قد يحدث في تفسير إمكان الرؤية وهو ما يقول به أصحاب الشريعة، فحينها يحدث الاختلاف بشأن إمكان رؤية الهلال على درجة معينة من ارتفاعه وهكذا.
وبحسب مؤتمر تركيا (1978م)، ومؤتمر الكويت (1989م) فقد تم تحديد ارتفاع الهلال (الارتفاع الزاوي) بقدر خمس درجات ليتمكن من رؤيته عوام الناس، بينما تم تحديد البعد الزاوي (أي بعد الهلال عن الشمس) بثماني درجات ليكون بعيدا عن وهج الشمس، غير أننا إذا كنا نتحدث عن أناس يرون النجوم في وضح النهار فلا شك في أنهم قادرون على رؤية الهلال في أقل من هذا المقياس.
إننا نجد علماء الدين والمؤذنين يعتمدون على الجداول الفلكية في تحديد وقت الصلاة، فأيهما أعظم الصلاة أم الصوم؟ إذا كانت صلاتك باطلة فهل سيقبل صومك؟! فلماذا يتم الاعتماد على جداول أوقات الصلاة وفق الحسابات الفلكية تيسيرا للناس ولا يتم الاعتماد عليها في تحديد رؤية الهلال لندفع الناس ليختلفوا في أربعة أيام لتحديد يوم العيد مثلا؟!
ألا يوجد اختلاف ولو في دقائق قليلة بين تقويم فلكي وآخر؟
- إن هذه الأوقات يتم حسابها وفق خطي الطول والعرض، لذلك لا يمكن أن تكون هناك اختلافات في أوقات الحسابات الفلكية.
وللعلم فقط فقد أرسلت حسابات فلكية إلى وزارة الشئون الإسلامية، ولكي يتأكدوا من صحتها أرسلوها إلى مرصد جرينتش فكانت الحسابات صحيحة ودقيقة.
لهذا وجدنا الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز المنيع (أحد كبار هيئة العلماء في السعودية) قد أخذ أخيرا بالمنهج العلمي والحسابات الفلكية، وإلا فما فائدة تخريج طلبتنا من علوم الفلك والعلوم والرياضيات؟ ما فائدة ألا يؤمن خريجو الرياضيات باستخدامها في حساباتهم اليومية في الحياة؟
التقويم الإسلامي الموحد
تردد ذكركم لـ «التقويم الإسلامي القمري الموحد»، أرجو إطلاعنا على نبذة عنه، وما هي المعايير التي تم اتخاذها في مثل هذا التقويم؟
- لقد صدر حديثا «التقويم الإسلامي القمري الموحد»، وفيه جداول توضح بالحسابات الدقيقة بداية كل شهر هجري من العام 1424 حتى العام 1432هـ، وهو ترجمة لتوصيات مؤتمر جدة الذي عقد العام 1419هـ (1998م)، وقد شارك فيه 24 عالما من مختلف الدول الإسلامية كماليزيا واندونيسيا وإيران وتركيا ومختلف الدول العربية وغيرها.
وقد تم التوصل إلى الأخذ بالتقويم الإسلامي الموحد، وفقا للمعايير الآتية:
أولا: استخدام احداثيات الكعبة المشرفة (مكة المكرمة) أساسا لهذا التقويم (خطا العرض والطول).
وقد تم الاتفاق على اتخاذ مكة المكرمة مركزا للتقويم الإسلامي، على رغم وجود رأيين آخرين رأى أحدهما الأخذ بأول نقطة تشرق فيها الشمس في العالم الإسلامي وهو إما ماليزيا أو اندونيسيا، بينما رأى آخرون أخذ المغرب باعتباره آخر بلد إسلامي تغرب فيه الشمس ما يتيح لـ «زمن مكث الهلال» أن يكون أطول.
ثانيا: أن يكون توقيت مكة المكرمة أساسا لهذا التقويم.
ثالثا: إن العالم الإسلامي كله يشترك في ثلث الليل، ولذلك أخذت المواقيت بحسب مكة المكرمة على أن تكون لحظة غروب الشمس هي بداية اليوم الإسلامي الهجري القمري، ولهذا تجدنا نقول «ليلة الجمعة» أي بدء يوم الجمعة بعد غروب شمس يوم الخميس.
رابعا: أن يغرب الهلال بعد غروب الشمس في مكة المكرمة بعد ولادة الهلال فلكيا بالنسبة إلى الكرة الأرضية، شريطة أن تكون ولادة الهلال فلكيا قد تمت قبل غروب الشمس في مكة المكرمة.
خامسا: مقارنة موعد غروب الشمس مع موعد غروب القمر في مكة المكرمة، وعليه:
أ - إذا كانت لحظة غروب الشمس بعد غروب القمر (في مكة المكرمة) فإن اليوم التالي هو من الشهر السابق، ويكون اليوم الذي يليه هو أول أيام الشهر الهجري.
ب - إذا كانت لحظة غروب الشمس قبل غروب القمر (في مكة المكرمة)، ففي هذه الحال يكون القمر ولد شرعيا؛ إذ يكون القمر فوق الأفق بعد غروب الشمس، ويكون الهلال قد ولد فلكيا قبل غروب الشمس، وبذلك يكون اليوم التالي هو أول أيام الشهر الهجري الجديد... وهكذا.
تعاون مع العلماء
هل هناك تعاون أو اتصال بينكم في الجمعية الفلكية البحرينية وبين علماء الدين في البحرين؟
- نحن كجمعية فلكية لا نود الدخول في قضايا شرعية، فعلى الاخوة أصحاب الفضيلة العلماء من مختلف المذاهب الجلوس والتحاور بهذا الشأن للوصول إلى نتائج مرضية.
وأشيد بتجربة المملكة العربية السعودية التي جمعت علماء الفلك والشريعة مما أسهم في الوصول إلى تقويم إسلامي قمري موحد.
إن الكثير من العلماء يشترطون رؤية الهلال بالعين المجردة...
- الرؤية البصرية، للأسف، هي غير منصفة للتقويم الهجري، ولا لتحديد عمر الهلال، وذلك بسبب الأحوال الجوية؛ وخصوصا أن الحسابات الفلكية دقيقة. فحين يكون الهلال على ارتفاع درجتين ولكن عدد مرات الخفوت في منطقة صافية نسبيا هو 16، بينما في المناطق الملوثة يصل مقدار الخفوت إلى 250 الأمر الذي يؤدي إلى حجب الهلال على رغم وجوده فعلا في الأفق! أما عند الغروب فتكون رؤية الهلال أكثر صعوبة- على رغم وجود الهلال في الأفق فعلا - وعندها تنقلب الأرقام إلى 190 و 36000 على التوالي، وهذا ما سيحدث في رصد هلال شهر رمضان (اليوم السبت)، إذ سيكون الهلال على ارتفاع حوالي صفر ونصف الدرجة وسيدعي الكثير بعدم قدرتهم على رؤيته - وهذا متوقع جدا - بينما هو أصلا موجود في الأفق وإنما لا يراه غالبية الناس لخفت الضوء بسبب الملوثات في الغلاف الجوي، ولا يستبعد أن يراه بعض الأشخاص الذين وهبهم الله قدرة بصرية فذة، كما وهب غيرهم في الكثير من الميادين فهناك من يحفظ دليل الهاتف كله وهناك طبيب ياباني عمره 11 عاما يدرس الطب... وهكذا.
هل تختلف دقة الحسابات الفلكية بقرب الفترة أو بعدها عن الحدث؟ بمعنى هل الحسابات الفلكية المتعلقة بهلال الشهر هذا العام أكثر دقة من تلك المتعلقة بما بعد خمس سنوات مثلا؟
- لا يوجد فرق بين دقة هذه أو تلك على الإطلاق، بل يمكنك أن تعد برنامجا في الكمبيوتر وتعطيه المعادلات والقيم كافة ويعطيك النتيجة الدقيقة ذاتها، فالأجرام السماوية لها حركتها المنتظمة.
هناك بعض الاختلافات الدقيقة التي يمكن تضمينها في هذه الحسابات نفسها، كمسألة الانكسار والبعد الظاهري والبعد الحقيقي، فحين تضع عملة في إناء ماء تبدو لك أنها قريبة بينما بعدها الحقيقي أعمق من ذلك، فهكذا هو الغلاف الجوي ومسألة انكسار الضوء وكأنك ترى الشمس في غير موضعها الحقيقي.
هلال العيد
ماذا عن هلال عيد الفطر المبارك المقبل؟
- لا أعتقد بحدوث خلاف بشأن إثبات هلال عيد الفطر المبارك المقبل، لأن الهلال سيكون عمره لحظة غروبه 15 ساعة و37 دقيقة، أي أنه سيكون سميكا وسيمكث - بعد غروب الشمس - 28 دقيقة، علما أنه سيحدث كسوف للشمس قبل ذلك وهو بحد ذاته آية على ولادة الهلال.
ولذلك فإننا إذا بدأنا شهر رمضان (غدا) الأحد سيكون الشهر ثلاثين يوما، بينما إذا بدأناه الاثنين سيكون الشهر 29 يوما.
فضل الله: الاثنين غرة شهر رمضان المبارك
أصدر آية الله السيد محمد حسين فضل الله بيانا أعلن فيه أن أول أيام شهر رمضان هو يوم الاثنين المقبل.
وقد جاء في البيان: «لقد ثبت لدينا بالوجه الشرعي الموافق للحسابات العلمية الفلكية الدقيقة، مع إمكان الرؤية، أن يوم الأحد الموافق 26 أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2003م، هو اليوم الثلاثون المكمل لشهر شعبان، وعلى هذا الأساس فإن أول أيام شهر رمضان المبارك هو يوم الاثنين، الموافق 27 أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2003م، نسأل الله عز وجل أن يعيده على الأمة الإسلامية عامة بالخير والبركة والقوة والوعي والنصر والوحدة».
الشرقي: رؤية الهلال بالعين المجردة والحسابات الفلكية للاستئناس
رأى القاضي في المحكمة الشرعية الشيخ جلال الشرقي أن رؤية الهلال يجب أن تكون بالعين المجردة مستشهدا بحديث الرسول (ص): (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غمّ عليكم فأكملوا العدة)، قائلا «إن العمدة عندنا في رؤية الهلال رؤية بالعين الطبيعية، فقد قال الله سبحانه (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) أي من رأى منكم هلال شهر رمضان».
مضيفا في اتصال لـ «الوسط» «وإن كان الأخذ بالحساب الفلكي جائزا عن بعض العلماء فإن العمدة في رؤية الهلال من قبل شاهدين عدلين، وقد قيل أنه يكفي شاهد عدل واحد في بداية شهر رمضان المبارك ولكن لا بد من شاهدين عدلين في نهايته، أي هلال شهر شوال».
وبشأن رؤية الهلال بواسطة الأجهزة الحديثة أكد على رؤيته بالعين المجردة قائلا «أما النظر إلى الهلال من خلال الأجهزة الحديثة فهو للاستئناس والاطمئنان للرؤية فحسب»، مشيرا إلى أنه «لا فرق بين السنة والشيعة في هذا الموضوع».
المبارك: قابلية الرؤية شرط للأخذ بالحسابات الفلكية
من جانبه قال الشيخ حميد المبارك في حديث لـ «الوسط»: «ان الاختلاف مع «تقويم أم القرى» في المملكة العربية السعودية أنه يرى بأن مجرد ولادة الهلال كافية في إثباته، وبحسب هذا الرأي الفقهي فإن أول شهر رمضان المبارك سيكون يوم الأحد (يوم غد)، ولكن بحسب مباني الفقه الجعفري يجب أن يكون الهلال قابلا للرؤية».
وبذلك يرى المبارك الاعتماد على الحسابات الفلكية شريطة قابلية الرؤية للهلال، حتى في ظل وجود موانع للرؤية كالغيوم ووسائل التلوث وغيرها.
وقد جاء في بيان لموقع المبارك في معرض توضيحه لقول النبي (ص) (صوموا لرؤيته) بأنه لا يزيد على قوله تعالى في سورة البقرة - 187- (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر).
قائلا «إن التبين والعلم سنخ عناوين ظاهرة في الطريقية بحيث لو أريد منه الموضوعية للزم التنبيه على ذلك زيادة على أخذها في موضوع الدليل، فالمعتبر في إثبات الفجر أن نعلم بكونه طالعا في الأفق وإن منع مانع من رؤيته الفعلية كضوء القمر مثلا، وذلك لأن التبين المذكور في الآية الكريمة طريقي لا موضوعي، وكذلك الرؤية في - صوموا لرؤيته - ظاهرة في أخذها على نحو الطريقية، والرؤية كاشفة عن وجود الهلال في تلك المنزلة من الأفق والتي يتحقق بها الخروج من الشهر والدخول في شهر آخر، فلا شك في كفاية العلم القطعي بوجود الهلال في تلك المنزلة، وإن لم يكن ذلك العلم حاصلا عن طريق الرؤية البصرية ولا فرق في ذلك بين أخذها بنحو الموضوعية الطريقية أو الطريقية المحضة وذلك لأننا لو لم نعتبر العلم القطعي للزم انها مأخوذة بنحو الصفتية ولا يتوهم ذلك أحد لأنها لو كانت مأخوذة بنحو الصفتية فإما أن تكون الرؤية مأخوذة بلحاظ بعض المكلفين فقط أو بلحاظ عامة المكلفين، والثاني غير مراد قطعا، والأول الموجب لاحتمال الصفتية فيه».
واستعرض المبارك فتوى للسيد السيستاني سئل فيها «لو حصل الاطمئنان الشخصي بصحة الحسابات الفلكية في ولادة الهلال وكونه قابلا للرؤية بالعين المجردة فهل يمكن الاعتماد على هذا الاطمئنان في اثبات الشهر أو العيد مثلا؟ وخصوصا إذا صدرت عن أهل الخبرة في هذا المجال؟» فكان جوابه: يجوز الاعتماد إذا حصل الاطمئنان، دون الظن وان كان قويا».
وأكد المبارك لـ «الوسط» أنه اعتمد بعد غد الاثنين غرة شهر رمضان المبارك، قائلا «لو شهد أحد برؤيته ليلة الأحد لم يستمع إلى شهادته وذلك لوجود الاطمئنان بكونها مخالفة للواقع»، إذ قال الفلكيون بشبه استحالة رؤية الهلال ليلة الأحد في غضون أربع دقائق بعد غروب الشمس.
المفتاح: لا بأس من الأخذ بأقوال الخبراء الثقة
فيما قال قاضي المحكمة الشرعية فريد المفتاح ان «الهلال - كما ورد في النصوص - بأن يتراءى بالعين المجردة، ولكن مع تطور العصر والعلوم الحديثة والتكنولوجيا فلا بأس من تسخير هذه العلوم والوسائل العصرية من أجل الاتفاق على رؤية الهلال، وليس بالضرورة أن يكون ذلك عن طريق العين المجردة فقط بل لو استخدمت الآلات الحديثة من قبل أناس موثوقين فلا بأس أن نأخذ بأقوالهم إن كانوا من الخبراء الذين أجروا التجارب والعمليات الحسابية الحديثة الدقيقة، فالأخذ بحساباتهم أفضل، خصوصا إذا ما جمعنا بين الحسابات الفلكية والرؤية البصرية معا».
وبشأن رؤية الهلال بالعين المجردة أضاف «في ظل هذا العصر الذي يكثر فيه ضعاف النفوس أجد أنه لا بد من أن يرى الهلال من قبل جهات متعددة وعدم الاكتفاء بشخص واحد أو شخصين».
وفي رده على سؤال بشأن ولادة الهلال فلكيا قال: «يبدو لي إذا كان إثبات الهلال عن طريق خبراء ثقة لهم خبرات عدة في رصد حركة القمر فلا بأس من الأخذ بها، فقديما لم تكن لديهم هذه الآلات الحديثة المتوافرة حاليا»، واصفا الأخذ بها والاعتماد عليها بأنه من «مقاصد الإسلام وغاياته».
وعن ذهاب بعض العلماء إلى عدم الاعتماد على الحسابات الفلكية التي تقول بوجود الهلال من دون إمكان أوقابلية رؤيته بالعين المجردة لعوام الناس، قال المفتاح «لعل هؤلاء العلماء اعتمدوا على صراحة عبارات الحديث الشريف (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غمّ عليكم فأكملوا العدة)، بينما أجد في توضيح قوله (فإن غمّ عليكم) أي متروك إليكم ما هو مناسب وهي مساحة اجتهادية، ومادام لدينا خبراء ثقة وذوو خبرة ودراية يقولون بأن الهلال مولود فأرى الأخذ بأقوالهم، فالذين قالوا بالرؤية البصرية فقط إنما تمسكوا بصريح عبارات الحديث فقط، بينما نحن اليوم نمتلك الوسائل الحديثة والعلم الحديث الذي لم يمتلكه السابقون»
العدد 414 - الجمعة 24 أكتوبر 2003م الموافق 27 شعبان 1424هـ