العدد 414 - الجمعة 24 أكتوبر 2003م الموافق 27 شعبان 1424هـ

الجمعيات النسائية... ما الذي تغير؟

الوسط - منصورة عبدالأمير 

24 أكتوبر 2003

فتح المشروع الإصلاحي لجلالة الملك شهية الكثير من الشرائح والقطاعات والتوجهات لممارسة دورها، فيما التقت فيه وحوله إسهاما منها في دفع عملية الإصلاح هذه، ولم تكن المرأة بمعزل عن واقع تلك الشهية فراحت جنبا إلى جنب الرجل ومن خلال الانخراط في الجمعيات السياسية والاجتماعية والدينية تمارس ذلك الدور، فيما شهدنا توجها مستقلا لبعض تلك الجمعيات بعيدا عن مظلة الرجل وعدم الاكتفاء بالانتساب إلى اللجان في الجمعيات التي تكون للرجل فيها الكلمة الأولى... نفتح هنا ملف الجمعيات النسائية في البحرين في محاولة لتسليط الضوء على حقيقة دورها وآلية عملها والمأوى النهائي الذي يمكن الوصول إليه عبر هذا التعدد في الأنشطة.

التقت «الوسط» بممثلات لجمعيات ولجان عمل نسائية كثيرة - نشأ بعضها في مرحلة الانفتاح والشفافية بينما ولد البعض منذ سنوات طويلة، وقاوم ليبقى في مرحلة مظلمة خنقت فيها الأنفاس وضيقت السبل على كل راغبي التغيير والسير بالمجتمع نحو مستقبل أفضل بشكل عام وعلى رائدات العمل النسائي بشكل خاص - حاورتهن «الوسط» في محاولة لقراءة واقع العمل النسائي واستقراء مستقبله ودراسة إمكانات مشاركة هذا القطاع في صنع مستقبل البحرين... وهو المستقبل الذي تحمل فيه هذه المؤسسات سمة حضارية تجعلها قادرة على التأثير في ما حولها من أمور على مختلف الأصعدة، مستقبل تجسد فيه المرأة تمثيلها لنصف المجتمع وتشارك في وضع سياساته في شتى المجالات... مستقبل تقول عنه رئيسة جمعية المستقبل النسائية انه «مرهون بواقع الجمعيات النسائية»، وهو الواقع الذي نحاول أن نسلط الضوء عليه في حوارنا مع ممثلات جمعية فتاة الريف، اللجنة النسائية بجمعية الوفاق، جمعية المستقبل النسائية، اللجنة النسائية بجمعية التوعية الإسلامية، جمعية نهضة فتاة البحرين، اللجنة النسائية بجمعية الإصلاح، جمعية المرأة البحرينية.

المشاركة صنع المستقبل

بداية يتوجب تحليل واقع هذه الجمعيات والمؤسسات النسائية ودراسة إمكانات مشاركتها ـ وبالتعاون مع مؤسسات المجتمع الأخرى ـ في تحقيق مجتمع مدني ديمقراطي متحضر تحكمه مؤسسات مدنية تقوم على مبدأ المواطنة في علاقة الفرد بالمجتمع، إذ يمكن لأي فرد الانتماء لأي جمعية أو مؤسسة بغض النظر عن انتمائه الطائفي أو الأيديولوجي، وهي المؤسسات التي تحقق مفهوم الحرية السياسية لأفرادها وتمارس أدوارا رقابية على إنجاز وأداء الهيئات الحكومية. فهل تجد ناشطات العمل النسائي جمعياتهن ومؤسساتهن كذلك؟ وهل هي على مستوى المشاركة الحضارية المدنية هذه؟ وما الذي تفعله لدعم مفاهيم المجتمع المدني المنشود؟

ترفض رئيسة جمعية المستقبل النسائية شعلة شكيب، مصطلح «المجتمع المدني» الذي تعتبره مفهوما مستوردا وتطالب باستبداله بمصطلح المجتمع الأهلي، أما المؤسسات النسائية - بحسب قولها - فهي مؤسسات نفع عام وليست مؤسسات مدنية، وبغض النظر عن التسميات، فإن مؤسسات العمل النسائي في البحرين، كما تقول شكيب: «أصبحت بالفعل تمثل مؤسسات مدنية تتوافر فيها شروط الانتساب الحر وإدارة الأمور بشكل ديمقراطي، وهي تمارس دورا شبه رقابي على بعض القرارات التي تصدرها الهيئات الحكومية عن طريق انتقاد بعض الأمور ومحاولة الدفع بعجلة التنمية» وتوافقها رئيسة جمعية المرأة البحرينية نعيمة مرهون، مؤكدة أن ممارسة هذا الدور الحضاري ليس أمرا جديدا على الكثير من الجمعيات النسائية التي قامت بأدوار مشابهة إلى حد كبير بأدوار المؤسسات المدنية حتى في فترات سابقة كانت الحريات فيها محدودة، أما عضو اللجنة السياسية بجمعية «الوفاق» زهراء مرادي فهي ترى أن «المجتمع حين يصف الجمعيات واللجان النسائية بالمدنية، فإنه يضع عليها حملا فوق طاقتها ويجعل منها المسئول الوحيد عن وضع المرأة في البحرين، في حين أنها لا تمثل - في الواقع - سوى قطاعا من قطاعات المجتمع المدني التي تخدم المرأة»، وتتفق معها رئيسة جمعية نهضة فتاة البحرين فريدة غلام، التي اعترضت بشدة على بعض الآراء «المجحفة» التي تتهكم على وضع الجمعيات النسائية وعلى مشاركتها السياسية، والتي لا يتسم أصحابها بموضوعية في تحليل واقع الجمعيات النسائية حين يتغافلون عن صعوبات العمل النسائي وحقيقة المعوقات التي تحيط به، وتضيف غلام «رغم ذلك، فقد زرعت هذه المؤسسات بذور عمل مؤسساتي منظم في فترات كان من الصعب فيها تقبل فكرة التضحية بالوقت والجهد الشخصيين في سبيل خدمة المجتمع، وحين لم تكن هناك مساحة كبيرة من الحرية، والآن - ومع عهد الانفراج السياسي - أصبح لهذه المؤسسات أدوار أكبر وأهم في إصلاح المجتمع وتطويره وحل قضاياه وإشكالاته، إذ ساهمت بالفعل في التأثير على بعض القرارات الحكومية، ولكن في حدود إمكاناتها المتوافرة، كما حدث حين قامت بعض الجمعيات بدعم قانون الأحوال الشخصية والقيام بحملات توعية في الأوساط النسائية»، وترى عضوة اللجنة النسائية بجمعية الإصلاح منى الكوهجي، أن المؤسسات المدنية هي التي تشارك في الشأن المجتمعي والخيري والإنساني وليس السياسي فقط، وتضيف «إن جمعية الإصلاح تسعى دوما إلى تعزيز مفاهيم المجتمع المدني من خلال التعاون مع مؤسسات المجتمع المدني الأخرى ودعم العمل التطوعي الذي يخدم الوطن عن طريق القيام بالأنشطة التوعوية التي تصب في هذا المجال».

المرأة والقرار السياسي

هكذا، وبحسب شهادة ناشطات العمل النسائي اللواتي اتفقن على أن هذه المؤسسات المدنية تمارس دورها بحسب ما تسمح به الظروف المجتمعية، تكون هذه الجمعيات قد خطت أولى خطواتها في سبيل تحقيق ما ترنو إليه، لكن ما حجم المشاركة التي يدور الحديث عنها؟ وما نوع الأدوار المطلوبة لتحقيق عملية المأسسة المدنية هذه؟ أهي المشاركة في الحياة العملية والاجتماعية والتي حققتها المرأة البحرينية منذ وقت مبكر، وبدعم من المجتمع؟ وهل هي المشاركة - مجرد المشاركة - في النضال السياسي؟ أم إنها تقلد مواقع صنع القرار وقيادة دفة التغيير والتطوير في المجتمع؟

تعتبر الكوهجي مشاركة النساء في انتخابات جمعيتها مشاركة في صنع القرار السياسي، أما مرادي فقد اعتبرت المعاناة التي تعرضت لها المرأة في السنوات التي سبقت الحركة الإصلاحية التي قام بها جلالة الملك، مشاركة في صنع القرار السياسي، وتضيف قائلة: «لكن دورها ذلك انحسر في عهد الانفراج، فأصبحت تابعة بدل أن تكون خالقة للقرار السياسي، وليس أدل على ذلك من دورها في الانتخابات البلدية، حين اقتصر على شحن الرأي العام أو الإدلاء بصوتها»، لكن رئيسة جمعية فتاة الريف خديجة الصايغ، ترى أن المرأة تتقلد - فعلا - مواقع صنع القرار السياسي، فقد دعمت قانون الأحوال الشخصية، كما دعمت النساء في الانتخابات، أما رئيسة اللجنة النسائية بجمعية التوعية الاسلامية فتعتقد أن تكليف المرأة بالشأن السياسي ليس من أولوياتها، وأنها يجب ألا تتحمل مسئولية الكثير من الأدوار، الأمر الذي يؤثر على قدرتها على الوفاء بمتطلبات أدوارها الرئيسية كزوجة وأم ومربية وخالقة لجيل صالح، وتضيف «هذا لا يعني انعزال المرأة، بل يجب أن نثقفها ونوعيها فكريا وسياسيا، لكن يجب أن لا تدخل في منافسة مع الرجل لتثبت وجودها فقط» وتفضل أن تقنع الرجال بقضايا المرأة وتجعلهم المدافعين عنها، لكن شكيب ترفض أن تستخدم النساء كوسائل لإيصال الرجل ليدافع عن قضايا قد لا يشعر الرجل بمعاناة المرأة فيها، كما أن من حق المرأة أن تتبنى قضاياها بنفسها، وهناك الكثيرات من النساء ذوات الكفاءة والقادرات على التوفيق بين أدوارهن، وتضيف شكيب «نحن لا نطالب بخروج جميع النساء إلى ميدان العمل السياسي، لكن نتحدث عن عدد لا بأس به من النساء المؤهلات لذلك، واللواتي لا تنقصهن سوى الخبرة التراكمية والوعي بأصول اللعبة السياسية والعملية الديمقراطية وآلية صنع القرار السياسي، ولذلك فإننا بحاجة إلى زرع القواعد الدستورية ضمن ثقافة المرأة وتوعيتها بأدوارها وضرورة التأكيد على عدم تبعيتها للرجل، ولا يعني ذلك الخروج عن خط التيار، بل ضرورة التنسيق بين الطرفين مع الاحتفاظ باستقلالية رأي المرأة وقناعاتها»، وتتفق غلام مع شكيب في أن المرأة تنقصها الثقافة في هذا المجال، كما تتفق مع مرادي على أن المرأة كانت لها مشاركات، وان دورها انحسر بشكل كبير، وترجع السبب إلى المجتمع الذي يرفض إعطاء المرأة هذه الأدوار القيادية، ولا يعترف بقدراتها ولذلك «يجب أن تكون هناك آلية واضحة لدعم المرأة على المستويين الاجتماعي والتشريعي، فتدعم المرأة ماليا واجتماعيا، كما توضع التشريعات التي تفتح الباب للنساء القادرات على خوض مجال صناعة القرار، ولعل أهمها نظام «الكوتا» الذي سيساهم بشكل كبير في منح الفرصة للعناصر المؤهلة، وسيقنع المجتمع بقدراتهن، وتتفق معها جميع ممثلات الجمعيات على ضرورة تطبيق هذا النظام، رغم انه - كما تقول شكيب - لا يتفق مع دستورنا البحريني الذي ينص على تكافؤ الفرص، لكن بالاطلاع على تجارب دول عربية وأوروبية أخرى، «نرى أنه الطريق الوحيد لإيصال المرأة إلى مواقع صنع القرار، حتى لو اعتبره البعض تفضل ذكوري، فإذا كان ذلك هو الطريق الوحيد ليقتنع المجتمع بكفاءة بعض النساء، فإننا نقبل بهذا التفضل الذكوري»، لكن جمعيهن يؤكدن أن تطبيق هذا النظام يجب أن يكون مؤقتا حتى تحصل المرأة على احترام المجتمع لقدراتها. أما الكوهجي فترى أن استخدام نظام «الكوتا» في الوقت الحالي سابق لأوانه، مؤكدة على انه ينم عن يأس من المرأة البحرينية وقدراتها، وتؤكد «ضرورة إعطاء المرأة فرصة قبل أن نحكم عليها بالفشل».

المرأة... التشريعات... الواقع

هكذا يتضح من الحوار أن هذه المؤسسات - التي تعتبر نفسها دعامة من دعامات المجتمع المدني - مغيبة في الواقع عن مواقع صنع القرار السياسي، وان تغييبها هذا ليست له أية شرعية دستورية، تقول عضوة الجنة النسائية في جمعية الإصلاح منى الكوهجي: «نعتقد أن دستور البلاد قد أعطى للمرأة حقها السياسي بوضوح ومن غير لبس، ولكن يبقى التطبيق بيد المجتمع الذي مازالت نظرته للمرأة فيها القليل من الظلم»، وتضيف رئيسة جمعية نهضة فتاة البحرين فريدة غلام «مشكلتنا اجتماعية وتحتاج إلى الصبر والى تقديم نماذج راقية من النساء، كما أننا بحاجة إلى دعم من الحكومة ومن الجمعيات الأخرى ومن المثقفين». وفي مقابل التفاؤل النسبي لغلام، تبدو رئيسة جمعية المستقبل النسائية شعلة شكيب متشائمة حين تقول: «لا يمكننا الاعتماد على بنود مكتوبة بينما أدوارنا في الواقع مهدرة... القانون يمنحنا الكثير لكن السلطات التنفيذية لا تساوي بين المرأة والرجل، ونظرة منا إلى وزارات الدولة سنجد أن عدد النساء في المراكز القيادية قليل جدا»... هكذا يبدو أن المشكلة الأولى تكمن في المجتمع الذي يتخذ من موروثه الديني والثقافي، - بحسب كلام عضو اللجنة السياسية بجمعية «الوفاق» زهراء مرادي «ذريعة له لكي يحرم المرأة من حقوقها»، وقد بدا ذلك واضحا في معركة الانتخابات - بحسب رأي رئيسة جمعية المرأة البحرينية نعيمة مرهون - إذ فضل الكثيرون انتخاب الرجال غير المؤهلين على نساء ذوات كفاءة عالية، كما أن الكثير من النساء اتخذن من الايديولوجية معيارا لتفضيل مرشح على الآخر، بينما تتفق مرهون ورئيسة جمعية فتاة الريف خديجة الصايغ على أن النساء يجب أن يتحيزن للنساء الأخريات، حتى لو لم يكنّ مقتنعات بكفاءتهن أو مختلفات في التوجه أو الأيديولوجية معهن لأنهن يرين في ذلك الطريق الوحيد لإيصال المرأة إلى مواقع صنع القرار، وغلام تتفق مع كل من شكيب والكوهجي ومرادي على أن الكفاءة تأتي أولا، لكن غلام تضيف «كان بإمكان الجمعيات الدينية أن تؤثر بشكل ايجابي في فوز بعض النساء اللواتي شهد الجميع بكفاءتهن واللواتي ينتمين إلى التوجه والايديولوجية ذاتهما، لكن هذه الخطة لم تطبق على رغم أن الخطاب الرسمي ـ بشكل عام - بدا وكأنه يدعم المرأة، لكن على مستوى التطبيق لم يكن هناك أي دعم». وبغض النظر عن دعم المجتمع، فإن النساء أنفسهن لم يكنّ مقتنعات بزميلاتهن اللواتي تقدمن بترشيح أنفسهن، إذ لم يجدن في أيٍّ منهن كفاءة، ولذلك لم تدل الكثيرات منهن بأصواتهن للمترشحات بل أن البعض - كالكوهجي - أرجعت ذلك إلى المنافسة الشديدة في بعض الدوائر التي ترشحت فيها النساء، والى إحجام التيار الإسلامي عن الترشح، على رغم أن الكثير من الجمعيات النسائية قدمت دعما كبيرا للمترشحات وقامت بدور توعوي بشأن أهمية هذه الانتخابات وبشأن أساسيات العملية الانتخابية كجمعية المستقبل النسائية وجمعية نهضة فتاة البحرين اللتين تعاونتا مع المجلس الأعلى للمرأة في تقديم ما يمكنهما للمترشحات والناخبات.

هكذا بدت عدم ثقة المجتمع بالمرأة والموروث المجتمعي الذي تتحدث عنه مرادي، هو السبب الذي حرم المرأة من الحصول على جزء من حقوقها، وتعود أسباب عدم الثقة بشكل كبير - كما تقول - إلى تدني ثقافة المرأة ووعيها بذاتها وحقوقها وأدوارها، ولكن مهما تم تفسير ذلك وصبغه بأية صبغة، فإن هذا الواقع يحدد مهمة أخرى من مهمات المؤسسات النسائية، ألا وهي خلق ثقافة واعية بحقوق المرأة وأدوارها وبقضيتها ككل بين الأوساط النسائية أولا، كاللبنة الأولى في طريق خلق امرأة جديدة، وكما تقول شكيب لا يمكن الاعتماد على التشريعات السياسية لتأمين حقوق المرأة السياسية... بل يجب أن تكسب المرأة دعم جميع فئات المجتمع واقتناعهم بكفاءتها... فماذا يلقي كل ذلك على عاتق هذه المؤسسات النسائية؟ وما هي الأدوار التي تسعى ناشطات العمل النسائي لإيجادها للمرأة في بحرين المستقبل؟

يتفق الجميع على الرغبة في تحقيق صورة المرأة القائدة الرائدة التي تتقلد مواقع القيادة في الجوانب الاجتماعية والسياسية، ويتفقون على أن ذلك يلقي بثقل كبير ومسئولية عظمى على جميع فئات المجتمع، ولذلك تتكفل معظم الجمعيات بتثقيف المرأة وتوعيتها، منها جمعية المرأة البحرينية التي لا تتوقف أبدا عن عملية التثقيف هذه في جميع المجالات، وليس أدل على ذلك ـ كما تقول مرهون ـ من الحملة التثقيفية التي قامت بها الجمعية لدعم قانون الأحوال الشخصية... وترى مرهون أن أهم أدوار المرأة تتحقق عن طريق خروجها للعمل لتشعر بقيمتها، وتشكل قوة أكبر، وبالتالي تنتقل للمرحلة الثانية وهي الوصول إلى المراكز القيادية ومواقع صنع القرار، أما غلام فترى انه يجب توعية المرأة بنفسها والعمل على تثقيفها في جميع المجالات، خصوصا القانونية منها والحقوقية، وتعريفها على تجارب النساء الأخريات سواء في الدول العربية أو دول العالم الأخرى، كما يجب على الجمعيات توجيه برامج توعية واستخدام لغة خطاب غير متعال، وعليها أن تضع الخطط التي تناسب جميع المستويات، مع احترام ثقافة المجتمع وايديولوجياته لضمان الوصول إلى اكبر قطاع ممكن من النساء البحرينيات، وتوافقها مرادي على ضرورة وضع الاستراتيجيات لخلق ثقافة جديدة، وتؤكد على ضرورة تطوير الجمعيات لأهدافها ولآليات العمل بها واستراتيجيات تحقيق هذه الأهداف. أما رئيسة اللجنة النسائية بجمعية التوعية الاسلامية فترى أن المجتمع يضع الثقل بأكمله على الجمعيات النسائية متناسيا ضرورة دعمه للمرأة، ولذلك فإنها تطالب الجمعيات والمؤسسات المدنية الأخرى والمؤسسات الحكومية في المجتمع بإيجاد سبل للتعاون وتنسيق الجهود مع الجمعيات النسائية.

حلفاء جدد

ولكي تتمكن هذه الجمعيات من التأثير بشكل أكبر ومن نشر ثقافة نسائية واعية بأفضل ما يمكن، عليها أن تعمل على زيادة حلفائها وأنصار قضيتها من الجانبين الرجالي والنسائي، فالرجل كان مغيبا عن العمل النسائي الذي كان عملا أنثويا بحتا يناقش جميع شئون المرأة المنزلية والأسرية بطريقة أو بأخرى، الأمر الذي حرم العمل النسائي من ثقة النصف الآخر في المجتمع واقتناعه بقدرة النساء على خوض مجالات أكبر وأوسع، كما حرم العمل النسائي من الكثير من العناصر الشابة اللواتي يحملن أفكارا جديدة مختلفة تماما في العمل التطوعي الذي يشمل قضايا المرأة عامة ويدعم مشاركتها في الحياة بشكل عام.

التطوير الذي يمكن أن يتم من خلال تحديث وتجديد أهداف هذه المؤسسات، التي تقر بعض ممثلاتها أنها لم تتغير عبر السنين، أو أن تغييرا بسيطا طرأ عليها، تغيير لا يتناسب مع الحركة الإصلاحية التي يسعى الجميع إلى تفعيلها والوصول إلى مراميها البعيدة، ولكن حين يدور الحديث عن استقطاب الفتيات الشابات، تجزم «الممثلات» أن هناك نسبة كبيرة من الفتيات بين عضوات جمعياتهن، والكثير منهن جامعيات بحسب قول عباس، بل أن معظم عضوات اللجنة النسائية بجمعية الإصلاح كما تقول الكوهجي من الفتيات الشابات، لكن هل يكفي مجرد انتساب الشابة لجمعية ما أن تكون الجمعيات قد استقطبت فئة الشابات ووصلت إليهن؟ أم أننا نتحدث عن الشابة الفاعلة التي تؤمن بجميع مبادئ الجمعية وترى فيها ما يحقق طموحاتها كشابة فاعلة في جميع مجالات الحياة حولها؟

وحين نتساءل: ألا يعتبر إنشاء جمعيات نسائية متخصصة ذات أهداف محددة، تهتم بشئون المرأة في قطاع معين، وسيلة فعالة لمساعدة الجمعيات النسائية التي تقوم حاليا بحمل جميع ملفات المرأة؟

تجيب شكيب ان الوقت لم يحن بعد لتخصص الجمعيات النسائية، وإن ذلك يمكن أن يتم «عند ما تكون هناك آلية واضحة للعمل المشترك، وعندما ينشأ الاتحاد الديمقراطي غير الإقصائي» وتتفق معها مرادي التي تؤكد ضرورة التخصص في ظل التحديات الموجودة، ولكن بعد تحديد الأولويات وبناء الملفات التي تتناسب مع قناعات كل جمعية، وترى عيسى أن التخصص مطلوب وانه سيساعد على اندماج بعض الجمعيات ذوات التخصصات المتشابهة، وهو أمر إيجابي سيوحد الجهود وسيقوي العمل النسائي، أما مرهون والصايغ فترفضان التخصص لأنهما تريان أن قضايا المرأة متداخلة، إذ لا يمكن الاهتمام ببعضها وإهمال البعض الآخر، وتضيف مرهون «لن يكون ذلك ممكنا إلا إذا استطعنا خلق كوادر نسائية على مستوى عال، وهذا الأمر يتطلب سنوات طويلة»... وفي مقابل ذلك تأتي دعوة غلام إلى التخصص الأقوى من كل الدعوات إذ تقول: «اعتقد أننا وصلنا إلى مرحلة التخصص في المشروعات، خصوصا في الجمعيات ذات العدد المحدود التي تتخصص في قضايا الدفاع عن حقوق المرأة وهي القضايا التي تتخاطب مع الذهن... يجب التوجه نحو هذه الأمور وخصوصا مع انتشار المفاهيم الحقوقية وتحديد الأدوار النمطية ضمن ثقافة المجتمع».

الاختلاف بروح حضارية

وفي إطار التنسيق مع مؤسسات الدولة، وهو التنسيق الضروري اللازم لتحقيق أحد مفاهيم وشروط المؤسسة المدنية، نجد أن المؤسسات النسائية هذه تشتكي من عدم تحققه، ومن وجود الكثير من المعوقات التي تمنع إتمامه، بل وتعتبره مرادي طرحا مثاليا جدا في دولة مثل البحرين التي تهيمن فيها السلطة التنفيذية على المؤسسة التشريعية - بحسب رأيها - فأي تنسيق تتوقعه المؤسسات النسائية كمؤسسات نفع عام؟!

وتطالب مرادي المجتمع عموما، وناشطات العمل النسائي خصوصا بحمل نظرة واقعية وعدم التفاؤل بخصوص التنسيق مع مؤسسات الدولة... أما عيسى التي تسبق الحوادث فتقول: «حين تنجح عملية التنسيق مع الحكومات، يجب على مؤسسات الجمعيات المدنية أن تحافظ على استقلاليتها وألا تذوب في المؤسسات الحكومية،... والإصرار على تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص، فالجهات الرسمية تتحيز إلى جهات معينة، كما أن الجمعيات النسائية لا يتاح لها التحدث في الإعلام، بل يقتصر الأمر على بعض الفئات... فمن كان يعرفنا قبل أن نأتي هنا إلى الصحيفة»... وفي مقابل اتفاق الجميع على غياب التنسيق مع مؤسسات الدولة، تؤكد الكوهجي وجود تنسيق مباشر مع المؤسسات الحكومية أو تنسيق يتم من خلال وزارة العمل على أساس أنها المؤسسة المعنية بالجمعيات الخيرية.

الاتحاد والتنسيق الاستراتيجي

أما فيما يتعلق بالتنسيق بين الجمعيات النسائية وبعضها بعضا، وإن كان تنسيقا استراتيجيا أم انه آني يخدم ظروفا محددة، ترى الكوهجي أن هناك تنسيقا متواصلا بين الجمعيات الإسلامية واللجان النسائية فيها أما التنسيق العام بين مختلف الجمعيات فهو تنسيق ضعيف ولا يمكن وصفه بالاستراتيجي، أما عيسى فتؤكد ضرورة التنسيق الاستراتيجي بعيد المدى وضرورة فهم هذه العملية التي لا تعني تشابه هذه المؤسسات بل أن التنسيق يركز على الأمور التي تحتاج جهودا مشتركة كالخطاب الرسمي أو الإعلامي أو تمثيل تيار معين أمام الجهات الرسمية، وتستدل شكيب على ضرورة عملية التنسيق بما يدور الآن بين الجمعيات الإسلامية من محاولة لتنسيق جهودها في محاولة لتقوية صوت المرأة الملتزمة» بعد أن كان مغيبا لفترة طويلة، وبعد أن كانت الساحة محتكرة من قبل فئات معينة»، وتعتبر شكيب هذا التنسيق، استراتيجياَ بعيد المدى، لكنها تأسف على فشل محاولات التنسيق بين الجمعيات الإسلامية والجمعيات الممثلة للتيارات الأخرى إذ تقول: «لا تزال هناك بعض مؤسسات المجتمع المدني التي تتشدق بالديمقراطية وبكونها مظلة للمرأة البحرينية، لا تزال تفرض علينا إقصاء حواري وترفض الدخول في حوار معنا لمناقشة أمور مفصلية مهمة في العمل النسائي».

أما مرادي فترى أن مسألة التنسيق ينظر إليها من زاوية البقاء للأقوى والأفضل، لكن في الفترة السابقة انشغلت كل التيارات بالصراعات الداخلية الأمر الذي أجهد العاملات في هذا المجال وضيع جهودهن... وتتساءل مرادي عن سبب عزوف الجمعيات النسائية عن التنسيق وتوحيد الجهود وهو الأمر الكفيل بفرض كيان المرأة».

التنسيق في نظر غلام «يتضح بشكل أكبر في يوم المرأة العالمي لكنه تنسيق آني يتم في القضايا الملحة الآنية وليس هناك تنسيق استراتيجي... أملنا في الاتحاد النسائي الذي سينسق عمل الجمعيات وسيؤطر جهودها».

هكذا نجد أن واقع العمل النسائي والمرحلة الحالية التي يمر بها يتطلب قيام اتحاد نسائي عام يضم في عضويته جميع نساء البحرين دون تمييز... فما موقف الجمعيات النسائية من هذا الاتحاد؟

تقول شكيب: «الاتحاد النسائي هو الأم الحاضنة للمؤسسات النسوية، ولا يعني دخول أي جمعية في الاتحاد النسائي في مجتمع ذي أطياف وأيديولوجيات متعددة، انصهارها فيه، ولكن أن ندعم القواسم المشتركة». وتدعو شكيب القائمات على الاتحاد إلى عدم إقصاء أي تيار نسائي وإلا فإن تسميته بالاتحاد الديمقراطي، ليست في محلها، وتتفق معها عيسى على أن «صدقية الاتحاد تتوقف على تمثيله لجميع التيارات النسائية في المجتمع البحريني وقبوله بواقع الساحة البحرينية»، وتؤكد الصايغ أن الاتحاد سيعطي قوة أكبر للعمل النسائي وسيوحد الجهود، وتضيف مرهون موثقة كلام زميلتها في جمعية فتاة الريف «وسيعطي قوة أكبر على مستوى تمثيل المرأة للبحرين في الخارج»، وتعطي غلام تفصيلا مبسطا لمهام المجلس فترى أن «دوره في المرحلة الأولى دور تنسيقي لكنه سيطور الجمعيات للوصول إلى مرحلة الاندماج إذ تنحل الجمعيات وتصبح فروعا من الاتحاد النسائي».

أخيرا، فإن هذه المحاولة لاستقراء واقع الجمعيات والمؤسسات النسائية لا يمكن أن تكون وافية لواقع العمل النسائي بأكمله، وهي لا تغطي سوى قطاع بسيط من قطاعات مجتمعنا، لكنها محاولة قد تشجع العاملات في هذا المجال وتعطيهن شيئا من الأمل بواقع أفضل للمرأة البحرينية، وتخلق لديهن طموحات أكبر قد لا تكون موجودة على أجندة العمل النسائي اليوم، كمرادي التي تعتقد ضرورة إلغاء ما يسمى بـ «لجان شئون المرأة» ودمجها في اللجان الأخرى لتنخرط كل امرأة في اللجان التي تتناسب مع طموحاتها وتوجهاتها، وتركز مرادي في كلامها ذلك على المرأة التي تنتمي إلى مجموعة سياسية يعمل فيها الرجال إلى جانب النساء.

ما تبقى الآن هو ما يتوجب على رائدات العمل النسائي عمله، إذ من المؤمل أن تحسم الأمور، بالتركيز على التنسيق بين مختلف الأطراف ومحاولة التقريب بين الجمعيات للالتقاء عند أفضل السبل التي تدفع بواقع المرأة البحرينية إلى المستقبل المنشود

العدد 414 - الجمعة 24 أكتوبر 2003م الموافق 27 شعبان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً