العدد 506 - السبت 24 يناير 2004م الموافق 01 ذي الحجة 1424هـ

المسنون لا يملكون سوى ذكريات الماضي ونظرة أمل إلى مستقبل غامض

فيما تؤكد الدراسات ارتفاع معدلات العمر

يحتفل العالم في اليوم الأول من أكتوبر/ تشرين الأول باليوم العالمي للمسنين، وما ان ينتهي الاحتفال، تتلاشى معه الأضواء المسلطة على قضايا هذه الشريحة من المجتمع والتي تؤكد دراسات عدة أنها آخذة بالارتفاع تصاعديا مع توقع تنامي معدلات العمر... لذلك الاحتفال الموسمي معانٍ وذكريات كثيرة يحملها لمن كانوا شمعة أضاءت الدرب للأجيال ولاتزال تضيئه... تتوقف الكلمات، وينحني القلم خجلا، عن سرد ما لهذه الفئة من فضائل، لذلك فإن الاهتمام بها لا يعتبر استجابة لاحتياجات أفراد بحاجة للعناية والاهتمام فحسب، بل هو تقدير وتكريم مجتمعي لشريحة كان لها الفضل في وصول المجتمع إلى ما هو عليه. ونالت هذه الشريحة إلى جانب اهتمام المجتمع، اهتمام المواثيق الدولية والتشريعات في دول العالم المعاصر.

قامت «الوسط» بزيارة دار المنار لرعاية الوالدين، والتقت مع مجموعة من المسنين هناك، لتستذكر معهم ذكريات حياتهم التي مازالت عالقة في مخيلتهم، وكيف يقضون أيامهم اليوم بعد رحلة طويلة لم تخلُ حتما من عطاء وفير...

يقول محمد عبدالله الذي يبلغ من العمر 60 عاما: «حياتي كانت عادية، إذ عملت سائقا في المطار منذ أن كنت شابا، وتمكنت من تكوين نفسي شيئا فشيئا، وتزوجت ولدي ثلاثة أولاد وبنت واحدة، وبعد أن تم إحالتي للتقاعد التحقت بدار المنار لرعاية الوالدين، إذ أقضي فيها معظم وقتي، وأمارس مهنتي المفضلة وهي النجارة (...) الأبناء تغيروا ولم يعودوا مثل السابق، فكل واحد منهم مشغول بنفسه، ولا يقدمون لي المساعدة، فمن المفترض بهم أن يساعدوني الآن بعد أن تعبت في تربيتهم يوم كانوا صغارا».


كفاح في العمل

ويقول محمود علي (63 عاما): «قضيت حياتي أكافح في العمل، وبدايتي كانت في شركة «بابكو»، إذ عملت فيها لمدة 23 عاما، وفي العام 1982 انتقلت للعمل في بنك البحرين الوطني وبقيت فيه لمدة 10 سنوات، انتقلت بعدها للعمل في دولة الكويت ببنك البحرين والكويت».

ويضيف: «تعرضت في العام 2002 إلى جلطة خفيفة أثرت عليّ كثيرا فحتى اسمي لم أكن أتذكره، وتم نقلي من الكويت إلى البحرين لتلقي العلاج في المستشفى العسكري الذي بقيت فيه لمدة 15 يوما، وبعد توفيق من الله سبحانه وتعالى تعافيت من الجلطة، والتحقت بدار المنار بعد 10 أشهر، وهو شيء جيد بالنسبة إلي، ففي النهار أزاول النجارة في الدار والتقي مع الأصدقاء، وذلك يحقق لي الراحة النفسية وهي الأهم، أما في المساء فأكون في المسجد لدراسة القرآن الكريم، وفي بعض الأوقات أذهب برفقة ابني إلى محله التجاري من أجل الجلوس معه».


حياة صعبة

عبدالكريم راشد (75 عاما): «الحياة كانت صعبة، في الماضي كنت اعمل في شركة «بابكو»، وعملت كذلك في السعودية، وعملت أيضا في البلدية». ويضيف، وهو يحاول أن يتمالك دموعه: «تعرضت لإصابة في العين، وعلى إثرها تعرضت لخديعة، إذ وعدوني بأنه سيتم إعطائي الراتب كاملا مقابل الخروج للتقاعد، فوافقت على ذلك، وعندما توجهت لتسلام الراتب تفاجأت بأن الراتب تم اقتطاع أكثر من نصفه، ولم تجدِ محاولاتي الكثيرة في إعادة حقي (...) حاليا أمر بظروف صعبة للغاية، فالمنزل يحتاج إلى صيانة، والأبناء يحتاجون إلى النقود». ويحدثنا عبد الله جاسم (63 عاما) عن مشواره: «بعد تخرجي من الثانوية العامة، لم التحق بأية جامعة لعدم وجود أية جامعة في البحرين في ذلك الوقت، كما أن الظروف المادية لم تسمح لي بالسفر للخارج من أجل مواصلة الدراسة الجامعية، فالتحقت بالعمل في شركة «بابكو» لمدة عامين، وبعدها التحقت بالسلك التعليمي، إذ عملت مدرسا في وزارة التربية والتعليم لمدة 38 عاما. وبعد أن تمت إحالتي إلى التقاعد قمت بافتتاح ورشة للحدادة واللحام عملت فيها لمدة عامين وتركتها بعد ذلك بسبب المرض، أما الآن فمعظم وقتي أقضيه في دار المنار».

أما طراد مطر (68 عاما) فيقول: «على رغم الفقر الذي كان يعاني منه الناس في الماضي، فإن الحياة كانت بسيطة جدا، ولم يكن فيها تعقيد كما هو الآن، في الماضي كان الناس متعاونين في كل شيء، ويساعدون بعضهم ولا يوجد فرق بين أحد منهم، وكانت النيات الطيبة هي الأساس في علاقات الناس، وكان للتربية الصحيحة للأبناء دور كبير في غياب الكثير من المشكلات الموجودة حاليا، كما كان (للمطوع) في ذلك الزمان دور في التنشئة». ويمضي مطر في سرد شريط الذكريات: «عملت في وزارة الأشغال، وعملت كذلك في شركة «بابكو»، وكان الراتب في ذلك الوقت لا يصل إلى (روبيتين)، ولكنها كانت كثيرة، بالإضافة إلى ذلك فقد عملت في الفرقة الموسيقية التابعة لوزارة الداخلية، وكنت أحصل على 25 روبية شهريا، وكانت تعد مبلغا كبيرا في ذلك الوقت إذ كان فيها خير كبير. ولما وصل مرتبي إلى 28 روبية تزوجت، وكان الزواج في الماضي يكلف 200 روبية فقط، وسكنت بعد زواجي في منزل مصنوع من السعف إيجاره الشهري 4 روبيات». ويواصل: «معظم أوقاتي الآن أقضيها بين دار المنار في الفترة الصباحية، وبين العمل في المنزل».

أما لطيفة عبدالله فتقول: «كانت العائلة الكبيرة هي ما تميز الحياة في الماضي، إذ كان جميع أفراد العائلة وزوجاتهم يعيشون في بيت واحد ولا يفترقون، وكانوا يأكلون ويعملون مع بعض، وكانت تجمعهم روح المحبة والتعاون».

تواصل حديثها بحرقة: «أما الآن فقد تغير الوضع كثيرا، فكل شخص يعيش في منزل لوحده مع عائلته، فلو تلتقي العائلة فبعضهم لن يعرف الثاني لعدم التقائهم مثل السابق (...) كنت أساعد والدتي في مهنة الخياطة، إذ كنا نخيط (الكورال)، ونعمل في الظل بعيدا عن أشعة الشمس، لعدم توافر المكيفات في ذلك الوقت».

وتقول رقية محمد: «عشت طفولتي في منزل والدي، وعلى رغم وجود الخادمات اللاتي كنا يقمن بجميع أمور البيت من طبخ وتنظيف وغيرها، فإن والدتي حرصت على أن نتعلم كل شيء، إذ كانت تقول دائما إن الفتاة لابد أن تتعلم كل شيء، لأنها يوما ما ستتزوج ويكون لها أولاد، فتعلمت طبخ مختلف الطبخات البحرينية من هريس ومجبوس وبرياني وغيرها الكثير».

الزواج في سن مبكرة إحدى السمات التي يتميز بها الماضي... إذ تقول: «تزوجت عندما بلغت الرابعة عشرة من عمري، وانتقلت للعيش مع زوجي في منزل عائلته، وكانت لديهم في المنزل طباختان ولكن تم ترخيصهم لأقوم بنفسي بمهمات المنزل من طبخ وغسل وتنظيف، وأقوم بخدمة زوجي وعائلته، وكنت أتعب كثيرا من العمل المنزلي إذ مازلت صغيرة، ولم أكن اشتكي من التعب بسبب الخجل».

«وأنجبت الأطفال، وكنا نقضي فصل الصيف في القضيبية، أما فصل الشتاء فنقضيه في المحرق، فكنت أطلق عليها رحلة الشتاء والصيف».

وتمضي في حديثها: «بعد فترة من الزمن حدثت مشكلات مع زوجي، فخرجت للسكن في منزل منفصل مع أبنائي، إذ كنت أقوم بتربيتهم بنفسي، أهتم بهم عند مرضهم، وآخذهم بنفسي إلى المدرسة، حتى أولاد الحي قمت بتربيتهم إذ كنت أقوم بخياطة ملابسهم المدرسية وأقدمها لهم بالمجان مساعدة مني لهم، وأذكر في إحدى المرات قال أحد الذين قمت بتربيتهم من أبناء الحي لزوجته، لولا هذه المرأة لما أصبحت رجلا».

«وكبر الأبناء ودخلوا الجامعة ومنهم من تخرج من اسكتلندا وأميركا ومصر (...) وقد انضممت لعضوية جمعية الأمومة والطفولة، إذ أقضي وقتي هناك في ممارسة الكثير من الفعاليات والرحلات الترفيهية».


حياتي كانت صعبة

بهذه الكلمات بدأ إسماعيل علي حديثه، ويضيف: «عملت في سوق الخضار، وبعدها انتقلت للعمل في شركة «بابكو»، وقد كانت بنيتي الجسمية قوية عندما كنت شابا، لذلك كنت أذهب للعمل أيضا في مجال البناء».

ذكريات شجية وقطار عمر توقف عند محطات كثيرة حتى كاد يصل إلى آخر منعطفاته... أسئلة كثيرة تجرها تلك الزفرات التي امتزجت بسرد شريط الذكريات المثقل... والسؤال: هل نحتاج لانتظار الأول من أكتوبر من كل عام لنتذكر أن لآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا حقوقا في أعناقنا؟ هل حكم علينا أن نقلد الاحتفالات المعلبة ونصفق لها ثم نمضي... يوم للمسنين وآخر للأم وثالث للطفل ورابع وخامس.. الخ. نحتفي بالمناسبة ثم نركنها للعام المقبل. وحتى لا يصبح المسنون فرجة نذهب إليهم في دارهم عندما تأتي المناسبة السنوية ثم ننصرف عنهم ليغرقوا في ظلام الوحدة عاما جديدا؟ علينا أن نتذكرهم في كل حين، وقبل ذكرهم نعتبر أننا جميعا ربما إلى هذا الطريق ماضون

العدد 506 - السبت 24 يناير 2004م الموافق 01 ذي الحجة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً