العدد 488 - الثلثاء 06 يناير 2004م الموافق 13 ذي القعدة 1424هـ

زعيم القاعدة وأزمة التنظير بين الكهوف!

قراءة في خطاب بن لادن...

هو وأتباعه يمثلون الحق المطلق والحقيقة المحضة وكل الذين يخالفون اطروحاته يعتبرهم أصفــــارا على الشمـــال. هكذا وبــلا تغيـير لا يزال زعيم تنظيم القاعدة يعمل على تبليغ رسالته التبشيرية بين الكهوف، اما المنفذون فهم الذين يجتمعون في مرابع صباه، ويعانون من تبعات السياسة الخاطئة التي سار بها الرجل مع نفر من أتباعه... على رغم أنه يدرك تماما وأكثر من أي وقت مضى أن خطاباته الرنانة التي يتفضل ليشغف أسماعنا بها بين الفينة والأخرى لن تجد لها صدى في الجمهور العربي والإسلامي الذي خدع في السابق مرارا بهذه الأفكار لقادة العهد القديم.

لكن الجديد في الخطاب-إن كان يحمل جديدا- فإن بن لادن وخلافا لسيمفونيته المعهودة لم يوجه تهديدا مباشرا «للصليبين الجدد»، ولم يتبجح بمهاجمة ناطحات السحاب في نيويورك ولوس أنجليس كما عهدناه دائما، بل اختار هذه المرة - وبعد التغيرات الجوهرية التي حدثت في خليج ما بعد صدام - أن يسلك منحى أكثر واقعية برأيه من خلال دخوله الفجائي على خط السياسة، ولكن على رغم الحلة الجديدة نسبيا التي ظهر فيها زعيم القاعدة فإن الحظ لم يكن ليحالفه حتى هذه المرة؛ فأبجديته السياسية لم تستطع أن تتحرر من سطوة أيديولوجيته الثورية بغلافها العتيق، ولعل خير شاهد على إفلاس خياراته السياسية ما طرحه من تشكيل «مجلس للحل والعقد» يكون بمثابة سلطة جامعة مانعة لتدافع عن بيضة الإسلام؛ لأنه أول من يدرك أن كل الظروف والمعطيات الواقعية والعقلانية غير مؤاتية لذلك، فهذه الأفكار لا تعدو كونها محض خيال من رومانسيته الخصبة وهي نابعة ربما من الطبيعة الخلابة التي يعيشها الرجل بين جبال بلاد السند.

يبدو من الواضح أن زعيم القاعدة سعى- وكالعادة- إلى الضرب على الوتر الحساس الذي جربه في السابق كثيرون وأثبت مفعوله من قبيل دغدغة العواطف عبر الشعارات الكبرى والرنانة التي لا تطعم من جوع ولا تؤمن من خوف، فالقاسم المشترك بين هؤلاء هو توظيف مفردات يرغب المساكين والمستضعفون من الناس في الإصغاء إليها، والقصد من جراء ذلك هو الكذب وحده المغلف بغلاف الحقيقة، فعندما يتحدث بن لادن عن الهيمنة فهو يدرك تماما تأثير هذه المفردة على الشعوب التي كابدت الأمرّين من تبعاتها، ولنقس على ذلك الكم الوفير من مثيلاتها من عبارات ومفردات كثيرا ما خدعنا بها مرارا وتكرارا.

إن ثمة نقطة جوهرية لم يتجاوزها الشيخ بن لادن وهي - شئنا أم أبينا - تدل على نبوغ وفطنة هذا الرجل حينما حاول غير مرة في هذا التسجيل الصوتي أن يبعد شبح «العفلقية» من قاموسه ومفرداته، واصفا رئيس النظام العراقي البائد صدام حسين برفيق درب القادة العرب في الخيانة والعمالة للعمة واشنطن، غير أن المعطيات التاريخية تشهد بأن الرجل ذاته كان هو الآخر وليدا من رحم الإمبريالية التي يتشدق بمعاداتها الآن، وهذه الحقيقة تسهم بشكل أو بآخر في إفساد نظرية الفصل المزعومة بين القاعدة وبقايا نظام البعث البائد في المشهد العراقي المتلبد بالغيوم.

أما نحن - المعنيين بهذا الخطاب بالدرجة الأولى- ألا يحق لنا أن نتساءل عن الماضي غير الأبيض لهذا الرجل و«الكوكبة» التي معه، الذي كان مشحونا بالصفقات الكبرى - السرية منها والمعلنة - مع «نمرود العصر» وحلفائه من «الخوارج والمرتدين»؟! أم أن قدرنا دائما - نحن العرب والمسلمين- أن نتعالى على الماضي لكي نلتحق «بقافلة النجاة والسعادة الأبدية» التي يقودها أمثال بن لادن الذين قتلوا الحرث والنسل في بلادنا وعاثوا في الأرض فسادا طيلة أعوام وربما عقود خلت.

وفي السياق ذاته وبّخ بن لادن بقوة ما أسماهم «بدعاة الإصلاح من الداخل» من العلماء والمثقفين؛ لأن سكة هذا الإصلاح - برأيه - لن تكون ذات جدوى في حال مرورها عبر بوابة قصور السلاطين والطغاة، موجها لهذه النخب نصائحه الوردية بجمع القوى والطاقات وأن يحزموا أمتعتهم والتهيؤ للمنازلة الكبرى في «أم المعارك القادمة» التي سيقودها بن لادن وأتباعه لرفع «راية الحرمين وإحقاق الحق» حتى يكون بمقدوره ملأ الأرض قسطا وعدلا بعدما ملئت جورا وظلما، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون!

البحرين - حيدر الجصاص

العدد 488 - الثلثاء 06 يناير 2004م الموافق 13 ذي القعدة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً