طبيعة الحياة ومستلزماتها المادية أوقعت الكثير من الأشخاص في فخ الديون لعدد من المصارف بأموال كانوا قد اقترضوها لمساعدتهم في شراء سيارة أو منزل أوغيره... ولكن من غير الطبيعي أن يدين عدد من الأشخاص لاحدى الوزارات بأموال يدفعونها على مدد تتراوح بين 15 و55 سنة.
الأشخاص الذين نحن بصدد الحديث عنهم هم مجموعة من المتفوقين الذين ابتعثتهم وزارة التربية والتعليم للدراسة على حسابها، وكأي مبتعثين آخرين فقد ألزمتهم الوزارة ضمن أحد شروط العقد بالعمل لديها «مدة تعادل مدة البعثة أو نصف المدة بالنسبة إلى المنحة الدراسية متى كانت هناك الوظيفة الشاغرة المناسبة لدراسته، ويجوز للوزارة الترخيص للمبتعث بالعمل فعلا لدى إحدى وزارات الدولة أو مؤسساتها في حال وجود تلك الوظيفة الشاغرة»، كما تضمن البند أنه «في حال امتناع المبتعث عن العمل بأحكام المادة، فإنه يلزم بتأدية جميع النفقات والرواتب التي دفعت له خلال مدة إيفاده».
8 أشخاص من أصل 27 عرضوا مشكلتهم التي باتت تؤرقهم وتثقل كاهلهم بالدفع شهريا إلى الجهة التي كان من المفترض أن تمنحهم مكافأة من دون رد مقابل بعد أن قضوا سنين دراستهم عازمين على تحقيق تفوق يشرفهم ويشرف بلادهم، وغالبتهم نال شرف مصافحة يد امير البلاد في حفل تكريم عيد العلم.
علي الصباح (تخصص هندسة كهربائية)، يقول: «بعد تخرجي من الجامعة التحقت بالعمل مدرسا لدى وزارة التربية لمدة سنة واحدة، ثم تمكنت من الحصول على فرصة وظيفية أفضل فقدمت استقالتي، إلا أن الوزارة رفضت قبولها إلا بعد أن أدفع المبالغ التي دفعتها لي خلال سنوات دراستي. فكان أن اتفقت مع الوزارة على أن أدفع مبلغا شهريا قدره 30 دينارا مدة 30 سنة!!»
وأضاف: «الغريب أن الوزارة تدعي حاجتها لنا لسد الشواغر، والمفترض أنها في هذه الحال تعمل على توظيف بحرينيين، ولكن الملاحظ أنها تستورد المدرسين الأجانب على رغم الأعداد الهائلة من الخريجين العاطلين عن العمل».
دفعت قيمة 3 سنوات مهدورة
عبدالله يعقوب سنان (تخصص هندسة ميكانيكية)، يقول: «نظام الزام المبتعث بالعمل في الوزارة بعد تخرجه لم يطبق إلا في العام 1981، أي أن الخريجين قبل هذا العام (فلتوا) من من هذا النظام، وكانت الوزارة قد ابتعثتني للدراسة في بريطانيا بإحدى الكليات لأتمكن من الحصول على دبلوما عليا أو بكالوريوس، إلا أني فوجئت بعد دراسة مدتها 3 سنوات أن الوزارة لا تعترف بالشهادة التي تمنحها هذه الجامعة، ما يعني ضياع ثلاث سنوات من عمري، فكان أن تم تحويلي إلى الدراسة في جامعة أخرى لمدة أربع سنوات، وبعد تخرجي عملت لدى الوزارة لمدة 6 سنوات ونصف، ثم قدمت استقالتي لأعمل في شركة أخرى، ولو كنت أثناء فترة عملي بالوزارة أعامل مهندسا وليس مدرسا لكنت استمريت في وظيفتي بالوزارة، إلا أن حرماننا نحن المهندسين من الحصول على المزايا التي يحصل عليها المهندسون في وزارات أخرى هو ما دفعنا إلى البحث عن أعمال أخرى».
ويضيف: «فوجئت بعدها بالوزارة تطالبني بدفع مبلغ مالي شهريا لمدة ستة شهور على اعتبار أني درست مدة سبع سنوات على حسابهم، على رغم أن السنوات الثلاث الأولى ضاعت هدرا»، وقال: «كان مجموع المبلغ الذي أعطي لي بعد استقالتي كمكافأة نهاية الخدمة لا يتجاوز مبلغ الخمسين دينارا...»
مبالغ «مؤبدة»!
حسين علي الزاير (خريج هندسة ميكانيكية)، يقول: «ابتعثتني الوزارة للدراسة في جامعة البحرين مدة خمس سنوات حصلت خلالها على البكالوريوس، وبعد تخرجي عملت في الوزارة مدة عامين، قررت بعدها العمل في شركة ألبا والاستقالة من الوزارة، إلا أن الوزارة طالبتني بتوقيع أرصدة مالية على أن أدفع لهم مبلغ 100 دينار شهريا، وحتى الآن دفعت لهم مدة 10 سنوات ومازلت أدفع لهم لمدة 15 سنة مقبلة!!»
الوزارة ليست بحاجة لنا
حبيب إبراهيم عاشور (خريج فيزياء)، تخرج من جامعة البحرين في العام 1994، والتحق بالعمل مدرسا في الوزارة مدة عامين ونصف، ثم أعارته الوزارة للعمل في إحدى المدارس الخاصة لمدة ثلاث سنوات، ثم التحق بالعمل في جامعة البحرين في العام 2001.
يقول عاشور: «طالبت الوزارة بالحصول على استقالتي منذ التحاقي فعلا بالجامعة حتى أحصل على حقي في التقاعد، إلا أنهم رفضوا اعطائي إياها إلا بعد أن أدفع مبلغ 1375 دينارا، أي انهم استغلوا حاجتي لحقي في التقاعد ضدي...».
ويضيف: «الوزارة تتعلل باجبارنا على دفع مبالغ دراستنا بأننا استقلنا في الوقت الذي هي بحاجة إلينا لسد شواغرها، إذا لماذا وافق مدير المدرسة على استقالتي لو كانت فعلا الوزارة بحاجة لي؟»
خريجون لم يلتزموا بالعقد
حسين محمد (خريج حاسب آلي)، يقول: «عملت في الوزارة مدة ثلاث سنوات إلى أن حصلت على وظيفة أفضل في وزارة أخرى، وبطبيعة الحال طالبتني الوزارة بدفع مبالغ السنوات المتبقية من دراستي التي لم أعمل خلالها في الوزارة ومدتها سنة ونصف بمبلغ يقدر بـ 2000 دينار».
ويضيف: «عملية تقدير المبالغ المالية التي تنتهجها الوزارة تتم بطريقة حساب عشوائية، وهم يتعللون بأن هذه المبالغ تدفع كدعم للجامعة، فهل مجموع الطلبة المبتعثين الذين لم يعملوا في الوزارة منذ العام 1981 وهي أول سنة طبق فيها النظام وحتى العام 2003 هم 27 خريجا فقط؟!».
ويؤكد: «هناك الكثير من الأشخاص الذين ابتعثوا من قبل الوزارة ولم يلتزموا بشرط العمل فيها بعد تخرجهم، اذ لم يتعرضوا لملاحقات من قبل الوزارة اسوة بنا... فهل هذا عدل؟».
«الواسطة» لها دور
عادل غلوم محمد (خريج فيزياء - علاج أورام)، يقول: «التحقت بالدراسة في جامعة البحرين مدة خمس سنوات، وعملت في وزارة التربية مدة سنة واحدة التحقت بعدها بالعمل في وزارة الصحة، إذ ان تخصصي الدراسي نادر واستمراري في التدريس بالمدارس يعتبر اجحاف بحقي، ما اضطرني إلى دفع مبالغ دراسة أربع سنوات، وذلك لأنه ليست لدي (واسطة) على حد قول أحد المسئولين بالوزارة الذي نصحنا بالحصول على واسطة في الوزارة حتى يلغى عنا دفع هذه المبالغ...».
هندسة زراعية - مدرس إنجليزي!
عباس عرفات (تخصص هندسة زراعية)، درس مدة خمس سنوات في مصر، يقول: «وبعد سنة من عملي في وزارة الأشغال والزراعة، طالبتني وزارة التربية بالعمل لديها مدرسا، وفي حال رفضي ترفع ضدي دعوى في المحكمة أو ان أدفع تعويضا لها عن سنوات دراستي».
ويواصل حديثه: «التحقت حينها مجبرا بتدريس مادتي العلوم والرياضيات مدة ستة أشهر، قدمت بعدها استقالتي بعد أن طلب مني تدريس مادة اللغة الانجليزية، فهل من العدل أن أكون مهندسا زراعيا وأدرس لغة انجليزية؟!»
مضيفا أن الوزارة طالبته بدفع 13 ألف دينار لمدة 20 عاما، مهددة إياه بسجن والده على اعتبار أنه كفيله في حال عدم التزامه بالدفع في الوقت المحدد من كل شهر. متسائلا: «هل هذه مكافأة الدولة لنا على تفوقنا الذي حرصنا على الحفاظ عليه طوال سنين دراستنا، حتى أننا صافحنا يد الأمير الراحل خلال تكريمنا في حفل عيد العلم...».
ضياع أوراقي هو السب
عادل غلام يدفع إلى الوزارة يدفع شهريا مبلغ 75 دينارا على مدى 15 عاما، ويقول: «عملت في الوزارة مدة 4 سنوات، إلا أنني حين طالبت بالاستقالة، تعللت الوزارة بضياع أوراقي، فهل يمكن في وزارة مهمة مثل التربية ان تضيع أوراق أحد موظفيها؟! المهم أن محامي الوزارة طلب مني كتابة رسالة تظلم إلى الوزير السابق، حتى أتمكن من الحصول على اعفاء من دفع هذه المبالغ (...) إلى أن تم تحويل قضيتي إلى المحكمة وطالبتني الوزارة بدفع مبلغ 75 دينارا شهريا لمدة 15 عاما...».
«التربية» ترد
وفي رد لوزارة التربية جاء فيه أن مضمون الاتفاق الموقع عليه من هؤلاء المبتعثين على نفقة الوزارة يتضمن في المادة الثالثة منه النص على التزام المبتعث بالعمل لدى وزارة التربية والتعليم مدة متصلة تعادل مدة ابتعاثه، ويعني ذلك أن المبتعث ملزم بالعمل لدى الوزارة مدة موازية لمدة ابتعاثه أيا كان وقت هذه المدة سواء كانت بعد التخرج مباشرة أو في وقت لاحق.
وعليه فإذا أراد المبتعث أن يعمل لدى جهة أخرى فعليه دفع تكاليف نفقات البعثة بصورة كاملة إلى وزارة التربية. فالمبتعث أمام خيارين فإما أن يعمل لدى الوزارة مدة موازية لمدة ابتعاثه وله الحرية بعد ذلك في الانتقال كيفما شاء إلى أية جهة أخرى، وإما أن يقوم بدفع التكاليف كاملة بعد خصم المدة التي عمل خلالها لدى الوزارة والانتقال إلى أي مكان آخر يرغب فيه وليس لدى الوزارة أية استثناءات بشأن هذا النظام.
أما بخصوص ادعائهم بأن الوزارة سمحت لبعض المبتعثين بالانتقال والعمل لدى وزارات أخرى دون تحملهم أية نفقات فكان الرد كالآتي:
ان الأصل هو التزام المبتعث بالعمل لدى الوزارة مدة موازية لمدة ابتعاثه على نفقتها، ومع ذلك يجوز للوزارة الترخيص لهذا المبتعث بالعمل في مكان آخر أو لدى وزارة أخرى أو أية جهة حكومية في حال عدم وجود الوظيفة الشاغرة المناسبة لدراسته أو عدم الحاجة إليه أصلا.
النائب الأول يتدخل
من جهته اعتبر النائب الأول لرئيس مجلس النواب عبدالهادي مرهون قضية هؤلاء الخريجين قضية عادلة وحقيقية، وهي احدى القضايا التي يجب ألا تتأخر وزارة التربية في وضع حلول لها، على اعتبار أن من درسوا معهم وتخرجوا حصلوا على مزايا لم يحصل عليها هؤلاء، فهم منسيون من قبل الوزارة التي لم تطالبهم بالدفع اسوة بغيرهم.
مضيفا أن الكثير من الدول ترسل متفوقيها للدراسة وتدربهم دون مقابل على اعتبار أنهم مكسب لوطنهم. وهؤلاء الخريجون حينما التحقوا بأعمال أخرى أزالوا عبئا عن المؤسسات الرسمية في إيجاد عمل لائق بهم واعتمدوا على أنفسهم في البحث عن أعمال تتناسب مع كونهم طلبة متفوقين، في دول أخرى يبتعثون لإكمال دراستهم في الخارج من دون شروط.
مؤكدا ضرورة أن تعاملهم وزارة التربية معاملة تليق بهم لأنهم يسهمون في بناء حضاري للوطن، إذ ان غير ذلك يعتبر تمييزا في الحقوق والواجبات بين المواطنين، وخصوصا أنهم لم يتأخروا في دراستهم، وإنما كانوا من المتفوقين. فكيف تجازيهم الدولة بدفع تكاليف دراستهم، في حين أن غيرهم ممن تخرج معهم وتنطبق عليهم الشروط نفسها عاملته الوزارة بأسلوب أفضل؟
وأشار مرهون إلى أنه في الوقت الجاري يجري الاتصال بالمؤسسات الرسمية لايجاد حل مناسب لهؤلاء الخريجين من خلال قنوات المجلس، وما يجب على الوزارة الآن هو الاستجابة لحل مشكلتهم، ونتوقع استجابة من الوزير ماجد النعيمي الذي عودنا دائما تفهمه الكبير لمصلحة المواطن بشكل عام.
أعلنت ادارة الشئون الثقافية والبعثات بوزارة التربية والتعليم وجود سبع شواغر في المنح الدراسية لخريجي الثانوية العامة (بنين وبنات)، وذلك للفصل الثاني للعام الجامعي الحالي 2003/2004 وهي منحة للبنين في الشريعة بجامعة الامام محمد بن سعود لخريجي علمي وأدبي، ومنحة للبنات في العلوم الحيوية الطبية بجامعة قطر لخريجات علمي، ومنحتان للبنين والبنات في الادارة العامة بجامعة الكويت لخريجي العلمي، ومنحتان للبنات في علم النفس بجامعة الكويت لخريجات الادبي، ومنحة للبنين في الاحصاء التطبيقي بجامعة الكويت لخريجي العلمي.
وأهابت الادارة بالطلاب والطالبات من خريجي الثانوية العامة العام 2003 اصحاب المعدلات 90 في المئة فأكثر الراغبين في الاستفادة من هذه المنح الشاغرة مراجعة مكتب الاستقبال بادارة الشئون الثقافية والبعثات في مبنى الوزارة بمدينة عيسى في موعد اقصاه الاحد 9 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، مصطحبين معهم الاوراق الثبوتية شاملة صورة من إفادة التخرج وصورة من جواز السفر وصورة من البطاقة السكانية
العدد 425 - الثلثاء 04 نوفمبر 2003م الموافق 09 رمضان 1424هـ