يظهر علينا الصحافي عبدالله العباسي من خلال كتاباته بين فينة وأخرى بموضوعات تضعه في صف الموسوعيين، يبحر في جميع المجالات، لكني ولأول مرة أعرف بأنه كان دونكيشوتا في الإمارات، وأعجبت بحماسة الشاب في تلك الفترة وسعيه لمساعدة (جمعية الفنون الشعبية في عجمان) ودهشت لتحوله من صحافي صغير إلى مهندس يكون له قرار بناء صالة مسرح، وهو أمر يتطلب حتى من المهندس المعماري التخصص فيه، وإني أتساءل كيف استطاع الجمهور أن يستمتع بحضور عروض مسرحية في صالة من الصفيح، من دون أن يسرعوا بعدها إلى اقرب مستشفى لمعالجة ألم رؤوسهم وآذانهم لأنه في هذه الحال سيكونون كمن وضع في علبة من الصفيح يدق عليها بعصي نتيجة الاهتزازات الصوتية والصدى.
ثم يتطرق إلى موازنة مشروع مسرح البحرين الوطني وكأنه الوحيد الذي يملك الحلول، وأتوقف لحظة لأسأل: هل اطلعت يا أستاذنا الكبير على مخطط مشروع المسرح الوطني منذ بدايته حتى الآن، لتلقي اتهاماتك جزافا على من يعملون بصمت واخلاص في سبيل إنجاز صرح حضاري يفخر به أبناء هذا البلد ويحقق حلمنا كمسرحيين؟ إن التشكيك في نزاهة العاملين في المشروع على صفحات الصحف يتطلب منك (وأنت الصحافي الكبير) وثائق ودلائل وبراهين تثبت هذه الادعاءات.
فإن كنت تملكها فإني اطالب وبشدة إبرازها ليتبين الأمر ويبث فيه قضائيا، لهذا أصر وكمواطنة على معرفة أسماء هؤلاء المحترمين كما تدعي الذين سيدخل الجزء الأكبر من موازنة المسرح الوطني في جيوبهم. هل هم اللجنة المكونة من خيرة المهندسين البحرينيين والأجانب من وزارة الإسكان والأشغال؟ أم من وزارة المالية؟ أم من قطاع الثقافة والتراث الوطني في وزارة الإعلام؟ علما بأن هناك متابعة قانونية لأية خطوة في أي مشروع.
إن هذا الاتهام أخطر من أن يسكت عنه. من ناحية أخرى يتساءل العباسي بدهشة عن حجم المبلغ الذي سيتكلفه بناء مسرح وطني في بلد صغير مثل بلدنا؟ أرجو منه الإطلاع أولا على الأسعار العالمية لمواد البناء ومتطلبات تجهيز أي مسرح حديث بالتقنيات الحديثة للإضاءة والصوت وغيرها.
ولعلمه فإن البلد الذي بني فيه مسرح الصفيح يشيد حاليا مسارح تتجاوز كلفتها المئة مليون. وليسمح لي العباسي أن أقول له أن صالة مسرح الجزيرة التي شيدت بجهد يشكر عليه أعضاؤه، ليست بالمواصفات المطلوبة ولا تمثل أدنى الشروط التي تجعل منها صالة عرض مسرحي. بل هي صالة صغيرة قد تلبي احتياجات عروضهم ولإقامة الندوات والتدريبات. وتشكل جزءا من مبنى مسرح الجزيرة.
فهل هذا ما نطمح إليه كمسرح وطني مع اعتذاري وتقديري لأعضاء مسرح الجزيرة؟ أما اقتراح العباسي ببناء ستة أو سبعة مسارح تملك للفرق المسرحية، ومسرح مركزي (للعروض الكبرى؟) فهو أمر يدعو إلى السؤال. إذا كان عدد المسارح الأهلية في البحرين أربعة، فلمن تبنى المسارح الأخرى؟ وإذا كنا كمسرحيين قد صبرنا كل هذه السنوات لإيجاد صالة عرض تفي باحتياجات العروض المسرحية، وتكون صرحا حضاريا تفخر به بلدنا، ويستكثر العباسي صرف هذا المبلغ على المشروع، فإنني أرجو منه (وهو الخبير في ذلك) نشر تقديره لموازنة بناء ستة أو سبعة مسارح حديثة ومجهزة، تملك وبكل حب للمسارح الأهلية. بالإضافة إلى مسرح مركزي للعروض الكبرى.
لنرى كيف يستطيع إنجاز كل هذا بالمبلغ المرصود لمشروع المسرح الوطني. أما إذا كان الأمر فقط ملء العمود اليومي في الصحيفة فإني أرجو أن يستمع إلى ما قاله بريشت: (عندما يجد الممثل نفسه غير قادر على العطاء، فإن الوقت قد حان لينزل عن الخشبة) وإذا كان العباسي لا يجد ما يغني به القارئ فربما قد آن الأوان لينزل عن خشبة الكتابة.
كلثوم أمين
مخرجة مسرحية
العدد 461 - الأربعاء 10 ديسمبر 2003م الموافق 15 شوال 1424هـ