انطلق في مقالي هذا من الجلسة البرلمانية التي تم فيها بحث التداخل بين الفنادق والمساكن في البحرين. وعلى رغم أهمية هذا الموضوع وارتباط عدد من المواطنين والأحياء والقرى بهذه المشكلة فإن الأمل كان يحدو الكثيرين بأن تعالج المشكلة من جذورها وألا يكون الترقيع هو مسلك المصلحين في مجلس النواب، إذ من الأصلح أن تعالج القضايا الكبيرة من جذورها وليس من فروعها حتى نظل نجني دائما ثمارا يانعة ومفيدة وصالحة. وانه من الواجب أن تعالج القضايا المقطوعة الدلالة في شريعتنا بمنهجية وآلية لا مساومات فيها ولا قبول لحلول وسطية لها تبعدنا عن حكم الله فيها. فكان مجلس النواب مصيبا عندما دعى إلى إلغاء الفوائد الربوية على قروض الإسكان لحرمتها القاطعة ولم يرضى بتخفيضها وبهذا حارب منكرا ودعى إلى استئصاله فليست هناك حلول وسط يمكن قبولها بين حدود وحق الله من جهة والمنكر وطريق الشيطان من جهة أخرى أي بين الحق والباطل.
وعلى هذا كان من الواجب تشخيص أسباب المشكلة ومعرفة دواعي إجماع رفض المجتمع البحريني من مدن وقرى البحرين لمجاورة الفنادق مع قناعته التامة بأهمية وضرورة تنمية دور السياحة لزيادة دعم هذا المرفق للاقتصاد الوطني وللتخفيف من حدة البطالة. ومع معرفة المواطن كذلك وتقبله واستعداده لاستغلال السياحة في إعطاءٍ من دون مقابل لصورة مشرفة عن المجتمع ومنجزاته وتقاليده وتراثه العربي والإسلامي وأنشطته الحرفية وآثاره الحضرية وذلك لزائري المملكة من سياح عرب وأجانب. إلا أن واقع السياحة وبرامج وزارة الإعلام في هذا الشأن في مملكتنا بعيدة كل البعد عن المفهوم الحقيقي والصحيح والقويم لهذا النشاط الاقتصادي والحضاري. وستثمر حتما نتائج الاستمرار في تبني المفهوم الحالي للسياحة عن آثار سلبية وخطيرة على الوضع الاجتماعي والأسري والأخلاقي لشباب الوطن ولن نجني إلا المال الحرام الذي لا بركة فيه والسمعة السيئة والتفكك العائلي والقرب من مقت الله وعذابه. ولن يصلح الحال إلا بتحقيق تكامل حقيقي بين المصلحين والمخططين لكبح جماح برامج وخطط الشر والفساد وليستفيد الوطن، من التوظيف الجيد لإمكاناته السياحية فيجني الخير ورضا الله معا ويتجنب الكسب الحرام وسخط الرب.
وانه من المؤسف أن ندعو شباب الوطن مستغلين عوزهم وعدم وجود فرص عمل لهم إلى مستنقعات الفنادق بشكلها الحالي وفيها كل صنوف الفساد، إذ ان شباب الأمة هم أمانة في يد ولاة الأمر وأسرهم والمسئولين ذوي العلاقة، فلا نشتت قدراتهم وطاقاتهم بل نستثمر كل ذلك لبناء الوطن والدين.
وكان من الأجدى أن يستثمر النواب الكرام فرصة بحث موضوع التداخل بين الفنادق الفاسدة والمساكن الشريفة لإرجاع المشكلة إلى نقطة الأصل ومحورها الأساسي في ما يرتكبه ملاك هذه الفنادق من إساءات لأنفسهم أولا وللدين والوطن بسماحهم وترويجهم للمراقص والنوادي الليلية الماجنة وصالات القمار وغرف البغاء، وأذكرهم هنا بقوله تعالى «ومن يتقِّ الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب» (الطلاق:3,2 ). فلن يكون التخلص من بؤر الفساد مقرونا بالتوبة النصوحة إلا مقدمة لرزق كثير مبارك فيه.
إن التداخل بين الفنادق والمساكن لم يكن أبدا سببا لمشكلة لولا ما في الفنادق من صنوف الشر والضلال وتجاوز لحدود الله، ولم يكن محل رفض من المواطنين لو وظفت الجهات المسئولة الفنادق لتكون حلقة وصل بين المملكة وطنا ومواطنين وحضارة مع شعوب العالم الخارجي لا أن تكون مرتعا للفساد ومستنقعا للرذيلة.
وأجد أن ما ذكر في جلسة مجلس النواب من ضرورة ووجوب ألا تعطي المداولات مدلولات على تضييق الاستثمار السياحي في البلاد كان يستلزم توضيح موقف المواطن، فهو يرحب بأي مستثمر يسهم في امتزاج الخير له وللوطن وللمواطنين ويرفض في الوقت ذاته من يريد أن يحارب الله ويجعل الوطن واحة فساد ويعبث بقدرات شباب الوطن فيغويهم نحو الرذيلة والخمر والزنا والميسر. إذ يقول الله عز وجل «الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم» (البقرة: 268).
ولهذا فإن على نوابنا المحترمين الرجوع إلى الأصول وجذور القضايا لمناقشتها وتحكيم حكم الله فيها لا الترقيع في موضوعات تبعد أو تقرب من نقطة الأصل ومحور القضايا. فمتى ما أصلحنا الأسس والمنطلقات والركائز نعمنا بالنتائج وبالحصاد الكبير، فلا ننشغل بالمشكلة وننسى مسبباتها الأساسية. وما بعض الخطوات الترقيعية التي أخذت بها وزارة الإعلام أخيرا والدعوات الغربية لعدم السماح لدخول البحرينيين في الفنادق من أحد النواب إلا تنظيم لباطل وتقنين لمحرم وما هي إلا نقطة في بحر لا تتناسب مع حجم الموبقات التي تجد في الفنادق مأوى لها ولا تتلاءم مع حجم الضرر الكبير من السموم التي يتجرعها أبناؤنا وزائرونا وجيل الأمة القادم.
مدير إدارة العلاقات العامة بالأمانة العامة لمجلس التعاون
العدد 518 - الخميس 05 فبراير 2004م الموافق 13 ذي الحجة 1424هـ