العدد 415 - السبت 25 أكتوبر 2003م الموافق 28 شعبان 1424هـ

السينما الكوبية تسخر من واقع مرير

محطة حافلات قديمة آيلة إلى السقوط تقع في إحدى ضواحي هافانا هي أفضل موقع لإلقاء نظرة على الحياة في كوبا، الجزيرة الكاريبية ذات الحكم الشيوعي.

هياكل سيارات يعلوها الصدأ تحتشد خارج أحد المباني، وجدران متقشرة تغلف غرفة انتظار بالية، ملصق دعاية شيوعية يحث على اتباع الصرامة في التعامل مع الأمور، يزين لوحة الإعلانات، والى جانبه تحذير للمسافرين بعدم البصق أو الانحناء على الحائط.

يمكن أن يشير المشهد أعلاه إلى محطة عبور ريفية في كوبا أثناء فترة الركود القاسية التي عانت منها كوبا منذ انهيار كفيلها الاقتصادي، الاتحاد السوفياتي، في العام 1990، لكنهفي واقع الأمر يشير إلى كازينو قديم مهجور منذ أكثر من أربعين عاما أي منذ اندلاع الثورة الكوبية في العام 1959، تحول بعدها إلى محطة للحافلات من أجل تصوير فيلم Waiting List وهو أحد أفلام السينما الكوبية ذات المستوى الفني الجيد والموازنة الضعيفة.

ويعتبر هذا الفيلم الكوميدي الذي أنتج في العام 1999، من بين الأفلام التي حازت على استحسان عالمي كفيلم «Strawberry and Chocolate» و«Guantanamera»، وهو يقدم تصويرا شجاعا ومليئا بالعواطف للصعوبات اليومية في كوبا.

السخرية الاجتماعية تلامس الجروح

يتتبع هذا الفيلم فترة انتظار مجموعة من الكوبيين للمواصلات العامة، وهي مشكلة معروفة في كوبا يعاني منها معظم سكان الجزيرة البالغ عددهم 11 مليون شخص، كما يتطرق إلى العلاقات الطبيعية الناشئة بينهم وتطوراتها.

ويتمثل عامل الجذب الأكبر في هذا الفيلم في اجتماع اشهر نجوم كوبا، يورغي بيريوري، وفلاديمير كروز، للمرة الأولى منذ أن تم ترشيح فيلم Strawberry and Chocolate لنيل جائزة الأوسكار.

ويلامس فيلم Waiting List بعض الجروح الكبيرة بسخريته من نظام المواصلات في كوبا، ولكن منتجيه أكدوا بحماس كون الفيلم دراما إنسانية بقدر كونه سخرية اجتماعية.

يقول المخرج جوان كارلوس: «قصة الفيلم متفائلة وتحمل الكثير من الأمل، وهو فيلم يقترح الكثير من الأشياء، من بينها أن المشكلات لا يمكن أن تحل إلا بطريقة جماعية، وبالتماسك بدلا من التنافس». وتعتبر هذه الرسالة اعتيادية ورديئة في شعب يتميز بتماسكه الشديد منذ أن تولى الثائر فيديل كاسترو السلطة في العام 1959.

مخرج الفيلم تابيو هو من بين أفضل مخرجي كوبا، وقد شارك في إخراج فيلم Strawberry and Chocolate في العام 1993، وفيلم Guantanamera في العام 1994 مع المخرج الراحل توماس غويتيريز اليا الشخصية البارزة في السينما الكوبية لعقود كثيرة حتى وفاته في العام 1996.

ويعتبر فيلم العام 1993، الذي يدور حول الصداقة بين فنان شاذ وشاب شيوعي، مغامرة جريئة من قبل السينما الكوبية التي تسيطر عليها الحكومة، وقد حصل على استحسان كبير في الخارج.

أما فيلم Guantanamera فيسخر من بيروقراطية الدولة، ومشكلات المواصلات بطريقة صاخبة لكنها شديدة التأثير، وذلك عن طريق استعراض محنة عائلة تحاول نقل جثمان أحد أقاربها من احد جوانب الجزيرة إلى آخر لتدفنه.

اسم الفيلم مأخوذ من أغنية كوبية شهيرة تتحدث عن فتاة من اقليم غوانتنامو، وقد حصل الفيلم على استحسان المشاهدين الكوبيين، وكذلك في الخارج، لكنه حصل أيضا على توبيخ علني من كاسترو في خطبة ألقاها في العام 1998.

وقد أزعجت تعليقاته تلك الفنانين والمثقفين في الجزيرة، فقام الرئيس بحركة غير اعتيادية إذ دعى بعض الفنانين إلى لقاء خاص، والأمر الذي لا يثير الدهشة هو أنه يصعب الحصول على نسخة من فيلم Guantanamera في كوبا.

مرآة الابتسامات والآلام

يقول الممثل بيروجويا الذي شارك في الفيلمين إن الفيلم الجديد Waiting List ليس محاولة لإثارة جدل سياسي بل لتسهيل حياة الكوبيين.

ويضيف قائلا: عندما يشاهد الناس الفيلم، ويمرون بعدها بمواقف لا رغبة لهم فيها، فإن الأمر سيكون أخف وطأة عليهم، على الأقل سيقولون هذا الموقف يذكرنا بالفيلم وسيبتسمون في وسط المرارة والألم... أعتقد انه إذا ساعدتنا السينما على أن نعيش حياتنا، فسنحقق القليل من الأمور، إذ لا يمكننا أن نفعل الكثير من خلال السينما ... إذا أردت أن تغير شعبا فيجب أن تصنع ثورة، لكننا نصنع أفلاما».

أما المدافعون عن قطاع السينما المحلية، والمراقبون التابعون لمركز صناعة الفن والسينما الكوبية التابع للدولة ICAIC، فيرون أن السينما تحمل أصولا قوية في الانتقاد الاجتماعي والتفكير المستقل منذ تأسيسها بعد شهور من اندلاع ثورة كاسترو.

يقول تابيو: «إنهم يشيرون على سبيل المثال إلى فيلم المخرج الراحل غويتيريز The Death of a Bureaucrat(1966) الذي يسخر من طبقة الموظفين، ومنذ ذلك الحين حتى الآن، أصرت السينما الكوبية على وظيفتها في مهاجمة الواقع الكوبي بطريقة انتقادية تشجع على التفكير وتحاول أن تحرك الناس».

أما النقاد وخصوصا معارضي كاسترو الأجانب والحزب الشيوعي الحاكم فيجادلون بأن صناعة السينما الكوبية مكممة حتما إلى حد معين بسبب مراقبة الدولة، ولكن المحللين السينمائيين يدركون أن الأفلام المحلية ترجع إلى البدايات في مجتمع مراقب بشدة.

يقول خبير الأفلام الأميركية اللاتينية والتلفزيونية اندرو باكسمان: «إن التصور السائد خارج كوبا هو أن السينما، وربما الموسيقى أيضا، هي أكثر المواد الإعلامية الكوبية تحررا وأقلها خضوعا للرقابة»، ولكنه يضيف أنه على رغم كل السخرية الاجتماعية التي تزخر بها هذه الأفلام فإن الأفلام الكوبية لا تتعرض أبدا للسؤال الأكبر وهو كاسترو نفسه.

الممثل الكوبي كارلوس كروز، الذي لعب دور رجل دولة بيروقراطي في فيلم Guantanamera، رسم صورة متجهمة لقطاع الأفلام المحلية بعد إعلان قراره بطلب اللجوء السياسي في الولايات المتحدة خلال رحلة قام بها إلى ميامي في العام 1999.

وفي مقابلة أجرتها معه صحيفة El Nuevo Heraldالمعارضة لكاسترو، قال كروز إن الفنانين في كوبا مسحوقون ويعانون ضغوطا كثيرة من السلطات، وأضاف متحدثا عن راتبه الذي يصل إلى 300 دولار أميركي كمثال، وهو الأجر الذي حصل عليه من لعب دور البطولة في فيلم Guantanamera «هناك عشرات من الفنانين الكوبيين الذين يعيشون تحت ظروف سيئة... إن السينما الكوبية تتعرض لضغط حكومي كبير كما أن الناس يخشون من أن تتم استثارة غضب الزبون بفيلم انتقادي» والزبون الذي يقصده كروز هو كاسترو الذي يجد نفسه دائما على صواب.

التغلب على الرقابة

أما بيروجوريا، صديق كروز وزمليه، فقد دافع عن الالتزام الاجتماعي الموجود في السينما الكوبية، لكنه اعترف -بصراحة لا يسمح لها إلا بمن هم في مثل موقعه - بأن الفنانين يجب عليهم أن يقاوموا الرقابة أحيانا.

وأضاف قائلا: «السينما الكوبية لا تخدع أي أحد، بل هي سينما يرى فيها الناس انعكاسا لأنفسهم، وهذا لا يعني أنه لا توجد أفلام في كوبا تم منعها من قبل الرقابة، أو انه لا يصعب على بعض المبدعين أن ينفذوا بعض المشروعات، بل ويستحيل عليهم ذلك في بعض الأحيان».

يقول تيتون: «هذا صحيح، الرقابة موجودة في كوبا كما هي موجودة في أي مكان آخر، ولكن بالنسبة لي فإن الميزة هنا تكمن في جودة وموهبة المبدعين وتمكنهم من التغلب على الرقابة، وهذا الأمر ممكن هنا».

وفيما يتعلق بالسياسة، فإن صناعة السينما الكوبية لاتزال تحمل سمعة جيدة لإنتاجها أفلاما جيدة بشكل منتظم في ظل ظروف اقتصادية صعبة.

يقول باكسمان، الذي كان كاتبا في مجلة Variety التي تصدر في هوليوود «تاريخيا، كان لكوبا دائما موقع خاص في سينما أميركا اللاتينية لأنه على رغم إنتاجها المحدود، فقد استمرت في تقديم أفلام جيدة».

وأضاف قائلا: «على رغم ذلك فإن نجاح فيلم Strawberry and Chocolate لم يتكرر، اما فيلم Life is Whistling الذي حاز الجائزة الأولى في مهرجان هافانا السنوي للأفلام وذلك في العام 1998، فلم يحصل على الكثير من الاستحسان في الخارج».

ومنذ ان غطست كوبا في الركود بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، توجب على مركز صناعة السينما الكوبية ICAIC أن يبحث عن تمويل من الخارج، وهو الأمر الذي قدم انتاجات مشتركة، وخصوصا مع إسبانيا، فجاء فيلم Waiting List بموازنة مشتركة تصل إلى 1,5 مليون دولار بمشاركة اسبانية، وفرنسية، ومكسيكية

العدد 415 - السبت 25 أكتوبر 2003م الموافق 28 شعبان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً