واجه طوني بلير وجورج بوش طلبات متزايدة للغاية الأسبوع الجاري بإجراء تحقيقات مستقلة مزلزلة بشأن فشل الاستخبارات بشأن أسلحة الدمار الشامل المزعومة لدى العراق.
واشتد الضغط على الحكومتين البريطانية والأميركية مع الاعتراف الصريح لرئيس مفتشي الأسلحة المستقيل، ديفيد كاي بقوله: «إننا كنا مخطئين تماما تقريبا في الاعتقاد بأن صدام حسين امتلك أسلحة كيماوية وبيولوجية».
ولم تبالِ الحكومة البريطانية في البداية بنداءات لإجراء تحقيق كامل ومستقل في عملية التحضير لدخول حرب العراق. وانضم المحافظون والديمقراطيون الأحرار إلى نواب برلمانيين كبار صعّدوا طلباتهم للتحقيق في الاستخبارات التي دفعت إلى اتخاذ قرار الحرب، وسط زيادة المخاوف بأن أسلحة الدمار الشامل قد لا توجد في العراق أبدا. ومن المحتمل أن يواجه بلير استجوابا جديدا من أعضاء البرلمان المقبل عندما يقابل أعضاء لجنة الاتصال بمجلس العموم، بينما ذكر أن لجنة الاستخبارات والأمن البرلمانية تخطط لفحص المعلومات الاستخباراتية التي استخدمت في الاستعداد للحرب.
وناشد وزير الخارجية البريطاني السابق روبن كوك، بلير الاعتراف بأن الاستخبارات كانت «خاطئة بشكل بشع». وقال «الآن حتى البيت الأبيض أقر بأنهم ربما كانوا مخطئين تماما في العراق، لكن من المحرج مشاهدة حكومتنا مازالت تحاول إنكار الحقيقة. لقد انتهت اللعبة».
وفي الولايات المتحدة لا يقتصر الأمر على كاي والمرشحين الديمقراطيين للرئاسة فحسب ولكن أيضا بعض الجمهوريين المتنفذين في الكونغرس قالوا إن التحقيق الشامل وغير المتحزب فقط هو الذي يمكن أن يثبت الحقيقة.
لكن، بالنسبة إلى البيت الأبيض مثل هذا التحقيق ربما يفتح الباب لمشكلات كثيرة في سنة الانتخابات. في هذه اللحظة هناك ما يشبه التأجيل للنظر في الأمر، وهي وسيلة ربما تساعد في المدى القريب من خلال الرفض الظاهر لأية ممارسة مماثلة في بريطانيا من قبل بلير، الحليف الرئيسي لبوش في الحرب.
وفي إشارة إلى أن الإدارة ستحاول وضع القضية في سلة المهملات حتى انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، جزمت مستشارة الأمن القومي كوندليزا رايس، الأسبوع الجاري أنه بينما يعتزم الرئيس الدخول في عمق القضية، إلا أن لجنة التفتيش في العراق، التي ترأسها كاي يجب أن تنهي مهمتها أولا. وفي بريطانيا، قال وزير خارجية حكومة الظل، مايكل انجرام: «تظهر تعليقات كوندليزا رايس مرة أخرى أن التحقيق المستقل الشامل في الظروف المحيطة بالدخول في الحرب وعاقبتها يعتبر ضروريا للغاية». وصرح بوش للصحافيين قائلا «أريد معرفة الحقيقة» ولكنه لم يلزم نفسه بتحقيق مستقل على رغم إعلانه تشكيل فريق لذلك. لكن مثل هذا التأخير لم يعد ممكنا.
وفي نقد قوي لوكالة المخابرات المركزية، وصف عضو الحزب الجمهوري من كنساس، بات روبرتس - الذي يترأس لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ - الحوادث بأنها مثل «قطار منطلق». ربما حاول بعض المحللين إبطاء القطار «لكنه مستمر في انفلاته». وكانت النتيجة «فشل استخبارات عالمي». وبالنسبة إلى السيناتور جون ماكين، منافس بوش للترشيح الجمهوري، والمدافع الوفيّ عن دخول الحرب على العراق فإن الأمر «يحتم تعيين لجنة مستقلة للنظر في قضية بهذه الأهمية».
ويتمثل المبرر لتحقيق خارجي فيما إذا كان هناك أي شيء يُقوَّى احتمال اخفاق كل من لجنتي مجلس الشيوخ ومجلس النواب للاستخبارات واللتين من المقرر أن تنهيا مسودتي تقريرين قريبا عن مهزلة أسلحة الدمار الشامل. ولم يترك روبرت مجالا للشك بأن لجنته ستكون في وضع حرج للغاية. وحتى الأقليات الديمقراطية في اللجنتين من المحتمل أن تصدر تقارير مخالفة تدعي فيها أن البيت الأبيض هوّل بتعمد المزاعم عن أسلحة العراق قبل الحرب، وهي تهمة محرجة للغاية لبوش بينما يستعد لحملة تبرز صدقيته وخبرته بقضايا السياسة الخارجية.
ويتمثل أحد المخارج في إلقاء اللوم على مدير وكالة المخابرات المركزية صاحب الخدمة الطويلة، جورج تينت، الذي عينه أولا بيل كلينتون والذي أشار إلى أنه ينوي الاستقالة على أية حال بعد الانتخابات، بعد أن قضى سبع سنوات في هذا المنصب. وحتى المرشح الديمقراطي الأول، جون كيري طالب باستقالة تينيت وذلك أثناء نقاش المرشحين هذا الأسبوع في كارولينا الجنوبية. لكن إذا طلب من مدير الاستخبارات الاستقالة فإنه ربما لا يخرج بهدوء. وكثير من محللي المخابرات المركزية غاضبون إذ إن الوكالة التي كانت حذرة في تقييماتها للتهديد قبل حرب العراق، ربما ستكون كبش الفداء للفشل السياسي.
وهناك أيضا امتعاض شديد من الكيفية التي أقيلت بها عميلة المخابرات المركزية، فاليري بلام، الصيف الماضي من قبل البيت الأبيض كعمل انتقامي تافه بشكل واضح ضد زوجها الدبلوماسي السابق جو ويلسون، بعد أن كتب علنا عن مهمته إلى إفريقيا مفندا الادعاءات التي تقول إن صدام حاول استيراد اليورانيوم من النيجر.
وعلى رغم أن ذلك الادعاء وجد طريقه إلى خطاب حال الاتحاد الذي ألقاه بوش في يناير/ كانون الثاني 2003، قبل شهرين من الغزو، فإن البيت الأبيض يحاول جعل تينت يقبل المسئولية، ولذلك أصدر بوش أخيرا أمرا بتشكيل لجنة تحقيق في الاستخبارات، لكن في النهاية يجب أن تعترف رايس بأن مجلسها للأمن القومي مخطئ أيضا
العدد 518 - الخميس 05 فبراير 2004م الموافق 13 ذي الحجة 1424هـ