العدد 488 - الثلثاء 06 يناير 2004م الموافق 13 ذي القعدة 1424هـ

المجالس البلدية وعقدتها الوهمية

المنامة - راشد عبدالله جعفر 

06 يناير 2004

إنني أؤمن أن النقد للذات والجماعة حق... بل وفي احيان أخرى يصبح واجبا تكليفيا وهو ما حداني لأن اقرأ وضعا نعايشه قد يختلف آخرون في توصيفه أو ربما لا يريدون ان يقرأوه كما هو؛ فالمتتبع لمسار عمل المجالس البلدية يجد انه لا توجد أية تمظهرات حقيقة رشحت عن الفترة التي قضاها المجلس البلدي طيلة العام السابق وبعض الشهور، وهذا امر يدعونا إلى السؤال بجدية بالغة وذلك بسبب أن:

1- المجالس البلدية تمثل إحياء للعمل البلدي العتيد في المملكة الذي بدأ قبل ثمانية عقود ونيف عندما صدر اول قانون للبلديات العام 1919م واجريت اول عملية انتخابية في تاريخ البحرين الحديث العام 1924 والتي أصبحت محطة مهمة نحو تضمين ادارة الدولة اللامركزية الادارية اضافة إلى اشراك المواطن في صنع القرار الذي يلامس جنبات من حياته اليومية.

2- التمثيل البلدي الحالي هو اقرار حقيقي وشفاف للقوى السياسية في المجتمع ذات الوزن الثقيل، واهمها جمعية الوفاق الوطني الاسلامية التي تستحوذ على شريحة كبيرة من التيار الاسلامي في البلد.

لذلك فإن عجز المجالس البلدية بالشكل الذي رأيناه ونراه الآن يجب ان ينحو منحى المحاسبة ليفسر ما حصل، وعلى المواطنين الذي ادلوا باصواتهم لانجاح تلك العملية الانتخابية ان يسألوا أعضاء المجالس البلدية وخصوصا في ظل معادلة واضحة ومعروفة من القوانين البلدية التي شاهدها وقرأها ولمسها أولئك قبل ان يدخلوا في المشروع البلدي.

فقانون المجالس البلدية تم نشره في 1 ابريل/ نيسان 2002م أي قبل اجراء عملية التصويت بفترة تجاوزت الشهر، بمعنى ان المترشحين والرؤساء والأعضاء الحاليين في المجالس البلدية اقروا بالقانون ووافقوا عليه مسبقا كما هو، الأمر الذي حداهم للمشاركة في العملية الانتخابية وفي اصل المشروع.

وانني على يقين تام بأن العلة الحقيقية لعجز المجالس البلدية عن تحقيق عمل ديناميكي نشط هو انها مازالت غير قادرة على هضم العمل المناط بها وبالشكل المعطى لها، بل فضلت ان تحشر نفسها في مماحكات غير مجدية مع الجهاز التنفيذي في البلدية والتصادم مع وزير شئون البلديات والزراعة عن طريق الصحافة كما رأينا أخيرا، صانعة من الوزير شماعة تضع عليها أي اخفاق وحمل عجزت عن حمله، كما انها بنت (أو تريد ان تبني) لنفسها كيانا أكبر مما حدده القانون لها عن طريق إجرائها مقارنات غير واقعية لانظمة بلدية في دول أخرى، وعليه فإنها مازالت إلى الآن مشغولة بتصورات ذهنية مثالية حالمة تاركة الصلاحيات المحددة لها في القانون من دون استغلال أو انتفاع وهو الأمر الذي يجعل وضعها السياسي والقانوني محل جدل وسؤال، علما بأن وزير البلديات والزراعة (وقبله القانون) قد أكد استقلالية عمل المجالس البلدية وحريتها الكاملة في استخدام جميع الصلاحيات التي كفلها القانون لها وكذلك لتأكيد شخصيتها الاعتبارية، ووضح ذلك في أكثر من لقاء ابرزها اللقاء الذي تم بمحافظة المحرق بتاريخ 4 مايو/ أيار 2003 واجاباته على استفسارات بعض النواب بالمجلس النيابي بتاريخ 24 مايو 2003 ونشرت تفاصيله الصحافة الرسمية في اليوم التالي.

ومن خلال تتبعي للكثير من حيثيات عمل المجالس البلدية لم اجد سوى بالونات خطابية بين الفينة والأخرى يريد اصحابها ان تسبب لغطا بين المواطنين لذر الرماد في العيون عن حال التكلس التي صنعتها المجالس لنفسها فأخرتهم عن عمل ما ينبغي متدثرين في ذلك بادعاء تباينهم في تفسير القانون وبقضايا أخرى، علما بأن القانون وفي المواد التي يساجل عليها هو واضح بجلاء، فمرة طرحوا لجنة الزوايا حتى لاكوها بامتياز مع العلم ان طلبهم برئاسة الجنة مطلب قانوني فاضح يتمثل في انها لجنة شكلت بأمر من وزير البلديات ولا تضم في عضويتها من الوزارة سوى عضوين وباقي أعضائها وعددهم تسعة من أعضاء البلديات والجهات الخارجية مثل جهاز التسجيل العقاري ووزارة الاشغال والاسكان ودائرة الشئون القانونية، لذلك لا يمكن ان يرأسها رئيس المجلس البلدي لأن الأخير يعتبر جهة منتخبة ولا يحق له رئاسة لجنة تنفيذية، وعلى رغم ذلك فقد سمح الوزير بأن يكون العضو - الذي تكون الزاوية ضمن دائرته الانتخابية - عضوا في اللجنة.

ومرة يطرحون اشكالهم عن مجلس الوزير الذي افتتحه أخيرا للمساهمة في تسهيل عملية المراجعة من قبل المواطنين، متذرعين بأن ذلك المجلس قد يسحب البساط من تحتهم، وهو أمر يدعو إلى الغرابة لان المجلس لا يناقش قضايا العمل البلدي فقط فهناك الزراعة وهناك التخطيط الطبيعي، كما أن الكثير من المواطنين نظروا إلى تلك الخطوة على انها منحى ايجابي في النزول إلى الناس ومعرفة العوائق التي تعترض طريقهم، علما بأن (بعض) أعضاء المجالس البلدية لم يكلف نفسه ويفتح مجلسه ليسمع من خلاله هموم المواطنين من دائرته، وبعضهم تدارك ذلك بعد حين، وللأسف يعيبون على الوزير ذلك.

ومن له هامش بسيط من الحِجا يمكنه ان يتوقف امام القانون الخاص بالعمل بالبلدي الذي بيّن حقيقة العلاقة بين المجالس البلدية وبين وزارة البلديات والزراعة في المادة (20) حين بينت أن كل مجلس بلدي يرفع قراراته إلى الوزير المختص بشئون البلديات، والوزير يقوم بالتعليق عليها اما بالايجاب في حال استقاها مع القانون، أو يرفضها اذا خالفت القانون أو كانت خروجا عن السياسية العامة للدولة أو خارج اختصاصه، كما بينت طبيعة الجهازين الموجودين في البلدية (التنفيذي والتشريعي) وان لهما كلا على حدة صفة اعتبارية مستقلة وليس لاحد السلطة على الآخر، فقط يقوم الجهاز التنفيذي في البلدية بتنفيذ قرارات المجلس البلدي كما صرحت بذلك المادة رقم (31).

لذلك فإنني أرى ان المجالس البلدية لن تقوم بفعل حقيقي يذكر الا اذا قام اعضاؤها بتحريك وتفعيل اختصاصاتهم ومهماتهم، وكلها أمور بينتها المادة رقم 19 التي اعطت المجالس البلدية 25 اختصاصا كاقتراح الانظمة الخاصة بالصحة العامة واقتراح انشاء وتحسين الطرق ووضع الانظمة المتعلقة باشغالاتها وتجميل وتنظيف الشوارع والميادين والاماكن العامة والشواطئ، وكذلك مراقبة تنفيذ الانظمة المتعلقة بالانارة والمياه والصرف الصحي وغير ذلك من الانظمة الخاصة بالمرافق العامة المتعلقة باختصاصات البلدية، وذلك بالتنسيق مع الجهات المختصة وغيرها من الاختصاصات.

وهنا أختم بالقول إنه اذا بقي رؤساء وأعضاء المجالس البلدية كما هم فلن يقوموا بعمل شيء، لذلك فإن عليهم ان يستنفدوا ما لديهم من صلاحيات، ومن موازنة مرصودة (والتي ترصد وفقا لايرادات البلدية كما بين ذلك القانون) وان يدخلوا في عملية الاستثمار التي اتاحها لهم القانون وخصوصا ان كل بلدية لها اصول ثابتة كالاراضي والابنية يمكن استثمارها، واننا باعتبارنا مواطنين قمنا بانتخاب اعضاء المجالس البلدية فعلينا ان نقرأ ما بين السطور جيدا ونبتعد قدر الامكان عن حال المهووسية المفرطة بتجريم السلطة التنفيذية في كل صغيرة وكبيرة لكي تتضح لنا حقيقة تلك المتشابكات الحاصلة في العمل البلدي الذي يبدو انه مسيس حتى الثمالة

العدد 488 - الثلثاء 06 يناير 2004م الموافق 13 ذي القعدة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً