منذ ان تلقى الرسام الملكي انذارا قضائيا في العام 1848 لمحاولته بيع نسخ من مخططات رسوم خاصة للملكة فيكتوريا وذريتها، فان العائلة الملكية تخوض معركة مستمرة لمنع الموظفين من تسريب وكشف أسرارها الشخصية.
وقد استخدمت العائلة الملكية عددا من الوسائل في هذه الحرب، من الإلزام باتفاقات محددة بشأن السرية إلى قانون حقوق الطبع. ولم يشعر قصر ويندسور بالخصوص فيما مضى إلا بالقليل من وخز الضمير عند اتخاذ اجراءات صارمة لسد أفواه الموظفين، من الحراس الشخصيين إلى الخدم، الذين قد ينتفعون ما يعرفونه من قضايا شخصية.
وبدأت الحقبة الحديثة من معركة الأسرار الملكية في العام 1950، عندما أقدمت مربية الملكة، ماريون كراوفورد، او «كراوفي»، على نشر مذكراتها عن سنوات عملها الـ 17 كخادمة ملكية.
«كراوفي» كما أسمتها الأميرة الشابة اليزابيث حينذاك، استطاعت أن تكسب مبلغ 30 ألف جنيه استرليني من الكتاب، «الأميرات الصغيرات»، ولكنها حرمت من الدائرة الملكية إلى الأبد. وعندما ماتت لم تكلف العائلة الملكية عناء إرسال باقة من الزهور إلى قبرها.
هذه الواقعة فرضت وضع بنود متعلقة بالسرية على الاتفاقات الموقعة مع العاملين في هذه الدائرة، ما أعاد إلى التاريخ تقاليد الاعتماد على صمت وركون شخصيات «الأمعات» التي تتلقى مبالغ زهيدة. وفي السبعينات كسب أحد خدم الأمير تشارلز مبلغ 100 الف جنيه لنشره كتابين في اميركا اعتمدا على تجاربه الخاصة. ولكن بدأ في نشر الكثير عن حياة تشارلز في كبره وأثار حفيظته، كانت الحارسة السابقة ويندي بيري. فعندما نشرت كتابها: «مذكرات حارسة»، في الولايات المتحدة العام 1995، أصدر قصر سانت جيمس أمرا قضائيا يحصر للامير جميع الفوائد ويحظر بصورة فعالة على بيري العيش في بريطانيا بتهديدها بدخول السجن لاهانتها المحكمة.
وفي الأخير سمح لها الامير بالعودة مقابل تعهد بعدم الكشف عن أي أمور أخرى. ومازال الكتاب الذي يحتوي على تفاصيل تتعلق بعلاقة الاميرة ديانا مع جيمس هيويت، يمنع بيعه في بريطانيا.
مثل هذه الحوادث ادت إلى مراجعات دورية من قبل المحامين الملكيين، لاتفاقات لا تقبل الجدل يوقعها كل من يعيش في البيت الملكي. آخر هذه المراجعات تبعت نشر مذكرات الخادم الملكي بول بوريل الشهر الماضي، التي تسببت في إدخال بند جديد يفرض 250 الف جنيه على من يقوم بكتابة «جزء كبير» (من القصة). ولكن انتقادات النظام تشير إلى المنافذ أوالتناقضات في فرض الاتفاقات. وعلى رغم الاستشهاد بالرسائل المكتوبة لدوق ادنبرة إلى ديانا في كتابه، فان قصر بكنجهام لم يتخذ اجراء ضد بوريل بدعوى حقوق الملكية.
وسبق للقصر الملكي قبل ثلاث سنوات ان قرر عدم اتخاذ إجراء ضد باتريك جيبسن، السكرتير الخاص السابق للاميرة ديانا على كتابه: «ظلال أميرة»، الذي صورها امرأة وحيدة وأحيانا متمردة منتقمة. ولم يتعرض المؤلف لاجراء قضائي بعد ان رشح انه عمل لديانا لمدة سبع سنوات دون ان يوقع أي بند سري. ولكن عندما نشر ضابط الحماية السابق كين ويرفي مذكراته العام الماضي عن فترة حراسته لديانا، أثار رد فعل قوي في قصر سانت جيمس، بما فيه شكوى من تشارلز لاسكوتلنديارد، والذي هدد بدوره باجراء ضد ويرفي.
برشلونة - اليزابيث ناش
شهدت كتالونيا انتخابات محلية مهمة جدا، إذ ينتظر إبعاد الوطنيين المحافظين العصيين على الهجوم حتى اليوم، وذلك على أيدي الاشتراكيين للمرة الأولى منذ سنوات الجمهورية في الثلاثينات من القرن الماضي.
وهذا التغيير الزلزالي المتوقع في اغنى الأقاليم الإسبانية يستحثه تقاعد الرئيس الكتالوني المحنك جوردي بوجول بعد 23 عاما من الحكم، ما يطرح السؤال عن دستور البلاد المرن في مرحلة ما بعد فرانكو.
الرئيس المحافظ والهادئ بوجود تحرك بصورة متواصلة ضد الحكومة المركزية في مدريد لامساكها بالقوى والأموال التي يزعم انها كتالونية. وخليفته الأرجح هو القائد الاقليمي الاشتراكي باسكال مارجال، المعروف دوليا كعمدة حوّل برشلونة. وانتهاز فرصة لعقد دورة الالعاب الأولمبية العام 1992، استطاع مارجال البالغ من العمر 62 عاما، ان يحقق ثورة بالمدينة فيحوّلها من حال ركود إلى ديناميكية.
ويكمن وراء سلوك مارجال وخطابته المتذمرة عامل حديد مع مهارات سياسية تم شحذها في ايام الجنرال فرانكو المهلكة. فعندما يفكر حزب العمال الجديد بانتخاب عمدة لندن، فإن النموذج الذي يتطلع إليه هو مارجال. وعندما تتطلع لشبونة ملخص للواجهة المائية لمعرض «اكسبو 98»، فإنها تزور برشلونة للحصول على الإلهام.
وعموما فإن مارجال من الصعب ان تكون لديه الحرية المطلقة لإعادة سحره على المستوى الكتالوني الواسع. فالوطنية قد نمت وزادت راديكاليتها في فترة بوجولن وإذا كان لاستطلاعات الرأي ان تحظى بالثقة فان مارجال من الأرجح ان يحكم بائتلاف مع الحزب الانفصالي اليساري القوي، المسمى اسكويرا ريببليكانا، (أو اليسار الجمهوري)، وربما مع التحالف الشيوعي الأخضر، المبادرة من أجل التغيير.
واليسار الجمهوري ربما يقرر دولة كتالونية مستقلة أكثر منها مجرد قبعة في يد مدريد، لما يعتبره ملكا له. وصرح زعيمه جوزيف كارود روفيرا قائلا: «لقد أذعنا بما فيه الكفاية». ووعد بالدعوة لاجراء استفتاء شعبي على الوضع الجديد للاستقلال الذاتي.
وتضع استطلاعات الرأي اشتراكيي حزب ماجال على قدم المساواة مع حزب الاتحاد والتقارب الحاكم، الذي يقوده حاليا ارتور ماس، الذي التقطه بوجول بعد ان حطم الرجل السياسي القديم الكثير من خلفائه الكبار. ولكن الاستطلاعات لا تعطي أيا من الحزبين مقاعد تكفيهما للحكم بمفردهما. وجمع الجناح اليساري هو وحده ما يكفل بتحقيق الغالبية الواضحة.
ويتحدث الوطنيون عن تحويل كتالونيا إلى أمة ذات سيادة، «بالاتحاد» مع إسبانيا. ، واشتراكيو مارجال يريدون استعادة القوى «المتآكلة» ولكن لا يذهب أي كتالوني إلى العمل العسكري المسلح مقارنة مع حركة «إيتا» الباسكية الانفصالية. وهو كفاح يتركز حول الهوية والمال، ولا يرغب أحد بسفك قطرة دم.
والشكوى الكبرى في كتالونيا هي ان مدريد تجمع الضرائب في الاقليم و«تأخذ» نصيب برشلونة، ولكن كتالونيا ترى انها غرفة العمليات المحركة للاقتصاد الوطني،والاقليم الاكثر ازدهارا في إسبانيا، ودائما ما تشكو من قلة التغيير. وصرح ماجال الاسبوع الماضي قائلا: «اننا بحاجة إلى تغيير مهم في المصادر، ونحن لا نتلقى كل ما نحتاج إليه إطلاقا».
والكتالونيون يريدون ان يزيدوا من ضرائبهم الخاصة -كما يفعل الباسكيون بحسب حق قديم - ثم يرسلون نصيبا إلى مدريد.
هذا المشهد أزعج مدريد إلى درجة دفعت بحكومة خوسيه ماريا أثنار إلى التحذير من حدوث أزمة دستورية، على رغم ان ماجال قال إن الخطة تتطلب فقط «شرح الدستور» بصورة مطاطة. ووجه اللوم إلى أثنار لإثارته تعاطف الانفصاليين، وقال: «هناك تراجع في الاعتراف بأن إسبانيا دولة نقية. فإسبانيا مصابة بالامساك، وما هي إلا خمس سنوات أخرى من حكم أثنار حتى تنفجر».
ويذكر ان الدستور الديمقراطي لإسبانيا أقر في العام 1978 في أعقاب وفاة الديكتاتور الإسباني السابق الجنرال فرانكو الذي يسجل له حفاظة على وحدة البلاد.
ينشر المقالان بالاتفاق مع صحيفة «الاندبندنت» البريطانية
العدد 432 - الثلثاء 11 نوفمبر 2003م الموافق 16 رمضان 1424هـ