لاشك أن وقوع الرئيس العراقي المخلوع أسيرا في أيدي القوات الأميركية وظهوره بهذه الهيئة الرثة يعد حدثا تاريخيا أفرح قلوب الملايين من العراقيين وغير العراقيين من دول الجوار وغيرها، وما يدعو إلى العجب حقا موقف الاستسلام الذي أبداه هذا المدعي للعظمة والشموخ فقد كان هادئا متعاونا كما ورد - والعهدة على الراوي - ومهما تكن الأسباب والتحليلات والتفسيرات ولهذه الحال فإن هذه الأسطورة التاريخية التي حكمت العراق بالحديد والنار طوال تلك الحقبة، وأقحمت الشعب العراقي في دوامة من الحروب أنهكت قواه، وفرضت عليه حصارا ظالما لم يعد لها حضور فعلي منذ سقوط بغداد أسيرة في 9 ابريل/ نيسان الماضي، وما هذا الظهور الدرامي في هذه الفترة إلا لأبعاد استراتيجية تخدم المصالح الأميركية فبعد أن بسطوا سيطرتهم على منطقة الخليج واستولوا على طاقة نفطية ضخمة متذرعين بإحلال الديمقراطية ومحاربة الارهاب والقضاء على النظام الدكتاتوري جاء مسلسل اعتقال الرئيس العراقي في هذا التوقيت الزمني فرفع من رصيد بوش الانتخابي وعزز موقفه دوليا من هذه الحرب، وربما تشهد الأيام القليلة المقبلة ظهور أسلحة الدمار الشامل التي يصر بوش وحلفاؤه على وجودها في العراق.
انقسم العراقيون إبّان هذا النبأ بين مؤيد داعم ومعارض حانق وكل له مبرراته وحساباته، ولكن الأهم من ذلك مستقبل العراق اليوم ومستقبل الأجيال المقبلة التي باتت شاهد عيان على انهيار هذا الرمز وفرحت لتوهمها الخلاص من هذا الشبح الجاثم على أنفاسها سنين طويلة، ولكن الغد لم يزل قاتما مظلما فلربما سقط التمثال حقا ولكن بقي الواقع المؤلم يحيط بالعراقيين، وبدأت معه للتو فصول أخرى من الارهاب الأميركي المعلن تمارس بكل حرية وديمقراطية بحق هذا الشعب الموءود.
فحريا بالمجتمع العراقي اليوم وبعد هذه الآهات أن يفتح صفحة بيضاء من تاريخه يطوي بها الماضي بكل ما فيه من ذكريات تدمي القلوب والعيون، صفحة تضم كل الطوائف والأصول العرقية والانتماءات الدينية المختلفة ليلتقوا ويتوحدوا جميعا حول قيادة سياسية دينية علمائية وطنية تعددية عادلة تدعو إلى التماسك والتضامن وتنبذ الفرقة والتمزق، تقف يدا بيد تنادي بسيادة العراقيين على أراضيهم وحقهم الشرعي في تقرير مصير شعبهم ومن دون الخضوع للإملاءات الأميركية والديمقراطية الغربية المستوردة، ومن دون ذرف الدموع والتباكي على الأطلال البائدة، فكفاكم تمجيدا لامبراطورية الظلم والجبروت التي أهلكت البلاد والعباد حتى أسكنها القدر أخيرا مقبرة التاريخ فطغاة العالم وجلادوه الذين بنوا قصورهم على جماجم الشهداء ودماء الأبرياء ليسوا باقين مخلدين، ولابد أن يشهدوا النهاية الحقيقية لظلمهم وطغيانهم في الدار الفانية قبل الدار الباقية، وأيّ ظلم وإن دام ردحا من الزمن لابد أن ينجلي يوما ولابد أن تنشر العدالة راياتها خفاقة في أفق الحرية.
رسالة سلمان
العدد 480 - الإثنين 29 ديسمبر 2003م الموافق 05 ذي القعدة 1424هـ