العدد 471 - السبت 20 ديسمبر 2003م الموافق 25 شوال 1424هـ

أوروبا تحتاج قيادة وليس دستورا غير متقن

لماذا السعي لوضع دستور أوروبي؟ لقد دعمت صحيفة «الاندبندنت» منذ فترة طويلة الفكرة، ولكن كان قصدها وضع وثيقة تنتمي بصلة وثيقة إلى الشعوب الأوروبية وان تنص بلغة واضحة لا لبس فيها على ما هو الاتحاد وما هي مقوماته. ان الوثيقة التي يساوم عليها القادة الأوروبيون الأسبوع الماضي لا تمثل ذلك الدستور. لقد دعمناها بقليل من الحماس لانها على الأقل محاولة للجمع على نحو شامل شروط المعاهدات المتعددة. وانها لفرصة ملائمة لمحاولة عصرنة هياكل الاتحاد بينما يستعد عشرة أعضاء جدد للانضمام اليه في الصيف المقبل.

لقد عارضنا طلب الاستفتاء في بريطانيا ليس لاننا نعارض المبدأ بأن يرتكز الاتحاد على اجماع واضح لشعوبه، ولكن لانه يعتبر محاولة صريحة للصراع ثانية على النظرية القديمة عما اذا كانت بريطانيا يجب ان تكون في المجتمع الأوروبي على الاطلاق. وليس من الخطأ ان نفعّل تلك النظرية، ولكن من الخطأ استخدام هذه الوثيقة (الدستور) لذلك الغرض.

لغة منمقة

كان من المفترض ان يحدث فرق كبير اذا ضُمّن مطلب الاستفتاءات - في جميع الدول الأعضاء - كتابة في شروط وضع الدستور في المقام الأول. إذ سيقود ذلك إلى تركيز الاذهان بأعجوبة على حقيقة الشرعية الديمقراطية بدلا عن لغة الدستور المنمقة. وكما هو متوقع، فإن الاقتباس من شيديديز الذي يزين التمهيد لمسودة الدستور زخرفي بالكامل. إذ يعلن: «دستورنا... يسمى ديمقراطية لان السلطة ليست في ايدي أقلية، ولكن في ايدي الغالبية»، هذا تعبير غني قليلا اذا اخذنا في الاعتبار ان هذا الدستور معد في الواقع بواسطة اقلية صغيرة للغاية، اجتماع تمت تسمية أعضائه بواسطة حكومات ووجوده مجهول للغالبية التي باسمها يتناقشون. من دون القاعدة المعروفة بأن نصوص الدستور يجب التصديق عليها - بجميع اللغات الرسمية للاتحاد الموسع البالغ عددها 20 لغة - بواسطة تصويت عام، فإن الاجتماع الذي يقوده فالي جيسكارد ديستينج ستنتج عنه مسودة غير مقنعة بشكل بائس وطويلة للغاية. تعكس المسودة أسوأ تقاليد الاتحاد: لغتها غامضة، بيروقراطية وغير طموحة.

المنطقة الخاصة للأمل الإنساني

بعد تضمين الامومة، والحقوق المتكاملة والمتساوية في قائمة القيم، يتحدث التمهيد عن أوروبا «المتحدة في تنوع» مما يضع علامات اقتباس كأنه في تعريف ابتذاله، انه يمنح شعوبه أفضل فرصة لمتابعة «المشروع العظيم الذي يجعل من الاتحاد منطقة خاصة لأمل الانسان».

غالبية الدستور باللغة ذاتها، أكثر جمودا من اللغة اللاتينية أو الاغريقية القديمة على حد سواء، والتي لم تفشل في تحميس المدافعين عن الدستور فحسب ولكنها أيضا تقدم معانيه بطريقة غير واضحة. وقبل عضو البرلماني العمالي، جيسيلا ستوارت، احد واضعي الدستور بأنه «تمرين لائق» بشكل اساسي. ولكن الدستور في غالبيته يعتبر غامضا إذ يمنح اعداء الأوروبيين مزيدا من الذخيرة لمهاجمتهم.

لا عزاء إن فشل الدستور

عموما، على رغم انه محبط ويعتبر وثيقة ليست خطيرة لم يكتمل اعدادها بعد، فإن الغرض من مؤتمر الحكومات نهاية الأسبوع هو دراسة النقاط التي لم يتم فيها اتفاق سواء بواسطة المؤتمر أو على مستوى الوزراء. ويعني ذلك حتميا ان بعض القضايا المهمة للغاية ستترك حتى النهاية. لذلك لا معنى ان تدعو إلى استفتاء على دستور حتى يتم الانتهاء من اعداد النص. ومن المحتمل ان ينجح طوني بلير في الدفاع عن «خطوطه الحمراء». إذ يرغب في استرداد حق النقض لديه في كل شيء يتعلق بالضريبة، السياسة الخارجية أو الحسم البريطاني المشهور على أية حال تنتهى اليها قضية يوروفويك إلى جانب الدستور. ولكن ستظل هذه فرصة تاريخية مفقودة، ويجب الا يكون هناك سبب للعزاء لفشل المفاوضات، واذا اجبر القادة الأوروبيون على التخلي عن المسودة وبدأوا مرة أخرى محادثات أخرى. في الواقع من الممكن حدوث ذلك، ان لم يكن هذا الأسبوع ففي الأسبوع المقبل، عندما تضع كثير من الدول الأعضاء الأخرى النص المكتمل أخيرا من أجل الاستفتاء عليه. وقد أُخبر وزير الخارجية البريطاني، جاك سترو بحذر بواسطة بلير للقول إن الدستور «ليس ضروريا على الاطلاق» الشهر الماضي. ذلك خطأ علاقات عامة، ولكنها الحقيقة. ان التغييرات الدستورية لاستيعاب توسع الاتحاد ليصبح 25 عضوا تمت الموافقة عليها قبل ثلاث سنوات ماضية.

مطلوب قيادة

إن الخسارة الحقيقية فقط، إذا سقط الدستور ستكون «المنهجية» الاصيلة، التي تجعل قوة الدفاع الأوروبية جزءا من الاتحاد بدلا عن ان تكون «وحدة» منفصلة. سيكون ذلك ضربة لبريطانيا مثلما تحدى بلير مسئولية أوروبا في تنظيم نفسها في اوضاع لا يشارك فيها الناتو. ولكن تلك نظرة ضيقة ضد الحاجة إلى تجديد شرعية الاتحاد في عيون شعوبه. إذ فشل الدستور من قبل في ذلك الجزء المهم للغاية من «المشروع الأوروبي العظيم».

يجب ان يكون واضحا انه ليس هناك ثبات دستوري لهذا العجز الديمقراطي، يحتاجه الاتحاد ليس فقط دستورا، ولكن قيادة. انه يحتاج تلك القيادة من زعماء الدول الأعضاء، ولكن أيضا يحتاجها من بروكسل. لقد تحدث وزير أوروبا دنيس ماك شين مرة أخرى عن الحقيقة غير الملائمة فقط عندما قال إن رومانو برودي لم يكن ناجحا مثلما رئيس المفوضية. ان أوروبا تحتاج قادة قادرين على التعبير عن طموحاتهم في القارة بلغة تخول شعوبها في الاستفتاءات وتمنح فرصة للتصديق على ذلك

العدد 471 - السبت 20 ديسمبر 2003م الموافق 25 شوال 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً