العدد 504 - الخميس 22 يناير 2004م الموافق 29 ذي القعدة 1424هـ

الفلسطينية اكتشفت العلاقة السرية بين الفناء والبقاء

غادرت ثوب الأنوثة طوعا وارتدت بزة الجهاد:

اكتشفت المرأة الفلسطينية العلاقة السرية بين الحياة والموت، وبين الفناء والبقاء وفرضت نفسها في المعادلة عنصرا فاعلا واعادت صوغ المشهد وأصبحت المعاني أكثر عمقا لديها وأضفت على الطبيعة ألوانا مبتكرة، حين غادرت ثوب الأنوثة طوعا وارتدت بزة الجهاد.

وكان المركز الفلسطيني للإعلام، سرد في تقرير له تحت عنوان «الاستشهاديات عرفن معنى الدخول إلى الحياة» بعضا من قصص البطولة والفداء للجهاد والنضال الفلسطيني الخاص بالمرأة الفلسطينية.

تلك هي حال المرأة الفلسطينية، أما أو أختا أو بنت شهيد، أو أسير أو جريح أو مطارد أو زوجة تودع زوجها الشهيد الوداع الأخير بدمعتين الأولى حبا والأخرى فخرا، ولأنها فلسطينية، ولأنها تعشق الحياة، «لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون» (169/ آل عمران) إذا فقد استطاعت أن تكتشف العلاقة السرية بين الحياة والموت، وبين الفناء والبقاء، هكذا كانت الاستشهادية الفلسطينية.

ووفق التقرير فقد شهدت القدس أول عملية استشهادية قامت بها امرأة فلسطينية في 28 يناير/ كانون الثاني 2001 نفذتها وفاء إدريس من مخيم الأمعري في رام الله، وأسفرت عن مقتل إسرائيلي وجرح 140 آخرين، ما أضاف تعقيدات جديدة إلى قلب الحسابات الأمنية الاحتلالية الإسرائيلية التي كانت تركز على مراقبة الفلسطينيين الرجال فقط.

و أثارت تلك العملية والعمليات التي تبعتها حالا من الارتباك بين صفوف القوات والاستخبارات الاحتلالية الإسرائيلية، واضطرتهم إلى فرض إجراءات أمنية جديدة وأخذ هذا العامل الجديد في الاعتبار.

وكانت ثاني امرأة استشهادية هي دارين أبوعيشة، إذ إنه في 27 فبراير/ شباط 2002، قامت هذه الطالبة التي تدرس الأدب الانجليزي بتفجير نفسها على حاجز احتلالي في الضفة ما أسفر عن جرح ثلاثة رجال شرطة احتلاليين.

وفي 29 مارس/ آذار 2002، عقب انتهاء القمة العربية في بيروت وبدء الاحتلال عمليته البربرية في الضفة الغربية؛ قامت الطالبة آيات الأخرس (18 عاما) من مخيم الدهيشة للاجئين بالقرب من بيت لحم بتفجير نفسها في سوق في القدس الغربية ما أسفر عن مقتل شخصين وتبنت العملية كتائب شهداء الأقصى.

وفي أوج حملة ما عرف بالسور الواقي في أبريل/ نيسان 2002 فجرت عندليب قطاقطة من بلدة بيت فجار جنوبي بيت لحم جسدها الطاهر في القدس الغربية موقعة ستة قتلى من الاسرائيليين، في الوقت ذاته الذي كان فيه وزير الخارجية الأميركي كولن باول يزور «إسرائيل».

ولم تمض فترة قصيرة حتى استشهدت نورا شلهوب من مخيم طولكرم على أحد الحواجز العسكرية وهي تحاول تنفيذ هجوم استشهادي.

وفي 19 مايو/ أيار 2003 كانت الاستشهادية هبه دراغمة على موعد مع الشهادة، حين تركت جامعتها في جنين، وانطلقت من بيتها في طوباس إلى مستوطنة العفولة لتفجر جسدها الطاهر أمام أحد الملاهي حين طلب حارس الملهى تفتيش حقيبتها فقتلت ثلاثة من الصهاينة وجرحت العشرات.

يقول الكاتب الإسرائيلي أرنون غولر في «هآرتس» إن ظاهرة الاستشهاديات قلبت الأعراف رأسا على عقب، فخلق الصلة مع الاستشهادية المحتملة، تجنيدها وتسليحها هي أمور بالغة الإشكالية ومن يقوم بالتجنيد يكسر قاعدة اجتماعية لأنه لا يطلب إذن العائلة.

أما الاستشهادية هنادي جرادات من جنين التي قررت في سبتمبر/أيلول 2003 أن تقتص لما أصاب شقيقها وابن عمها أمام ناظريها على يد الجلادين الصهاينة فقد أذاقت 22 صهيونيا كؤوس المنايا في مطعم مكسيم في حيفا، وقالت بالدم ما عجزت عن التعبير عنه طيلة سبعة من الشهور فصلت بين استشهاد شقيقها وهجومها الاستشهادي. ولم يكن الفاتح من العام 2004 بأقل من سابقه حين دكت الاستشهادية ريم الرياشي أولى استشهاديات قطاع غزة حصون معبر ايرز ونفذت أول عملية استشهادية نسائية ضد جنود في موقع عسكري لتقتل أربعة منهم وتجرح عشرة آخرين.

وموقف الحركة الإسلامية في فلسطين من حيث أصل الحكم الشرعي في جهاد المرأة في فلسطين انه لا إشكال فيه، بل هو واجب ولكن هناك اعتبارات عملية وميدانية لابد من مراعاتها لأداء هذا الواجب على أحسن وجه وبأقل الخسائر المعنوية والمادية، مثل الخشية من وقوع المرأة في أسر العدو وهذا يجعل المجاهدين يعطون الأولوية للشباب من أجل عدم تعريض النساء لأذى العدو ولكن إذا كان الواجب أو نجاح العملية الجهادية والنكاية بالعدو يتطلب أن يكون المنفذ فتاة، فلا مانع لديها في ذلك فالمرأة في تاريخ الإسلام ومنذ زمن النبي (صلى الله عليه وسلم) شاركت في القتال والمعارك بل قاتلت بالسيف إلى جانب الرجل.

ويتضح من بعض خيوط وأسرار عملية فندق بارك في نتانيا التي حدثت في 28 من مارس العام 2002 وقتل خلالها 29 صهيونيا وجرح 150 آخرون والتي عدت أكبر عملية استشهادية يتعرض لها الكيان الصهيوني، وذلك في إجابة على سؤال حير الصهاينة وهو كيف تمكن هذا الاستشهادي عبدالباسط عودة من دخول الفندق في ظل وجود حراسة مكثفة على الأبنية كافة بما فيها فندق بارك وكانت الإجابة أن عبدالباسط دخل الفندق بزي امرأة متبرجة، فقد أجرى استعداداته للتنكر مثل حلق ذقنه وإدخال بعض التجميل والمكياج على مظهره الخارجي إضافة إلى ارتدائه بنطال سيدات ضيق وحذاء ذا كعب عال وقبعة شعر مستعار أسود وأملس وارتدى أيضا قميصا بنيا ومن ثم معطفا جلديا بنيا من فوقها.

وعليه لم يكن مظهره الخارجي ليشكك في أنه رجل، فمر على حراس الفندق من دون أن يجول بخاطرهم أنه الموت المقبل من طولكرم، إذ وضع الحزام تحت قميصه البني من دون أن يلفت الانتباه، وحمل هوية تعود في الأصل إلى امرأة صهيونية، ولم تكن الهوية مزورة لتثير الشك، بل كانت هوية حقيقية لشخصية حقيقية، أما التنقل فكان يتم أيضا في سيارات تحمل أرقام تسجيل صهيونية، ولعل هذا ما يفسر قدرة القساميين على الوصول إلى أماكن حساسة مشمولة بحراسة قوية من دون أن يثيروا الانتباه وفي اكثر الأوقات التي يكون فيها الصهاينة في أعلى هوسهم الأمني، وليست هذه هي الحال الوحيدة التي تم فيها اللجوء إلى مثل هذا الأسلوب، فقد ورد في المذكرات التي كتبها بخط يده الشهيد القائد محمود أبوهنود بشأن تفاصيل العملية الاستشهادية الخماسية التي نفذت بين اغسطس/ آب وسبتمبر/ أيلول من العام 1997 في شارع وسوق محني يهودا في القدس وأوقعت عشرات القتلى من الصهاينة أن أحد الاستشهاديين من بلدته عصيرة الشمالية قد نفذ العملية متنكرا في زي امرأة، إذ كان الشاب ذي سحنة أوروبية.

ويقول أبوهنود إنه خرج من أجل قضاء مهمة عدة ساعات وذلك في اليوم الأخير قبل تنفيذ العملية وبعد عودته دخل فجأة إلى المنزل، فاحمر وجهه حياء حين شاهد امرأة متبرجة بلباس قصير وبكامل زينتها تجلس في الغرفة، وما أن أمعن النظر جيدا حتى تبين له أن هذا هو رفيقه الاستشهادي الذي عملت به ماكينة التمويه القسامي ما عملت حتى غدا يطابق في شكله مستوطنة صهيونية، ولا حرج في ذلك فقد اثبت هذا الأسلوب نجاعته في اختراق الأماكن الحساسة لدى الكيان واجمل ما فيه هو محاولة تجنيب المرأة الفلسطينية قدر الإمكان مثل هذه المهمات حين يستحيل التطبيق إلا بوجود امرأة، إلا أن هذا لا يعني أن دور المرأة كان مغيبا عن كتائب القسام، إذ كان هذا الدور في المرحلة السابقة يقتصر على تقديم الدعم اللوجستي، وكان حيويا ومهما للغاية سيما في الكثير من العمليات القسامية الحساسة، ومن ذلك الأسيرة القسامية أحلام التميمي الطالبة في جامعة بير زيت والتي تقضي حكما بالسجن المؤبد خمسة عشرة مرة بتهمة نقل الاستشهادي عزالدين المصري منفذ عملية مطعم سبارو في أغسطس 2001 والتي قتل خلالها 19 صهيونيا.

وبحسب التقرير فقد تطور هذا الدور بحسب المعطيات الميدانية إلى أن كانت عملية ايرز القسامية وأولى استشهاديات كتائب القسام حين اخترقت الاستشهادية ريم الرياشي موقعا محصنا أثبتت من خلاله انه وفي بعض الأحيان للمرأة الفلسطينية دور لا يستطيع أحد أن يلعبه غيرها، فعلى الجميع احترام إرادتها

العدد 504 - الخميس 22 يناير 2004م الموافق 29 ذي القعدة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً