على رغم تأكيد الولايات المتحدة عزمها خصخصة قطاع النفط العراقي تحت زعم اتاحة الفرصة للعراقيين للاستفادة من عائدات النفط فإنه توجد مؤشرات قوية تلقي ظلالا من الشك بشأن امكان تنفيذ تلك الخطط في ضوء احجام شركات النفط الكبري ومنها الأميركية عن ضخ استثمارات في قطاع النفط العراقي وغياب السلطة الوطنية المنتخبة المناط بها ابرام صفقات النفط وضعف دور القطاع الخاص وتهالك البنية التحتية النفطية في العراق .
ويري محللون اقتصاديون اميركيون أن خطة خصخصة النفط العراقي تستهدف تشجيع الشركات العالمية على ضخ المزيد من الاستثمارات في قطاع النفط العراقي وتخفيف حدة المقاومة العراقية عن طريق تحسين مستويات المعيشة لقطاع كبير من العراقيين .
وقال المحلل الاقتصادي مارك فريتز ان العراقيين سيصابون بالاحباط اذا ما عولوا على عائدات النفط لتحسين احوالهم المعيشية في المستقبل القريب لان الأميركيين يرغبون في استثمار الجزء الاكبر من تلك العائدات في اعادة تأهيل البنية النفطية المتهالكة بالعراق واشار فريتز الى ان الادارة الحاكمة بالعراق يجب ان تنوع مصادر الدخل اذا ما ارادت تحسين الاحوال المعيشية في تلك الدولة التي تعاني من الفقر وتردي الاحوال المعيشية بالاضافة الى ارتفاع معدل التضخم والبطالة وغياب آليات كالنظام المصرفي لابرام صفقات النفط مع الشركات الدولية .
وقال مارك فريتز ان من المستبعد تخصيص جزء ملحوظ من عائدات النفط العراقية لتحسين قطاعات التعليم والصحة وتوفير المزيد من الوظائف في تلك الدولة التي انهكتها الحروب على رغم تأكيد واشنطن أن وتيرة اعادة اعمار العراق ستتسارع خلال الأشهر المقبلة.
ويرى كبير المحللين الاقتصاديين بمؤسسة أبحاث صناعة النفط التي تتخذ من نيويورك مقرا لها رون جولد ان توزيع عائدات النفط - على رغم نجاحها في دولة كالنرويج - لن تسهم في تحسين معيشة العراقيين بل ستثير مشكلات عدة نظرا إلى تعدد الجماعات العرقية والدينية بالعراق .
وأضاف ان العراق يعتبر ثاني اكبر دولة في العالم بعد السعودية من حيث الاحتياطي النفطي الذي يبلغ 112 مليار برميل مشددا على ان الدول التي تعتمد على النفط مصدرا رئيسا للدخل تعاني اقتصاداتها من حالة عدم استقرار نظرا إلى تذبذب اسعار النفط الخام في الأسواق الدولية .
وفي السياق نفسه أوضح المحلل الاقتصادي رون جولد ان دولا نفطية كبرى تراجع متوسط دخل الفرد فيها من 28 ألف دولار العام 1983 الى اقل من خمس ذلك المعدل نتيجة تذبذب اسعار النفط .
وأشار الى أن اعتماد الدول النفطية على النفط موردا رئيسيا للدخل القومي خلال العقدين الماضيين ادى الى حدوث تفاوت واضح بين الاقلية الغنية والغالبية الفقيرة داخل الدولة الواحدة .
ويعاني العراق من مشكلة المديونية الخارجية التي تفاقمت نتيجة الحروب المتوالية التي خاضها النظام العراقي السابق والتعويضات المفروضة للدول المضارة من تلك الحروب، اذ تقدر مصادر اقتصادية اميركية تلك الديون بنحو 380 مليار دولار .
وأكد المسئول الاقتصادي الاميركي بالعراق الذي شغل منصب النائب السابق لوزير الخزانة الاميركي بيتر كاكفيرسون انه يوجد ارتباط وثيق بين الحرية السياسية والحرية الاقتصادية. وأضاف أن المشكلة تكمن في ان العراقيين عاشوا فترة طويلة في ظل الدعم الحكومي للاسعار، لذلك ينبغي زيادة الأجور كلما زادت الاسعار وهو ما ينذر باحتمال تفاقم مشكلة التضخم .
ويشير خبراء نفط غربيون الى أن النظام العراقي السابق وقع عقودا معلقة حاليا لتطوير حقول النفط مع عدد من الشركات التي تنتمي للدول التي كانت تؤيده خلال ازمته مع الولايات المتحدة في الوقت الذي تجاهل فيه الشركات الاميركية .
وتضم قائمة العقود التي ابرمها النظام العراقي السابق عقدا مع شركة توتال الفرنسية بقيمة اجمالية بلغت أربعة مليارات دولار لتطوير حقل مجنون وعقد مع شركتي لوك أويل وماشينومور الروسيتين بقيمة اجمالية 3,7 مليارات دولار لتنفيذ المرحلة الثانية لحقل غرب القرنة وعقدا مع شركة توتال الفرنسية تبلغ قيمته 3,4 مليارات دولار لتطوير حقل نهل بن عمر وعقدا مع شركتي اني الايطالية وريبسول الاسبانية قيمته 1,9 مليار دولار لتطوير حقول الناصرية وعقدا مع شركات شل البريطانية والهولندية المشتركة وبتروناس الماليزية وكريسنت الاسبانية قيمته 2,5 مليار دولار لتطوير حقول راتوا .
كما اعطى النظام العراقي السابق وعودا لشركات صينية واسترالية وكورية وفيتنامية وجزائرية لتطوير عدد من الحقول النفطية الصغيرة .
وقالت محللة شئون النفط فاليري مارسيل ان الشركات الروسية مثل لوك أويل لعبت دورا مزدوجا في لعبة النفط العراقية إذ وقعت عقودا مع النظام العراقي السابق وفي الوقت نفسه طالبت الحكومة الروسية بالتدخل لدى الولايات المتحدة لضمان تنفيذ عقودها بالعراق مشيرة الى ان مواقف الشركات الروسية اغضبت العراقيين قبل الحرب الانجلوأميركية .
واضافت ان النظام العراقي السابق اعطى وعودا لشركات كثيرة الا ان عددا قليلا منها هو الذي وقع عقودا فعلية.
وقالت فاليري مارسيل ان الشركات الاميركية تخشى من تصاعدالشعور المعادي للولايات المتحدة بالعراق لاسيما بعد رحيل القوات الاميركية ولذلك يفضل عدد من الشركات الاميركية الكبرى الانتظار حتى يتم تشكيل حكومة عراقية قوية لادارة شئون تلك الدولة التي مزقتها الحروب خلال السنوات العشرين الماضية مشيرة الى ان تشكيل حكومة وطنية قوية تحظي بالشرعية بالعراق لن يتم قبل مرور خمس سنوات .
وتوقعت مارسيل ارساء العقود الأولية الصغيرة للتنقيب عن النفط وتطوير الحقول الصغيرة بالعراق على الشركات الروسية أو الصينية التي تقبل المخاطرة السياسية وضخ استثمارات في المرحلة الاولى لتطوير الثروة النفطية العراقية.
وأشارت الى ان الشركات الاميركية تضع نصب عينيها العقود الضخمة لتطوير الحقول الكبرى بالعراق التي سيتم الاعلان عنها في مراحل لاحقة ولذلك لا تتلهف الشركات الاميركية على العقود الصغيرة في ظل عدم وضوح الرؤية المستقبلية بشأن العراق .
واوضح المحلل الاستراتيجي جون شوين ان غياب آليات بيع النفط كخطوط المواصلات الآمنة والبنية النفطية والاستراتيجية السياسية والقانونية بالعراق تعرقل عمليات اعادة اعمار العراق وتوفير المتطلبات الضرورية للشعب العراقي ولاسيما الغذاء مؤكدا أن استئناف صادرات النفط ستعتبر ضرورة لاعادة الاستقرار بالعراق .
ويؤكد خبير النفط بمؤسسة « ايه جي ادواردز » بيل أوجرادي أن المؤسسات المالية العراقية اللازمة لاتمام صفقات بيع النفط العراقي انهارت نتيجة الحرب الانجلوأميركية على العراق. ويضيف ان اعادة بناء النظام المصرفي العراقي يعتبر خطوة أساسية في طريق عودة العراق لاعبا أساسيا في سوق النفط العالمية .
ويرى نائب رئيس شركة توتال الفرنسية والمعني بإدارة الشرق الاوسط في الشركة الان ليشفولار ان عددا كبيرا من الشركات العالمية ستسعى إلى ضخ استثمارات ضخمة في قطاع النفط العراقي فور تشكيل حكومة وطنية معنية بشئون الأمن والاستقرار بتلك الدولة التي انهكتها الحروب والنزاعات طيلة الاعوام العشرين الماضية، الا انه توقع عدم اقدام أية شركة كبرى بما فيها الشركات الاميركية والاوروبية على ضخ أموال طائلة لتطوير الحقول العراقية قبل مرور عامين على الأقل مشيرا الى ان الشركات العالمية تترقب استقرار الاوضاع بالعراق. وأضاف انه لا توجد شركة مهما كانت جنسيتها على استعداد لضخ استثمارات تقدر بنحو خمسة مليارات دولار في ظل حال الغموض بشأن مستقبل العراق مشيرا الى ان الشركات العالمية تحرص على دراسة بيئة الاعمال قبل اتخاذ قرارها بالاستثمار في أية منطقة اضافة الى تقييم المكاسب والمخاطر التي يمكن أن تواجهها
العدد 342 - الأربعاء 13 أغسطس 2003م الموافق 14 جمادى الآخرة 1424هـ