العدد 530 - الثلثاء 17 فبراير 2004م الموافق 25 ذي الحجة 1424هـ

أشجار وغابات... وجه من الثقافة اليابانية

قد تكون اليابان بلدا صغير الحجم ولكنها تزدحم بالسكان وتتميز صناعاتها بأفضل الوسائل المتاحة للتكنولوجيا، كل هذا يجعل من الصعب التصديق بأن ما يقرب من 70 في المئة من مساحة أرضها تغطيه الغابات، ومع ذلك فان الصورة العليا التي التقطها القمر الصناعي «لاندسات» توضح لنا لماذا يمكننا ان نقول إن اليابان هي «أرض من الغابات تحيط بها البحار؟». ان اليابان أرض غنية بهبات تمنحها إياها الأشجار.

وقد ساهمت الأشجار لقرون طويلة في تأمين سبل الحياة لليابانيين، وفي مقابل ذلك ساهم اليابانيون بدورهم في تطوير الغابات. وحتى اليوم نجد الحياة في اليابان تتشابك متعانقة مع غاباتها.

مياه جوفية تمتصها جذور الأشجار، نباتات برية صالحة للأكل، فواكه ومكسرات، أخشاب للتدفئة، جذوع منشورة - ان الغابات في اليابان توفر ثروة كبيرة من المنافع وتساهم دائما في تأمين حياة الأفراد، كما تساعد الغابات على منع الفيضانات والانهيارات الجبلية وتبعث بالمواد الغذائية نحو المياه الساحلية.

في هذا المقال نرى لماذا تتميز اليابان بكل هذه الاراضي المغطاة بالغابات وما الظروف الطبيعية التي ساهمت في نمو الأشجار ولماذا يسعى الناس للحفاظ على الأراضي المغطاة بالغابات.

اليابان أرض الغابات

كل من أتيحت له فرصة الطيران فوق اليابان يتعجب من كثرة غاباتها، فاليابان دولة صناعية ضخمة وواحدة من أكثر دول العالم كثافة بالسكان، ومع ذلك فالغابات تغطي 67 في المئة من اراضيها ولا نجد بين الدول الصناعية الأخرى ما يعادلها تقريبا في هذه النسبة العالية من الغابات سوى فنلندا والسويد وهما دولتان تبلغ كثافة سكان كل منهما على الترتيب 4,5 في المئة و6 في المئة من كثافة السكان في اليابان، ولا توجد أي دولة صناعية أخرى تغطي الغابات اكثر من 50 من مساحة اراضيها.

ويمتد الارخبيل الياباني طويلا ضيقا عبر 2500 كم من الشمال الى الجنوب، وقد ادى ذلك الى وجود نوعية كبيرة من الأشجار تتنوع بين الصنوبريات في الشمال ثم جنوبا الاهليلج ذي الاوراق العريضة المتساقطة ثم الاهليلج ذي الاوراق العريضة دائمة الخضرة حتى نصل الى مستنقعات المنجروف في الجنوب شبه الاستوائي، وتختلف انواع الغابات أيضا تبعا للتدخل الانساني، فقد بدأ سكان القرى منذ سنوات كثيرة يقطعون الاخشاب للتدفئة ويزيلون الشجيرات وقد تم فيما بعد زرع غابات في تلك الاماكن، اما في بعض المناطق العميقة في الجبال فمازالت هناك غابات طبيعية لم يزرعها الانسان.

وتتنوع الأشجار أيضا داخل الغابة الواحدة وقد يختلف شكلها من موسم إلى آخر، ففي الخريف مثلا تصنع الأشجار متساقطة الاوراق منظرا للغابات حافلا بالالوان.

ان غابات اليابان فريدة من نوعها في هذا العالم حتى ليمكننا ان نعتبر هذا البلد متحفا حقيقيا للأشجار.

الحفاظ على الغابة حفاظ على النفس

لماذا تحافظ اليابان على هذا الكم الكبير من الغابات التي تغطيها؟ تمثل البيئة الطبيعية والتضاريس أهم العوامل المؤدية لذلك، فالرطوبة والمناخ الممطر يوفران جوا مثاليا لنمو الأشجار بينما تعوق الجبال عظيمة الانحدار عملية استصلاح الاراضي، ففي الماضي كان التقطيع الكامل للغابات على تلك المنحدرات يؤدي بسهولة الى حدوث الفيضانات والانهيارات الجبلية شبه السنوية تقريبا وقد تعلم اليابانيون عبر تلك التجارب القاسية أهمية الحفاظ على الغابات.

هناك أيضا عامل آخر لا يمكننا تجاهله وهو أن غالبية الأراضي المزروعة تغطيها حقول الارز الذي يزرع بنظام الغمر في المياه. فقد حرص المزارعون والمسئولون المحليون عبر قرون طويلة على الحفاظ على المساحات المغطاة بالأشجار لعلمهم بأن المياه اللازمة لري الارز تنساب من الاراضي العليا عند جذور الأشجار.

وهناك أيضا ذلك الاعتقاد الذي ساد بين اليابانيين بان الالهة تعيش في الغابات العميقة بين الأشجار الضخمة أو انها تأتي الى الأرض نحو الغابات المقدسة، ان هذا الاعتقاد كان عاملا مؤثرا آخر نحو الحفاظ على الغابات في اليابان.

فقد عرف الناس اذن ان الأشجار لها ضرورة حتمية لحياة الانسان وانتاجه، ومن هذه المعرفة نبعت الرغبة في الحفاظ عليها وتحسينها ليستفيد اليابانيون من منح الطبيعة جيلا بعد جيل، وقد ابتكر قاطعو الأشجار وسائل كثيرة لتجنب اي تبديد عند قطعهم الأخشاب بينما يحرص البناؤون والنجارون على اختيار القطعة الخشبية الصحيحة عند بناء المنازل وعند صنع الادوات الخشبية اليومية منعا لاي تبديد. انهم جميعا يدركون أهمية استخدام الاخشاب بشكل يضمن المحافظة على الغابات.

عودة للتواصل مع الطبيعة

عقب الحرب العالمية الثانية طرأت على اليابانيين خلال فترة الازدهار الاقتصادي بعد ذلك تغيرات كثيرة في اسلوب حياتهم وأصبح الياباني لا يجد وقتا للتفكير في أمر الغابات، وتحولت الأشجار الى مجرد شيء يراه على البعد، ولكن مع تقدم الاساس الاجتماعي للمواطنين بدأ المزيد من الافراد يرغبون في حياة هادئة ذات معنى حقيقي وهو ما يفسر تلك الرغبة الملحة في العودة للتواصل مع الطبيعة والغابات.

تنبعث من الأشجار مادة تسمى (فيتونتسيد) وهي مادة تعرف بأنها تثير شعورا بالراحة بين هؤلاء الذين يقضون وقتهم في الغابات، والغابة هي مكان يزخر بالكثير من الكائنات الحية التي تعيش في انسجام مع بعضها بعضا وهذا يجعلها مكانا مثاليا لدراسة الطبيعة وابتكار مهارات جديدة في الحياة، وقد وجد أخيرا اليابانيون من كبار السن ان الغابة هي مكان طيب لاكتشاف معنى جديد للحياة، وهناك أيضا مناطق في الغابات بدأت تستخدم مكانا لممارسة التدريبات البدنية اللازمة للاستشفاء.

ويتم تنظيم أنشطة كثيرة لزرع الأشجار على طول الضفاف العلوية لجداول المياه الجبلية وقد اظهر سكان المدن على وجه الخصوص رغبة متزايدة في المشاركة في تلك الانشطة فنجد مثلا موظفا بإحدى الشركات يتطوع خلال اجازته بالذهاب الى الغابات لغرس الشجيرات وقطع الزوائد النامية تحت الأشجار ويجد سعادة في ممارسة ذلك التدريب البدني بينما يساهم في الحفاظ على البيئة من أجل الاجيال القادمة، بل هناك أيضا صيادين يشتركون في تلك الجهود الرامية الى الحفاظ على الغابات واعين تماما إلى أن تلك الجداول الجبلية سترسل الوفير والمزيد من الخصوبة الغذائية الى البحر بعد قرن من الآن.

لقد أصبحت الغابة وأشجارها جزءا لا يتجزأ من النسيج الثقافي الياباني ومع تغير الزمن يزداد وعي اليابانيين بضرورة الحفاظ عليها وتنميتها.

الغابات في اليابان: حقائق وأرقام

مساحة اليابان 377829 كم2

مساحة الأرض المغطاة بالغابات في اليابان

(المصدر: الوثيقة البيضاء الخاصة بالغابات والتشجير، العام 2001)

المساحة الكلية: 251460 كم2

الغابات المزروعة: 103980 كم2 (41,3 في المئة)

الغابات الطبيعية: 133820 كم2 (53,2 في المئة)

حجم الأشجار المتزايدة، الغابات في اليابان (المصدر: وكالة رعاية الغابات)

الغابات المزروعة: 1892 مليون متر مكعب

الصنوبريات: 99 في المئة (أرز ياباني: 58 في المئة، سرو ياباني: 21 في المئة، آرزية: 9 في المئة، أخريات)

عريضة الأوراق: 1 في المئة («كونوجي» وبلوط «نارا»، الخ)

غابات طبيعية: 1590 مليون متر مكعب

صنوبريات: 28 في المئة (صنوبر، تنوب، شوكرات ياباني، راتنجية يابانية، الخ)

عريضة الأوراق: 72 في المئة (زان، بلوط ياباني، بتولا، كستناء، الخ

العدد 530 - الثلثاء 17 فبراير 2004م الموافق 25 ذي الحجة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً