العدد 415 - السبت 25 أكتوبر 2003م الموافق 28 شعبان 1424هـ

الأفلام الكوبية... نافذة على مجتمع متغيّر

في العقود الأربعة الماضية، قدمت كوبا مجموعة جميلة من الأفلام التي تصور التحديات الاجتماعية لشعبها في عالم متغير. وتعطي هذه الأفلام مشاهديها فرصة ليلاحظوا التطورات في هذا المجتمع الثوري من وجهة نظر منتجي الأفلام الكوبيين في القرن العشرين، الذين يضعون المشاهد في موقع شخصيات الفيلم ليرى بعين الشخصيات الكثيرة الموجودة في هذه الأفلام شرائح المجتمع مثل البرجوازيين المنحطين، ومن تبقى من النساء الساقطات أخلاقيا، والمثاليين الاشتراكيين.

ان حقائق هذه الشخصيات تكشف الصراع العام بين الروح الانسانية الهشة وتلك التي لا تكل ولا تتعب. من بين هذه الأفلام The Twelve Chairs ، I am Cuba ، Death of a Bureaucrat, Lucia, Memories of Underdevelopment, The Last Supper, Elpidio Valdes, Portrait of Teresa, Elpidio Valdes vs Dollar and Cannon, Francis Ford Coppola.

هذه الأفلام تعتبر محاولة من مخرجيها وكتابها لتعريف المشاهدين بواقع الحياة في المجتمع الكوبي والتغيرات التي مرت بها هذه الجزيرة الكاريبية ومدى تأثيرها على حياة سكانها.

أحد هذه الأفلام The Tweleve Chairs الكوميدي الذي اخرجه في العام 1962 توماس غويتيريز آليا، تدور قصته حول امرأة عجوز ثرية، تقرر قبل وفاتها ان تخبئ مجوهراتها في قاعدة أحد الكراسي الانجليزية الموجودة في منزلها، وبعد وفاتها يحاول مالك المنزل القديم وهو تاجر جشع وسائق العجوز السابق وهو أحد الثوار الماكرين، وراهب مراوغ، ان يعثروا على المجوهرات المخبأة، وهكذا يبدأ الجميع رحلة يائسة للعثور على هذا الكنز، تحدث خلالها الكثير من الحوادث الحمقاء والطائشة.

يعتبر هذا الفيلم المصور بالأبيض والأسود أحد أوائل الأفلام الروائية التي صورت بعد الثورة، وهو مقتبس من الرواية الروسية الكوميدية الشهيرة The Twelve Chairs التي ألفها الكاتبان الروسيان ايلف وباتروف، الفرق الوحيد بين الكتاب والفيلم هو ان قصة الكتاب تحدث في فترة بدايات الثورة الروسية اما الفيلم فتدور مجرياته في الستينات وعند بدايات الثورة الكوبية، وقد تم انتاج فيلم روسي مشتق من القصة نفسها في العام 1970 وهو من اخراج ميل بروك ولكن الفيلم الكوبي أفضل بكثير بسبب ما يحمله من سياقات ثقافية، إذ انه يمثل عملا هزليا يسخر من الثوار الكوبيين ومن معارضي الثورة أيضا أو القائمين بثورة مضادة، ومن جشعهم الذي أثر على المجتمع الكوبي بأسره.

ومن الأفلام الأخرى التي تمثل نقاطا مهمة في تاريخ السينما الكوبية فيلم Soy Cuba (I am Cuba) ويدور هذا الفيلم الملحمي الشعري الذي أخرجه المخرج الكوبي ميخائيل كالاتوزوف في العام 1964، حول الثورة الكوبية من وجهة نظر أربع شخصيات، يتم استعراض قصة كل شخصية في مقطع منفصل، وقد اخرج المقطع الأول من الفيلم اثنان من كبار المخرجين، هما: فرانسيز فورد كوبولا، ومارتين سكورسيسي. وتدور القصة الأولى حول استغلال الثورة الكوبية للنساء على أيدي الامبرياليين المؤيدين للاستعمار الأميركي، وفي تصوير المخرجين لهذا التدهور الاخلاقي، يتم تحديد الشخصية الرئيسية وهي امرأة ساقطة، تعيش في جزيرة استولى عليها الاستعمار قرونا كثيرة.

أما القصة الثانية فتدور حول فلاح شاب يعاني من حقيقة الرأسمالية القاسية يفقد كل ما يملك حينما يقوم مالك الأرض التي يعمل فيها ببيع كل شيء الى شركة أميركية كبرى. في حين تدور القصة الثالثة حول طالب شاب يحارب في هافانا ضد باتيستا، وفي النهاية يكتشف انه كان يحارب طوال هذه الفترة من أجل بلاده.

أما القصة الأخيرة فتدور حول أحد الفلاحين يرفض الالتحاق بإحدى المعارك الحربية وأخيرا ينضم الى الثوار بعد تدمير منزله بالقنابل الأميركية ويتعلم كيف يصبح بطلا حين يهزم قوات الباتيستا.

كان من المفترض ان يدور الفيلم حول الثورة الاشتراكية، وقد اعتبره البعض مروجا لدعاية معينة في الفترة التي عرض فيها، ولكن اسلوب تصويره كان جميلا جدا ومميزا ويحمل الكثير من الابداع والابتكار لدرجة أن المخرجين الكبيرين فرانسيز فورد كوبولا ومارتين سكورسيسي عرضاه في عدد من المدن الأميركية وهي المرة الوحيدة التي يشتركان فيها في عمل فيلم معين. اعتبره الكثير من المخرجين احد الأفلام التي حققت رواجا كبيرا ومنهم بول اندرسون الذي قام بتقليد أحد مشاهد الفيلم ليقدمه في فيلمه Boogie Nights وقد اعترف بذلك لاحقا.

ويعتبر هذا الفيلم أحد الأفلام الوطنية الكوبية وهو انتاج مشترك بين الاتحاد السوفياتي وكوبا. الفيلم من اخراج روسي ولذلك فعلى رغم كون قصة الفيلم مقنعة فقد اتبعت الاسلوب السوفياتي سابقا، أما مؤلف قصة الفيلم، انريكو بينيدا، فقد قال اذا كان الفيلم يحمل خللا روائيا فان ذلك يعود الى ان الروس ارادوا ان يؤكد الفيلم شرور الأميركان وقد بدا الأمر كارتونيا هزليا الى حد ما. ويضيف قائلا: الحقيقة هي انه في الوقت الذي تلتزم فيه صناعة السينما الكوبية بالانتاجات المشتركة لأسباب فنية ومادية، فإن الزوار الأجانب لم يفهموا ذلك حتى المتحمسون منهم للفيلم، كما ان الفيلم لم يكن قادرا على الذهاب الى ما وراء الصورة التي تتكون في ذهن المسافر عن الجزيرة التي ورثها شعر الثورة السوفياتية من زيارة مياكوفسكي في العشرينات.

المصور الروسي استاذ محترم دائما في حلقات الأفلام، بحيث بدا عمل الكاميرا وتحركاتها مميزا ومتطورا جدا قياسا بالتقنيات والمعدات التي كانت معروفة في ذلك الوقت.

Death of a Bureaucrat (La muerte de un burocrate)

يعتبر هذا الفيلم الكوميدي الذي اخرجه توماس غويتريز آليا في العام 1966 دعاية لصالح الولايات المتحدة، وهو يعلن في هذا الفيلم ولاءه لتاريخ الأفلام الكوميدية من التقاليد الفوضوية التي كانت سائدة في بونويل وفيغو، الى تحفة بيلي وايلدر الهجائية واساتذة الأفلام الأميركية الصامتة الكوميديان هارولد لويد وبستر كيتون. وتدور قصة الفيلم حول محاولة شاب محاربة النظام بعرض صاخب وممتع للبيروقراطية السريعة وخيانة الجناح الأحمر. خلطة مغامرات مليئة بالعنف والهزل والكوابيس المليئة بالمخاوف، وكل ذلك يجعل هذا الفيلم الكوميدي ثريا وممتعا ويمتلئ بالمواقف المضحكة.

يموت عم البطل في بداية الفيلم ولأنه كان من العمال النشطين أثناء الثورة، يدفن مع بطاقة العمال الخاصة به. وبما أن أرملته لا تستطيع الحصول على النفقة من دون البطاقة، ما يجعل ابن شقيقه يذهب الى المقبرة ليفتح القبر ويحصل على البطاقة، وهذا يقوده الى جميع انواع البيروقراطية التي تتحول الى جنون في نهاية الفيلم.

فيلم ظريف للغاية ولكن ما يجعله مهما هو انه اسس لوجود أفلام السخرية والهجاء في السينما الكوبية. فعندما أراد كاسترو ان يمارس دورا رقابيا على الأفلام تساءل الناس عن سبب دعم عدد من كتاب السينما ومخرجيها لهذا القرار، والسبب يعود إلى ان بإمكانهم الانتقاد ماداموا يقدمون مشاهدات وآراء بناءة تدعم النظام في نهاية المطاف وسيتمكنون من معرفة كل الأنظمة عن طريق انتقادهم لها لكن من دون طرح بدائل أفضل. ولهذا نجد الكثير من انتقاد الذات في السينما الكوبية ولكن بهدف تحسين مجتمعهم وعدم تغييره بالكامل (ومع ذلك فإنهم جميعا شيوعيون). هذه طريقة أكثر تحررا من تلك الموجودة في الكثير من الدول الشيوعية ولهذا يحترم الكثير من الناس السينما الخاصة بهم باعتبارها وسيلة اعلام ودعاية (على رغم ان الجميع مذنبون لخلق دعاية خاصة في الولايات المتحدة)

العدد 415 - السبت 25 أكتوبر 2003م الموافق 28 شعبان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً