العدد 493 - الأحد 11 يناير 2004م الموافق 18 ذي القعدة 1424هـ

الحد الأدنى للأجور هل سيضعف منافسة القطاع الخاص البحريني؟

الاقتصاديون اتفقوا على أهميته واختلفوا على توقيته

فيما اتفق الاقتصاديون على أهمية سن قانون يحدد الحد الادنى للاجور في البحرين اختلفوا على توقيت تطبيق القانون وما اذا كانت الأرضية والأوضاع الاقتصادية مهيأة لتطبيق هذا القانون في الوقت الحالي.

وزير العمل والشئون الاجتماعية مجيد العلوي خلال افتتاحه ندوة «أسواق العمل وسياسات الأجور... تجارب ودول» والتي نظمتها جمعية الاقتصاديين البحرينية مساء أمس الاول أعلن أنه شخصيا من المؤيدين لسن قانون للحد الأدنى للأجور. وقال: إن من أهم ايجابيات القانون جعل القطاع الخاص جذابا للعاطلين. وأضاف ان هذا القانون اصبح مطلبا نادى به الكثير من المهتمين بسوق العمل بينما عارضه آخرون بحجة انه يحد من القدرة التنافسية للقطاع الخاص البحريني مع القطاع الخاص الخليجي الذي لا يخضع لمثل هذا القانون.

وذكر أن الوزارة كلفت مركز البحرين للدراسات والبحوث إجراء دراسة بشأن هذا الموضوع ورفعت هذه الدراسة إلى مجلس الوزراء الذي أحالها بدوره إلى لجنة وزارية بدأت في مناقشتها منذ فترة.

من جانبه أكد رئيس جمعية الاقتصاديين عبدالله الصادق (وهو أحد معدي الدراسة المقدمة إلى مجلس الوزراء) أهمية تطبيق نظام بشأن الحد الأدنى للأجور بأسرع وقت ممكن. وقال: في ورقة عمل قدمها خلال الندوة: إن سن قانون عن الحد الادنى للاجور لا يمكنه ان يحل جميع المشكلات التي تعاني منها سوق العمل في البحرين ولكنه احدى الخطوات المهمة التي ستساهم وبشكل جدي في حل هذه المشكلات.

ودعا الصادق خلال المناقشات، التي اثيرت بعد الندوة والتي ركز فيها معارضو تطبيق القانون على ان الوضع الاقتصادي ليس مهيأ لتطبيق قانون يفرض على اصحاب الاعمال راتبا معينا، إلى الاطلاع على الدراسات الحديثة في هذا المجال مشيرا إلى ان المعارضين يستندون في آرائهم إلى دراسات قديمة أجريت في اربعينات القرن الماضي عندما كانت الظروف الاقتصادية مختلفة. وقال لا توجد في العالم دولة متطورة اقتصاديا في الوقت الحاضر ترفض مبدأ الحد الأدنى للأجور.

أهمية الحد الأدنى للأجور لسوق العمل البحرينية

واكد الصادق خلال ورقة العمل التي قدمها أهمية سن قانون عن الحد الأدنى للأجور. وقال: «ان اية معالجة للاختلال في سوق العمل البحرينية سواء باعتبار حجم العمالة الاجنبية من ناحية وواقع الاجور من ناحية اخرى ينبغي ان تنطلق من إيجاد استراتيجية جديدة للتنمية الاقتصادية. واعتقد ان هذه الاستراتيجية ينبغي ان تعالج في البداية وكمرجعية لها الأولويات الأساسية التي يريدها المجتمع البحريني. وتتمثل هذه الأولويات في الأسئلة الآتية:

هل نريد مجتمعا يشكل فيه الأجانب الغالبية الساحقة؟ أم نريد مجتمعا متوازنا من التركيبة السكانية؟. هل نريد مجتمعا يتمتع بإنتاجية عالية ذات مستوى معيشي مرتفع وما يرتبط بذلك من توسيع خيارات المواطن من النواحي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية؟ أم نريد مجتمعا منخفض الانتاجية، متدنيا في مستوى المعيشة؟ وتتميز أجوره بالانخفاض. هل نريد أن نعطي للعمل قيمته وأهميته في الحياة. بمعنى آخر هل نريد أن يعمل المواطن دواما كاملا بأجر ولكنه يعيش تحت خط الفقر؟ أم نريد مواطنا يعمل دواما كاملا ويعيش حياة كريمة متوازنة؟».

وأضاف «ينبغي ان نضع اجابات واضحة لهذه الاسئلة. فإذا كان الخيار هو المجتمع المنتج، ذو مستوى المعيشة المرتفع ولا يعيش من يعمل دواما كامل تحت خط الفقر، فإن هناك حاجة إلى إعادة هيكلة الاقتصاد البحريني».

والمدخل إلى هذه الهيكلة الجديدة هو تبني سياسة جديدة للأجور وفي مقدمتها وضع حد أدنى للأجر.

تدني مستوى الأجور

وأشار الصادق إلى تدني مستوى الاجور خلال السنوات الماضية، وقال: إذا تم الأخذ بمؤشر الوسيط بدلا من المتوسط فإنه يمكن القول إن الوسيط للعمالة البحرينية في القطاع الخاص انخفض من 308 دنانير بحرينية كأجر شهري في العام 1993 إلى 190 دينارا بحرينيا كأجر شهري في العام 2000، أي بواقع انخفاض يقدر بـ 38,3 في المئة خلال كامل الفترة وبواقع انخفاض سنوي يقدر بـ 6,7 في المئة.

واضاف أن الإحصاءات تشير ومن دون شك أو لبس إلى أن هناك انخفاضا سنويا مستمرا حدث في وسيط الأجور للعمالة البحرينية في القطاع الخاص طوال العقد الماضي. وهذا، لا يبدو غريبا، ففي أغسطس/ آب 1983، اقترحت دراسة أعدها مستشار الأجور والأسعار لدى وزارة العمل والشئون الاجتماعية حدا ادنى للأجور يقدر بـ 150 دينارا بحرينيا. وهكذا، فإنه بعد 20 سنة فإنما يدفع لشريحة كبيرة من العمالة البحرينية هو في حدود 150 دينارا بحرينيا. فاستنادا إلى بيانات الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية، نجد أن 37,1 في المئة من العمالة البحرينية لا يصل راتبها الشهري إلى 150 دينارا، يقع 8,6 في المئة منها تحت 100 دينار. وعموما، فإن 53,4 في المئة من العمالة البحرينية تقع رواتبها الشهرية تحت 200 دينار.

أسباب انخفاض الأجور

وقال يمكن إرجاع واقع انخفاض الأجور إلى ثلاثة عوامل أساسية، أولها ظاهرة الإغراق الاجتماعي لسوق العمل البحرينية:

إذ تشابه سوق العمل البحرينية سوق السلع والخدمات في الكثير من الخصائص. فسوق العمل البحرينية تتسم بظاهرة الإغراق الاجتماعي. ومصطلح الإغراق الاجتماعي يمكن في الواقع أن يحاكي مفهوم الإغراق الاقتصادي في سوق السلع. فعندما تتدفق عمالة أجنبية كما يحدث الآن بأعداد كبيرة ويغلب عليها العمالة غير الماهرة ومن دول فقيرة إلى أسواق العمل بالمنطقة سيؤدي ذلك لا محالة إلى خفض الأجور بدرجة كبيرة ليس للعمالة الأجنبية القادمة فحسب ولكن للعمالة المحلية وما يترتب على ذلك من تداعيات سلبية تلحق بالعمالة المحلية بشكل خاص والاقتصاد الوطني بشكل عام. فعلى صعيد العمالة المحلية وخصوصا تلك الفئة التي تعمل ضمن مستويات الأجور المنخفضة ستشهد تراجعا في مستويات المعيشة والقوة الشرائية وما يتصل بذلك من تراجع الحافز تجاه التعليم والتدريب. أما على الصعيد الاقتصادي الوطني فذلك يعني تراجع القوة الشرائية وما يتصل بذلك من استدامة حال الركود الاقتصادي وبالتالي ضعف الاستثمار وما يرتبط بذلك من تراجع إنتاجية الشركات وخصوصا فيما يتصل بالشركات التي تخدم السوق المحلية. كما يؤكد مقولة أن اقتصاد السوق يحتاج إلى سوق.

وبالمثل، يمكن الحديث عن الاحتكار. فسوق السلع والخدمات تعاني من ظاهرة الاحتكار. وقد أصبح الأمر واضحا وجليا عند متخذي القرار بشأن أهمية تحرير السوق المحلية. وتعكس تصريحات صاحب السمو ولي العهد الأمين رؤية صائبة تؤكد هذا الأمر. أما بالنسبة إلى سوق العمل فإنني اعتقد انه يعاني بالمثل من الاحتكار أو ما يسمى في الفكر الاقتصادي بـ Monopsony. والكثير من الدراسات الاقتصادية الحديثة اصبحت تشير إلى ان تحليل سوق العمل لا يخضع للعرض والطلب بحسب ما تشير إليه معظم الكتب الاقتصادية الدراسية. ولكن نموذجي المنافسة غير التامة أو حتى الاحتكار هما الاقرب إلى سوق العمل. وفي هذه الحال، فإن الحد الأدنى للأجر يؤدي في الواقع إلى زيادة التوظيف.

وقال ان العامل الثاني لانخفاض الأجور يتمثل في سياسات سعر الصرف في الدول المصدرة للعمالة الاجنبية إذ تساهم سياسات سعر الصرف في الدول المصدرة للعمالة الأجنبية الى البحرين في تدهور مستوى الأجور في سوق العمل البحرينية. فمن المعروف في النظرية الاقتصادية أن سياسات أسعار الصرف في الدول المصدرة للعمل تساهم في تأكيد قرار هجرة العمالة للعمل في دولة البحرين وبقية دول مجلس التعاون الخليجي.

ونظرا إلى ارتباط سعر صرف الدينار البحريني بالدولار، فإن خفض السلطات النقدية في البلد المصدر للعمل سعر صرف عملتها مقابل الدولار سيرفع من قيمة الدينار وبالتالي العائد على الأجر بالعملة المحلية ومن ثم تحويلات العمل إلى بلده الأصلي.

وقال لقد قامت السلطات النقدية في بعض الدول المصدرة للعمل بخفض سعر صرف عملاتها مقابل الدولار عدة مرات إذ تراجع سعر الصرف عملتها مقابل الدينار البحريني. ويوضح الجدول رقم (1) حجم الانخفاض في أسعار صرف عملات أهم الدول المصدرة للعمل للبحرين في السنوات 1980، 1997، 2001. إذ تبين أن متوسط تراجعها السنوي بلغ 6,2 في المئة لبنغلاديش، 9,9 في المئة للهند. 9,3 في المئة لباكستان، 10,3 في المئة للفلبين في الفترة الأولى. كما بلغ التراجع السنوي 6 في المئة لبنغلاديش، 8,8 في المئة للهند، 8,9 في المئة لباكستان، 9,5 في المئة للفلبين في الفترة الثانية.

بمعنى آخر، انه لو تم الافتراض أن أجر العامل الاجنبي يقدر بـ 50 دينارا بحرينيا في العام 1980 فإن أجور العمالة الاجنبية حسب الجنسية ستصبح كالآتي: 2160 روبية بنغلادشية، 1055 روبية هندية، 1315 روبية باكستانية، 1010 بيسوس فلبيني. وإذا افترضنا أن هذا الأجر للعامل الاجنبي لم يتغير في العام 2001 فإن توزيع الأجور حسب الجنسية سيكون كالآتي: 7350 روبية بنغلادشية، 6250 روبية هندية، 7900 روبية باكستانية، 6800 بيسوس فلبيني.

وبالتالي، فإنه يمكن القول ان اجور العمالة الاجنبية من هذه الدول ارتفعت بمقدار 3,4 مرات للعامل البنغلادشي، و5,9 مرات للعامل الهندي، و6,0 مرات للعامل الباكستاني، و6,7 مرات للعامل الفلبيني في الفترة من 1980 إلى 2001 بسبب تغير سعر صرف عملات تلك الدول مقابل الدينار البحريني. وعليه، يمكن القول، ان سياسة سعر صرف عملات الدول المصدرة للعمالة إلى البحرين تساهم، ولا شك، في تشجيع عمالة تلك الدول على القدوم إلى البحرين من ناحية والقبول بأجور متدنية أيضا من ناحية أخرى.

وفي ضوء ذلك يمكن القول إن السياسات النقدية في الدول المصدرة للعمالة الاجنبية إلى البحرين تساهم في خفض مستوى الأجور في سوق العمل البحرينية. فكلما انخفض سعر صرف عملات تلك الدول مقابل الدينار البحريني يمكن لعمالة تلك الدول أن تعمل عند مستوى أجور أقل من مستوى الأجور الحالية ما يسمح لها بالدخول في منافسة غير عادلة مع العمالة البحرينية وبالتالي إخراج العمالة البحرينية من سوق العمل أو قبولها بمستوى أجر متدن لا يفي بكلفة مستوى المعيشة في البحرين. وعليه فإن وجود قانون حد أدنى للأجور سيشكل أداة اقتصادية للحد من تأثيرات خفض سعر عملات الدول المصدرة للعمالة الاجنبية مقابل الدينار تجاه منافسة عمالة تلك الدول للعمالة البحرينية.

وقال: ان ضعف الاستثمار في الاقتصاد البحريني يعد المعيار الثالث لانخفاض مستوى الاجور، اذ اتسمت فترة العقد الماضي بضعف معدلات الاستثمارات في الاقتصاد بين 11 في المئة و14 في المئة.

أوراق العمل

وكانت الندوة بدأت بورقة عمل عن تجربة الولايات المتحدة الأميركية في مجال سن قانون بشأن الحد الأدنى للأجور إذ قدم وليم سبركس في ورقته أهم الملامح للقانون الفيدرالي الذي وضع سنة 1938م.

وقال: «ان قانون الحد الأدنى للأجور في الولايات المتحدة يهدف إلى عدم هبوط مستوى الدخل دون مستوى الاستهلاك». وأضاف ان القانون الفيدرالي يضع حدا أدنى للأجور في جميع الولايات ولكن لكل ولاية الحق في رفع هذا الحد إلى مستويات أعلى.

وذكر أن في الولايات المتحدة 120 مليون عامل، 6 في المئة منهم يحصلون على الراتب الشهري المحدد بالحد الأدنى.

الورقة التونسية

كما قدم الباحث الاقتصادي حميدة الكلاعي ورقة عمل عن التجربة التونسية في هذا المجال أكد فيها أن مبدأ الحد الأدنى للأجور يعد في تونس مكسبا وطنيا يمكن من رفع مستوى المعيشة ومن تحقيق الأمن الاجتماعي.

المناقشات

وبدأت المناقشات بمداخلة للدكتور خالد عبداللّه الذي أخذ على المنظمين انهم اختاروا جميع المتحدثين من المؤيدين لمبدأ الحد الأدنى للأجور. وقال ليس هناك اعتراض مبدئي على سن هذا القانون ولكن الاعتراض على التوقيت ومستوى هذا الحد.

وتساءل: كيف يمكن لسن هذا القانون ان يعالج قضايا، كضعف الطلب وقضية الاغراق الاجتماعي.

وقال: ان هناك مشكلة في مستويات الأجور في البحرين وهي ناتجة بصورة أساسية من هيكلة الاقتصاد البحريني وضعف هذا الاقتصاد في خلق وظائف وفرص عمل مجزية. وأضاف ان هناك تصوّرا بأن سن قانون بشأن الحد الأدنى للأجور يمكن أن يحل جميع الاختناقات في الاقتصاد البحريني.

وقال ان سن هذا القانون قد يعرض الكثير من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تعتمد على الأجور المنخفضة لصدمة. رئيس مكتب خدمات التوظيف بوزارة العمل محمد ديتو أكد أن من مثل هذا القانون يجب أن يكون متوازيا مع اجراءات أخرى لتنظيم سوق العمل في البحرين. وأكد على انخفاض مستوى الأجور في البحرين. وقال ان ذلك طبيعيا في ظل ازدياد استيراد العمالة الأجنبية. وأضاف ان نظام الكفالة يشكل أحد العناصر الرئيسية في هبوط مستوى الأجور. الأستاذ في جامعة البحرين أحمد عبدالحليم قال: ان استعراض التجربتين التونسية والأميركية في هذا المجال ليس موفقا إذ ان تونس دولة مصدرة للعمالة في حين البحرين دولة مستوردة لها وان أميركا لا تعاني من البطالة مثل البحرين وإنما البطالة فيها في المستوى الطبيعي. وقال بعكس ما هو سائد بأن الاقتصاد البحريني لا يخلق فرص عمل فاني أرى أن الاقتصاد في البحرين يخلق 400 ألف فرصة عمل بدليل وجود العمالة الأجنبية. ومن جانبه، تساءل نظام كمشكي «مدير إحدى مؤسسات المقاولات» عن الأرضية التي يمكن أن يبنى عليها سن قانون الحد الأدنى للأجور. وقال: ان السوق البحرينية تعاني من الكساد ووجود كمٍّ هائل من العمالة السائبة التي تنافس المقاولين المحليين في تنفيذ المشروعات.

الاقتصادية وداد كيكسو قالت: ان لهذا القانون انعكاسات ايجابية وأخرى سلبية، ويجب ألا ننظر لهذا الموضوع نظرة شمولية إذ ان بعض القطاعات كقطاع السياحة نجحت في تطبيق هذا القانون في حين لا يمكن أن يطبق في قطاع كقطاع الانشاءات

العدد 493 - الأحد 11 يناير 2004م الموافق 18 ذي القعدة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً