إنني سعيد أنه تم القبض على صدام حيّا لأنه مازال لديه الكثير في جعبته مما يمكن أن يلقنه لنا جميعا. ليس عن زجه للديمقراطيين في الحمامات الحمضية على رغم أن سجله وخبرته في هذا النوع من تنفيذ القانون لاشك فيها.
وألا يخبرنا عن حبسه لطفل المنشقين البالغ من العمر اثنتي عشرة سنة كإحدى أساليبه الغريبة الجذابة. كلا، دروس صدام بدلا من ذلك ستتحدى على حد سواء النخبة السياسية العالمية التي سلحته ودعمته، والمظاهرات الجماهيرية التي عارضت الإطاحة به.
تمنح محاكمة صدام فرصتين غير عاديتين، الأولى للشعب العراقي بأن يسيطروا على التعامل مع الطاغية الخاص بهم. إذ لا يستطيعون تحرير أنفسهم لأن حجم الآلة المستبدة التي سحقتهم ضخما للغاية - الآن يستطيعون ممارسة العدل بأنفسهم - وهو عنصر مهم في استعادة الكرامة العراقية.
يجب أن يحتجز صدام حتى تأتي حكومة عراقية ديمقراطية تستطيع التخلص منه كما يرغبون. واذا اختاروا تسليمه الى محكمة دولية، فهذا رائع، ولكن ذلك اختيارهم . (وجميع أولئك الذين يمنحون سخرية ساخرة بقصد عراق ديمقراطي عليهم القيام بزيارة الى شمال العراق الذي أصبح ديمقراطيا بشكل مطلق منذ اثني عشر عاما منذ أن حرر بواسطة الولايات المتحدة من صدام).
الفرصة الثانية قلما يمكن تحقيقها وهي أن ننتظر حتى يبدأ صدام يذكر العالم بالدعم الذي منح له بواسطة الزعماء الغربيين لعقود، أو أننا نستغل هذه الفرصة ونمنع هجماته. يستطيع التحالف أن ينشئ عملية حقيقية ومصالحة دولية من خلالها يجب أن يعترف السياسيون الغربيون ويعتذروا للشعب العراقي لمشاركتهم في جرائم صدام. سيسعد طاغية الإبادة الجماعية - إن كان ذكيا - في استعادة الذكريات في صندوق الشهود بأصدقائه القدامى دونالد رامسفيلد وجاك شيراك. سيشكرهم على الأسلحة التي زودوه بها بسخاء. وسيتحدث بكل فخر عن وده مع رونالد ريغان ويتذكر الكلمات المعسولة والهدايا الممنوحة بواسطة مارغريت تاتشر. ومجرد أن يضغط على الجرح المعدي، ستسيل كميات ضخمة من قيحه الى الخارج.
إن الطريقة الوحيدة للتعامل مع هذا من دون أن نبدو وكأننا منافقون بغيضون هي أن نقوم بمحاسبة أنفسنا على الماضي. لا يمكن أن يعتمد السياسيون ببساطة على تشبيه العراق بالولايات المتحدة، الدولة التي وصفها غورفايدال «بالولايات المتحدة في النسيان» لأن جرائم دعم صدام في سياساتها الخارجية تم نسيانها، وتم الثناء على السفاح هنري كيسنجر المضطرب عقليا بأنه رجل الدولة العاقل المخضرم، ليست هذه نظرة ضيقة معادية للأميركيين، وكما استعرض ويليام شوكروس في كتابه الجديد «الحلفاء»، كان القادة الأوربيون أيضا سيئين في صدام. كان الرئيس جاك شيراك في مقدمة بيع صدام معدات نووية في السبعينات (لكي تحطم فقط، والفضل يعود هنا للجيش الاسرائيلي الذي سدد ضربة وقائية في العام 1981). ويصف شيراك الدكتاتور بأنه «صديق شخصي ورجل دولة عظيم».
لا نستطيع أن نمسح هذا التاريخ بعيدا. فقد حان الوقت الذي يجب أن تواجهه حكوماتنا الغربية وتقوم باصلاحات. فقد تحقق هذا جزئيا بتحرير العراق ولكن العملية يجب أن تكون واسعة النطاق. يجب أن يلغي زعماء الغرب عشرات البلايين من الدولارات في شكل ديون ورثها العراق من صدام حالا. اذا تضررت المصارف الغربية فهذا حسن. كان يجب عليها ألا تقرض رجلا يذبح الناس الأبرياء. (إن كنت ترغب في دعم حركة التأكيد على أن العراقيين يجب ألا يجبروا على تناول القرص كبتا وحدهم زر موقع (www.jubileeiraq.org)، يجب أن نتحدث عن الاصلاحات وليس كسب مزيد من المال من العراق.
ان عملية الاعتراف بتورط حكوماتنا في العراق، على رغم أنها غير مريحة، يمكن أن تكون فعلا تجربة تحريرية لنا نحن في الغرب أيضا، لأنها يمكن أن تساعدنا في تهذيب سياساتنا الخارجية ثانية. ستدين صور الأكراد القتلى بالغازات السامة في حلبجة حكومتي ريغان وتاتشر كثيرا ومدة طويلة بعد نسيان أية فائدة استراتيجية اكتسابها من دعمها لصدام. اليوم، ولأغراض استراتيجية مماثلة نحن نمنح الدعم والأسلحة للسفاحين في اوزبكستان، روسيا ودول عربية والقائمة تطول في هذا الخصوص، ستساعد عملية الاعتراف بالجرائم ضد العراق في التعرف على دعمنا للمجرمين في جميع أنحاء العالم، وتجعل من الصعب سياسيا أن ندعم طغاة جدد. هذا للأسف أحد الأسباب التي تجعل التحقيق الدولي مع هذه القضايا غير محتمل غالبا.
ولكن مازال لدى صدام بعض الدروس العسيرة التي يعلمها للحركة المناهضة للحرب أيضا. انني أرى دعمي الخاص للحرب من خلال منشور سجينين في عالم - العالم المختار بواسطة أولئك الداعمين للحرب - يجلس صدام حسين في زنزانة سجن مجردة، يتشدق بأن الأكراد الذين سممهم بالغاز كانوا «عملاء لإيران والصهاينة» وأن 400 ألف شخص تم نبش قبورهم في جميع أنحاء العراق كانوا «لصوصا». وفي عالم آخر - العالم الذي يعترف جميع الناس الجادين بأنه موجود اليوم اذا استمع بوش وبلير لحوالي مليونين من البشر تظاهروا لوقف الغزو - ليس صدام الذي في السجن ولكن أطفال المنشقين الديمقراطيين. لا تستمعوا الى وصفي لهذه المعتقلات الفارغة الآن، استمعوا الى معلم الحركة المناهضة للحرب، مفتش الأسلحة التابع للأمم المتحدة، سكوت ريتر، الذي تحدث قبل الحرب مخبرا صحيفة «التايمز» «السجن موضع السؤال فتش بواسطة فريقي في يناير/ كانون الثاني. بدأ السجن وكأنه للأطفال - أطفال والى سن ما قبل المراهقة - جريمتهم فقط أنهم نسل لأولئك الذين تحدثوا سياسيا ضد نظام صدام حسين. انه مشهد شنيع، في الحقيقة لن أستطيع أن أصف ما رأيت هناك لأن الذي رأيته فضيعا للغاية لا يمكن أن يكون مستخدما بواسطة أولئك الذين يرغبون في الترويج للحرب على العراق، وحتى الآن انني أسعى للسلام». ذلك هو الذي يستحوذ على الغباء الأخلاقي للحركة المعادية للحرب. وفي قلبها كانت هناك الفكرة المشوهة بأن يكون هناك «سلام» للشعب العراقي مع صدام في المسئولية. ليس من بين معارضي الحرب في الواقع أنصار لصدام بغض النظر عن الهامش الصغير للحركة الغلاوية (منسوبة لجورج غلاوي).
ولكنهم جميعا فضلوا شيئا آخر على رغبة الشعب العراقي في التخلص من صدام، سواء كانت تلك قراءتهم للقانون الدولي، مقتهم للحرب، أو كرههم للإدارة اليمينية الغبية في البيت الأبيض.
يدعي البعض في الحركة المناوئة للحرب أن صدام يمكن أن يسقط اذا رفعنا العقوبات. هذا غش بشكل شفاف، لقد انتفض الشعب العراقي في العام 1991 وتم قتل أكثر من 100000 شخص منهم. أية انتفاضة عراقية - حتى ان كانت منظمة في دولة استبدادية مسيطر عليها بإحكام - سيتم مواجهتها بقوة شريرة وتقع فيها خسائر في الأرواح أكثر مما حدث في الغزو الأخير. عندما يصدر صدام هذيانه من المحكمة، يجب أن نتذكر جميعا، هل تغلبت الحركة ضد الحرب، فهو في الواقع يصدر الخطابات نفسها من أحد قصوره السبعة».
إن محاكمة صدام يمكن أن تذكر فقط بالحقيقة المريعة تلك، عندما دعمت حكوماتنا كثير جدا من الدكتاتوريين بطريقة أو أخرى، الاحتجاجات الرئيسية العام الماضي لم تركز على هذا ولكن على التحرك النادر فعليا للإطاحة بالطاغية. الآن صدام في السجن بجدارة، حان الوقت لكل شخص - من رئيس فرنسا إلى دونالد رامسفيلد الى المحتجين ضد الحرب - أن يندم لاخفاقه في دعم الشعب العراقي في رغبته بالوصول الى هذا المطاف
العدد 471 - السبت 20 ديسمبر 2003م الموافق 25 شوال 1424هـ